يراهن المراقبون للوضع في سوريا على حكمة الرئيس بشار الأسد وعلى النزعة الإصلاحية التي انطلق منها في حكمه، كي يرضخ لمطالب شعبه المحقة، ويلتزم بتنفيذ الإصلاحات التي أعلن عنها منذ أيام. لكن الشّارع السوري المحتجّ على أعمال العنف يبدو أنه يطلب أكثر من مجرد إصلاحات فهل ينجح النظام في امتصاص الغضب الشعبي ويلبي طموحاته؟
الرئيس السوري بشار الأسد


في 31 كانون الثاني ndash; يناير، قال الرئيس السوري بشار الأسد انه لا مجال لأن تمتد الإضطرابات السياسية التي كانت تعصف بتونس ومصر آنذاك إلى سوريا. لكن الأيام القليلة الماضية، غيّرت المقاييس التي استند إليها الأسد، حيث اضطرّ تحت ضغط التظاهرات الإحتجاجية وسقوط قتلى من المواطنين إلى إتخاذ قرارات إصلاحية بهدف امتصاص غضب الشارع.

وتعقيباً على إعلان هذه الإصلاحات، أجرى رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان إتصالاً هاتفياً بالرئيس الأسد أكد خلاله متانة العلاقات السورية التركية مشيدا بالقرارات الإصلاحية التي اتخذتها القيادة السورية. كما عبر إردوغان للرئيس الأسد عن وقوف تركيا إلى جانب سورية.

وكانت المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية السورية بثينة شعبان قد أكدت في حديث إعلامي اليوم أن quot;دمشق مستعدة لمناقشة أي شيء وأي مطلب طالما هو تحت سقف الوطنquot;، مشيرة إلى أن quot;الأيام المقبلة ستشهد إنطلاق عملية تطبيق القرارات والنقاط التي أعلنت في المجالين السياسي والخدمي، وذلك ضمن إطار زمني يلبّي طموحات الشعبquot;.

وأعلنت أن quot;التطبيق الفعلي يبدأ اليوم (مساء أول من امس)، والأسبوع المقبل سيشهد تطبيق قرارات أخرى، والتوقيت والسرعة هما من صلب هذه القراراتquot;.

لكن المفارقة أنه مع الإعلان الذي روّج له المقربون من الأسد لهذه الإصلاحات، لا يتأخر النظام السوري عبر ذراعه الأمنية في مواجهة الإحتجاجات السلمية بالرصاص الحي، حيث سقط إلى اليوم وفق تقديرات منظمة العفو الدولية 55 قتيلاً في درعا، ولا يعرف العدد الفعلي للقتلى بسبب التعتيم الإعلامي على الأمر.

كما أن القوى الأمنية السورية التي ينادي النظام التابعة له بالإصلاح، لا تتورع عن القيام بالإعتقالات للناشطين الحقوقيين المعروفين بمعارضتهم لنظام الحكم. كما ألقت الشرطة السرية في دمشق وفي مدن وبلدات سورية أخرى القبض على عدد من المعارضين السياسيين والكتاب والمدونين المطالبين بالديمقراطية، حسبما ذُكر.

لكن التلفزيون السوري أعلن في وقت متأخر من يوم الخميس أن الأسد أصدر أوامره بالإفراج عن كل من ألقي عليه القبض أثناء الأحداث الأخيرة.
التظاهرات المؤيدة للنظام في دمشق

وفي سياق متصل، كتبت صحيفة التايمز عن الأوضاع في سورية تحت عنوان quot;جدار الخوف انكسرquot; وتقول الصحيفة إن سورية الآن على مفترق طرق مع خروج الآلاف إلى الشوارع في تظاهرات ضد نظام الرئيس بشار الأسدquot;، لكنها ترى أن هذه الاحتجاجات لم تصل إلى الوضع الحرج ولا تزال هناك فرصة للنظام الحاكم لاستعادة المبادرة.

وتضيف الصحيفة أن أحد مستشاري الرئيس السوري أعلن يوم الخميس أن الحكومة ستدرس مطالب الشعب بما فيها بحث إلغاء حالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ عام 1963 الذي يمنح صلاحيات شبه مطلقة لأجهزة الأمن والاستخبارات لاحتجاز الخصوم السياسيين أو اعتقالهم لفترات طويلة دون محاكمة، إضافة إلى إجراء العديد من الإصلاحات.

ولكن وعود الحكومة فشلت في احتواء حالة الغضب والإحباط التي سيطرت على المتظاهرين الذين تأثروا بأعمال العنف التي وقعت في مدينة درعا ومقتل العديد من المتظاهرين برصاص قوات الأمن. ونقلت التايمز عن أحد نشطاء المعارضة قوله quot;جدار الخوف إنكسرquot; وإن تظاهرات الجمعة ستكون قوة دافعة للمعارضة.

وتقول الصحيفة إنه لم يتضح بعد ما إذا كان المتظاهرون سيعودون مجددا للتظاهر، لكن بعض النشطاء اقترحوا إنشاء مخيمات في وسط المدن على غرار ما حدث في ميدان التحرير في وسط القاهرة.

ويقول الناشط إن المتظاهرين الآن بحاجة إلى قيادة تقوم بتشجيعهم وحثهم على الاستمرار في التظاهرات التي تفتقد إلى قيادة موحدة أو منظمة.

القائد الإصلاحي

ترى quot;التايمزquot; أن الفرق بين الثورة في سوريا عن مثيلاتها في تونس ومصر أن الرئيس بشار الأسد لا يزال يملك شعبية في الشارع السوري وذلك لأن البعض لا يزال ينظر له على أنه قائد شاب في داخله إصلاحي ورث عن أبيه دولة بوليسية يحكمها نظام صارم يمكن أن يتغلب عليه في نهاية الأمر.

لعل هذه النظرة للرئيس بشار الأسد على أنه الرجل الإصلاحي هي التي دفعت بالمسيرات الشعبية المؤيدة له للإنطلاق في شوارع المدن السورية هاتفة باسمه، معلنة تأييدها ودعمها له، ومعبرة عن ابتهاجها بالمراسيم والقرارات الصادرة وللتأكيد على الوحدة الوطنية والوقوف بحزم ضد الاستهداف الخارجي لسوريا، كما أوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية quot;ساناquot;.

وشهدت دمشق والمحافظات السورية أمس الجمعة مسيرات شعبية لليوم الثاني على التوالي أكد المشاركون فيها رفضهم واستنكارهم للحملات الخارجية المنظمة على الشعب السوري التي تستهدف أمن واستقرار سورية ووحدتها الوطنية، معتبرين أن القرارات والمراسيم الإقتصادية والسياسية والخدماتية والمعيشية تنسجم مع طموحات الشعب السوري وتواكب تفاعله السياسي والإقتصادي مع الأحداث التي تشهدها المنطقة.

وشهدت شوارع العاصمة السورية دمشق مسيرات شعبية، نقلها التلفزيون السوري الرسمي، كما نقل أيضاً المسيرات الشعبية الراجلة والسيارة التي شهدتها كل من حماة ودير الزور وحمص والحسكة والقامشلي والرقة وحلب وإدلب والسويداء وطرطوس والقنيطرة.

ونقل الإعلام الرسمي السوري عن المشاركين في التظاهرات المؤيدة للرئيس السوري ترحيبهم بالمراسيم والقرارات التي أصدرها مؤكدين أنها جاءت استجابة لتطلعات المواطنين في مختلف المجالات المعيشية والسياسية. كما استنكر المشاركون في المسيرات الحملات الإعلامية المشبوهة التي تطلقها بعض وسائل الإعلام المغرضة ضد سوريا ومناخ الاستقرار فيها، وعبروا عن رفضهم للمخططات الخارجية التي تستهدف بلدهم ولكل محاولات المس بالوحدة الوطنية والاستقرار الداخلي فيها.

خياران أمام الأسد

في المقابل، لم تشفع القرارات الإصلاحية للرئيس السوري لدى أبناء درعا التي تعد معقلاً للعشائر المنتمية للغالبية السنية التي تشعر بالإستياء إزاء السلطة والثروة التي تهيمن عليها النخبة العلوية المحيطة بالأسد.

وفي وقت مبكر من صباح اليوم السبت أعلنت المساجد في أنحاء درعا أسماء القتلى الذين ستشيع جثامينهم في وقت لاحق من اليوم. في حين أزال عمال البلدية الحطام من حول تمثال الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي أسقطه المحتجون.

وذكرت المجموعة الدولية للأزمات ان بشار الاسد البالغ من العمر 45 عاما والذي تلقى تعليمه في بريطانيا قد يستعين برصيد من حسن النية لدى الجماهير لتفادي المواجهة وتطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية. ويذكر أن الرئيس السوري ورث الحكم من والده حافظ الأسد الذي رحل عام 2000 بعد ثلاثين عاماً قضاها في الحكم الذي انتزعه بإنقلاب عسكري.

وقالت المجموعة أمس الجمعة ان quot;سورية تواجه ما سيصبح سريعا لحظة حاسمة لقيادتها. لا يوجد سوى خيارين. أحدهما يتضمن مبادرة فورية ومحفوفة بالمخاطر بشكل حتمي ربما تقنع الشعب السوري بأن النظام مستعد للقيام بتغيير كبير، والآخر ينطوي على قمع متصاعد يتضمن كل الفرص لأن يؤدي الى نهاية دامية ومخزيةquot;.

وخرجت عاصفة من الإدانات الدولية لإطلاق النار على المتظاهرين. لكن محللين قالوا ان سورية التي تمتلك دفاعات قوية وتكون تحالفا وثيقا مع إيران لن تواجه على الأرجح النوع نفسه من التدخل الأجنبي الذي يحدث حاليا في ليبيا في وجه الزعيم الليبي معمر القذافي.

لكن البعض يرى أن الأسد الذي تقرب من الأقلية العلوية أثار حفيظة وإحتقان الغالبية السنية، وعن هذا قال السفير الأميركي السابق في مصر ادوارد ووكر ان هذا التوتر جعل كثيرين في المؤسسة الحاكمة يخشون من الرضوخ للمطالب الخاصة بالحريات السياسية والإصلاحات الإقتصادية. وأضاف: quot;هم بشكل أساسي أقلية مكروهة.. العلويون. وإذا فقدوا السلطة وإذا خضعوا للثورة الشعبية فسيعلقون على أعمدة الإنارةquot;، معتبراً أنه quot;ليس لديهم اي حافز على التراجع مطلقاquot;.

وتنتمي أسرة الأسد وقيادات عليا في الحكومة والمؤسسة العسكرية والحزب الحاكم إلى الطائفة العلوية التي لا تزيد نسبتها عن عشرة بالمئة من إجمالي تعداد السكان الذين ينتمي نحو ثلاثة أرباعهم للطائفة السنية إضافة إلى وجود أقلية مسيحية.

ولعل هذا ما يثير المخاوف من أن يؤدي الاختلال في ميزان توزيع القوى بين الطائفتين السنية والعلوية من إحتمال إرتفاع حدة الإضطرابات في حال امتداد موجة الاحتجاجات الحالية التي تتركز حتى الآن في مدينة درعا إلى المحافظات الأخرى، خصوصاً مع الحديث عن وجود مؤامرة خارجية تستهدف قلب النظام في سورية البلد الذي يعد من دول الممانعة في الشرق الأوسط.

يشار إلى أنه في عام 1982 سحق الرئيس السوري السابق حافظ الأسد حركة تمرد نسبت لجماعة الأخوان المسلمين تركزت حينها في مدينة حماة، وقيل إن عدد القتلى الذين سقطوا بأيدي قوات الأمن تراوح حينها بين سبعة عشر ألفاً وأربعين ألف قتيل.

ويعول المراقبون على حكمة الأسد الإبن وعلى بذرة الإصلاح التي يتمتع بها كي لا يكرر تجارب أبيه في قمع المواطنين وارتكاب المجازر بحقهم.