رأى محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن خطر الحرب الأهلية يحدق الآن بمصر في واقع الأمر، لافتاً إلى أن الشعب المصري قد عانى انهيارًا شاملاً للنظام العام وتعرّض إلى اعتداءات دموية.


تحدث المعارض المصري والرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، عن الأسباب التي تجعله يعتقد أن الرئيس المصري حسني مبارك يجب أن يغادر منصبه في أقرب وقت ممكن، وكيف يجب أن تنظر إسرائيل إلى الثورات الشعبية في أنحاء العالم العربي كافة، وكيف يمكن له أن يتحول من quot;عميل للتغييرquot; إلى رئيس مصر المقبل.

في مستهل حديثه مع مجلة quot;دير شبيغلquot; الألمانية، أكد البرادعي أن خطر الحرب الأهلية يحدق الآن بمصر في واقع الأمر، لافتاً إلى أن الشعب المصري قد عاني انهيارًا شاملاً للنظام العام، وتعرض إلى اعتداءات دموية، وفي بعض الأحيان مميتة، من جانب محرضين، تم تجنيد معظمهم من قِبل جهاز المخابرات وكذلك الشرطة.

وقال إن دليله على ذلك هو أن الجناة تجردوا من ملابسهم العسكرية، بحيث لا يمكن التعرف إليهم. لكن المتظاهرين نجحوا في العثور على بعض من تلك الملابس، وأوراق الهوية الخاصة بهؤلاء الجناة مازالت موجودة عليها. وأوضح أن الطريقة الوحيدة التي تسببوا من خلالها في إحداث ذعر كبير جرت من خلال الهجمات التي ارتكبت بوساطة الأحصنة والجمال بدعم من الحكومة. وقد قاموا بسرقة المارة والصحافيين، وحاولوا أن يمنعوا المتظاهرين من الحصول على ما يحتاجونه من إمدادات.

ولدى سؤاله عن ضرورة وجوده في ميدان التحرير ليحاول استخدام سلطته في تهدئة الأشخاص الموجودين هناك، قال إنه قصد الميدان مرة واحدة، وحينها اندلعت بعض الاضطرابات. وتابع quot;أحتاج أن أحتاط من أجل سلامتي الشخصية. وهناك أشخاصاً يعتقدون أنهم سيقدمون للنظام معروفاً بقتلي. وكلما استمرت الأوضاع على هذا النهج مع مبارك، كلما اتضح أن البلد ينهار سياسياً واقتصادياً. على مبارك أن يرحل؛ ليس في مرحلة ما، ولكن الآن. وأعتقد أن الصبر بدأ ينفذ تماماً أيضاً لدى الأميركيينquot;.

وتعقيباً له على عدم استجابة الرئيس مبارك للمهلة التي منحها له كي يرحل من منصبه يوم الجمعة الماضي، الذي سمَّاه المتظاهرون quot;جمعة الرحيلquot;، سارع البرادعي إلى القول quot;وسأقولها مرة أخرى عليه أن يغادر منصبه على وجه السرعة. وأنا متأكد أن هناك دولة عربية ما ستستقبله. قد تكون البحرين. وإذا ما كان لديه إلى الآن شرارة وطنية واحدة، فهذه هي فرصته الأخيرةquot;.

أما عن رؤيته في الطريقة التي يفكر من خلالها الرئيس مبارك، أشار البرادعي إلى quot;لقد التقيته مرات قليلة، وتطرقنا في نقاشنا إلى سياسة مصر الخارجية. لكن المحادثات لم تكن مريحة على الإطلاق. ومع ذلك، أعتقد أنه يعاني علة الحكام المستبدين. ولا يجرؤ أحد من مقربيه أن يعارضه بعد الآن، ليقول له الحقيقة. وأعتقد أنه أصبح وحيداً الآنquot;.

في الإطار عينه رأى البرادعي أن الشعب المصري هو من يجب أن يقنعه بضرورة الرحيل، لا سيما وأن ثقافة الخوف قد تم التغلب عليها بالفعل في مصر، وأضحى الناس يعرفون أن بمقدورهم إنجاز كل شيء. وأكمل بأنه لم يكن يتوقع أن تسير الأمور في هذا الاتجاه بتلك السرعة، وأكد أن الشعب الذي كان مجمداً في غيبوبة سياسية منذ أشهر عدة، وقد أضحى الآن نموذجاً لجميع الشعوب المضطهدة في العالم.

عن رأيه في عدم وجود قائد حقيقي لهؤلاء المتظاهرين المرابطين في ميدان التحرير، وما إن كان يرى أنه قائدهم، رفض البرادعي ذلك، وقال quot;أنا لست ذلك الشخص الوقح. فهذه الحركة الاحتجاجية تحظى بقاعدة عريضة. ولا يمكنني القول إنني قائدها. وأنا سعيد بكوني عميلاً للتغيير، وأنا أعمل عن قرب مع المتظاهرين. وأنا مستعد لتقديم المشورة لهؤلاء الشبان كي يحولوا نجاحاتهم في الشارع إلى نتائج سياسية ملموسة. وسيأتي ثلاثة منهم لزيارتي من أجل هذا الغرض بعد أن ننتهي من الحديثquot;.

ثم تحدث البرادعي عن الحوار الذي بدأه نائب الرئيس، عمر سليمان، مع مندوبي أحزاب المعارضة المُؤَسَّسَة، وقال إن تلك الأحزاب ليس لديها الكثير لتقوله، وإن القوة الأكثر أهمية تتجسد في المتظاهرين والإخوان المسلمين، لأنهما أفضل المجموعات تنظيماً. وأكمل حديثه في هذا السياق بالقول quot;سأفضِّل أن أتحدث مع قيادة الجيش عما قريب لاستكشاف آلية تتيح لنا إتمام انتقال آمن للسلطة دون إراقة دماءquot;.

ورأى البرادعي في محور متصل أن هناك تشابهاً بين تلك المرحلة التي شهدت إطاحة بأنظمة في وسط وشرق أوروبا عام 1989 والانتفاضات الشعبية التي يشهدها العالم العربي حالياً، وقال إن تلك الأحداث كلها يمكن أن توصف على أنها فواصل تاريخية كبرى. مؤكدًا أن quot;ليس لدي شك في أن الانتقال الحاصل الآن في مصر سيرافقه تحول في منطقة الشرق الأوسط بكاملها. ويمكننا أن نهنأ بربيع عربيquot;.

وأخيراً، انتقد البرادعي ما وصفها بـ quot;الخرافاتquot; التي نجح مبارك في نشرها في الغرب وفي إسرائيل. وأولها، أنه إذا خرج من السلطة، فستحدث فوضى على الفور. ثانيها، إذا انتقلت مصر لمرحلة الديمقراطية، فستلغى معاهدة السلام مع إسرائيل وسنكون على وشك الدخول في حرب جديدة في الشرق الأوسط. ثالثها، إذا كان هناك تحول، فإن أحد رجال الدين الإيرانيين سيتولون مقاليد الحكم في القاهرة. وهذا كله هراء، برأيه.

ثم أوضح أنه لا يفكر بعقلية الإخوان المسلمين نفسها، وأنه لا يشاركهم أيديولوجيتهم الدينية المحافظة. ورأى البرادعي كذلك أن الأوضاع لابد أن تتحسن بالنسبة إلى السكان في قطاع غزة، وأن يتم رفع الحصار على الفور. وأكد في الختام أنه لا يسعى إلى أن يكون رئيس مصر المقبل، لكنه لن يخذل الناس، إن طلبوا منه ذلك. كما شدد على أنه يود أن يبقى مستقلاً ومحافظاً على مسافة معينة من الإخوان والسياسة الأميركية.