يهدد وحدة صف جماعة الإخوان المسلمين المصرية صدعاً عظيماً، لاحت بوادره في دعوة قيادات إخوانية الى إجراء إصلاحات داخل الجماعة، ونمو تيارات تحمل أيدلوجيات مستحدثة، أدرجها الواقع المرئي في حزبين منفصلين، لخوض الانتخابات النيابية المقررة في أيلول/ سبتمبر المقبل.


في خضم انشغالها بواقع الحياة السياسية الجديدة في مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير، تابعت إسرائيل ما يجري داخل جماعة الاخوان المسلمين المصرية، سيما في ظل بزوغ نجم الجماعة المحظورة سلفاً، وما يقابله من تحسبات وهواجس المعسكر السياسي والامني في تل أبيب من هيمنة التيارات الراديكالية على نظام ما بعد مبارك.

في هذا السياق، رصدت صحيفة هاآرتس بوادر انشقاق داخل الجماعة على خلفية الشخصية الجديدة المؤهلة لقيادتها، واستهل الصحافي الإسرائيلي quot;تسيفي بارئيلquot;، معدّ تقرير الصحيفة العبرية حديثه عن تلك الاشكالية باقتباس عبارة وردت على لسان المرشد العام السابق لجماعة الاخوان المسلمين في القاهرة مهدي عاكف البالغ من العمر 83 عاماً، وجاء في الاقتباس: quot;لا تعنيني هوية القائد الجديد للجماعة حتى إذا كان قبطياً، فما يهمني أن ينفذ هذا القائد اجندة الإخوان، بعد ان يتم انتخابه عبر الجمعية العامة للجماعةquot;.

اتساع هوة الخلاف

وعلى الرغم عن ابتعاده لفترة ليست بالقصيرة عن ادارة شؤون جماعة الاخوان المسلمين، الا ان عاكف بحسب هاآرتس، آثر العودة بقوة للحيلولة دون اتساع هوة الخلاف التي خيّمت على الجماعة خلال الاونة الأخيرة، ومنع انشطارها الى كتلتين او حزبين، يخوض كل منهما صراعاً على حدة في انتخابات البرلمان المصري quot;مجلس الشعبquot; المقررة في أيلول/ سبتمبر المقبل.

وبدأت الفرقة تدبّ في اوصال جماعة الاخوان المسلمين المصرية، بعد هدوء المظاهرات والاحتجاجات التي شهدها ميدان التحرير في القاهرة، إذ طالبت مجموعة من نشطاء الجماعة، اطلقت على نفسها نفسها اسم quot;شباب الاخوانquot; بإجراء انتخابات حرة ونزيهة لتنصيب قيادة جديدة لجماعة الاخوان المسلمين، واعتبرت تلك المجموعة ان طلبها لا يتناقض ومطالب الثورة المصرية، فكما ان الثورة طالبت بإجراء انتخابات حرة ونزيهة لانتخاب رئيس جمهورية، فلابد من تفعيل هذا المبدأ لانتخاب قيادة جديدة للإخوان، يمكنها التعاطي مع متطلبات المرحلة الوليدة، التي تشهدها خارطة مصر السياسية.

ويقود مجموعة شباب الاخوان الدكتور ابراهيم الزعفراني، الذي اعتبرته الصحيفة العبرية قائداً اخوانياً مخضرماً، سيما انه كان في السابق عضواً في مجلس شورى الجماعة، وهو المجلس الذي يعدّ اعلى هيئة في جماعة الاخوان المسلمين، ويتم عن طريقها انتخاب الكوادر القيادية للجماعة.

وانضم الى الزعفراني الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح الامين العام لاتحاد الاطباء العرب، ويمثل كلا الرجلين quot;الزعفراني، وابوالفتوحquot; جيل الوسط، والتيار البراغماتي والاصلاحي في جماعة الاخوان المسلمين، سواء من خلال وجهة النظر الدينية او السياسية.

وتسعى مجموعة شباب الاخوان الى الاعلان عن حزب سياسي جديد باسم quot;النهضةquot;، وسيكون هذا الحزب منفصلاً عن جماعة الاخوان، التي اعلنت هى الاخرى تدشين حزب مناظر اطلقت عليه quot;الحرية والعدالةquot;. وامام هذا الواقع اعتبرت هاآرتس ان تلك التطورات ليست جديدة على تاريخ جماعة الاخوان المسلمين، فكثيراً ما اعترت الجماعة خلافات وتباينات حادة في وجهات النظر، إذ انشق الاخوان على انفسهم اكثر من مرة منذ بداية تأسيس الحركة عام 1982 على يد حسن البنا، واسفر هذا الشقاق عن خروج جماعات أخرى من رحم الاخوان.

ففي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، انشق عن الجماعة فئتين، اطلقت الاولى على نفسها اسم quot;الجماعة الاسلاميةquot;، بينما اطلق الفئة الاخرى على اسم quot;التكفير والهجرةquot;، وكان وجه الخلاف مع الجماعتين المنشقتين عدم تبني الاخوان المسلمين لسياسة العنف حال الرغبة في تنفيذ مطالب معينة.

ايدلوجيات جوهرية

وفي عام 2007 على خلفية نشر المنهج السياسي، بعد فوز الاخوان الساحق في انتخابات مجلس الشعب عام 2005، دبّت الخلافات بين الكوادر الاخوانية بسبب ايدلوجيات جوهرية، تتعلق بموقف الجماعة من المؤسسات القضائية في مصر، إذ اقترح معسكر الاخوان الاصلاحي اقامة مجلس منتخب من علماء الدين، ليقوم بدوره في تقديم المشورة للنظام في الامور ذات الصلة بالدين الاسلامي، للحيلولة دون ضلوع المؤسسة الدينية الرسمية quot;الأزهرquot; في قرارات الدولة ذات الصلة بالشريعة الاسلامية، كما تتمكن الجماعة عن طريق المجلس المقترح تفعيل احد بنود اجندتها، وهو منع المرأة من الوصول الى مناصب قيادية في الدولة، وتفويت فرصة وصول الاقباط الى مقعد الرئاسة.

في مقابل هذا المعسكر، طالب الفريق البراغماتي في الجماعة بالاعتراف بصلاحيات المحكمة الدستورية المصرية في اتخاذ قرارات تشريعية، بما في ذلك القرارات ذات الصلة بالدين، كما ابدى هذا الفريق قبولاً لوصول المرأة والاقباط إلى مناصب قيادية في الدولة بحسب الصحيفة العبرية.

لم يكن الشقاق وتباين وجهات النظر داخل جماعة الاخوان المسلمين مقتصراً على الايدلوجيات، وانما طال تعيين الكوادر القيادية داخل الجماعة، فضلاً عن تعيين المرشد العام نفسه، وتوزيع الصلاحيات، وقد نجم من هذه الخلافات بحسب هاآرتس خلق تيارات داخل الجماعة فضلت الابتعاد عن هذا الصراع، حتى ان بعض القيادات الاخوانية، وفي مقدمتهم الدكتور محمد حبيب نائب المرشد العام، قرر الانسحاب من الجماعة.

على الرغم من ذلك، تعتبر الخلافات الدائرة حالياً داخل جماعة الاخوان المسلمين هى الاكثر تهديداً لوحدة وتماسك الجماعة منذ تأسيسها وحتى الان، خاصة ان الحركة باتت في وضعية ومناخ يختلف عن الفترة، التي سبقت ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير، إذ كانت الاعتقالات ومطاردات النظام السابق لكوادر الجماعة عاملاً مؤثراً في وحدة صفها، وتمسكها بمبادئها الراسخة، ولكن الثورة والتحرر من قيود واغلال الماضي، حرضت كوادر الجماعة على التطلع للعب أدوار سياسية أعلى سقفاً وأوسع مجالاً، الامر الذي ينذر بتشتتها واهترائها وفقاً لهاآرتس.

مجموعةالاخوان

نتيجة لهذه الأجواء، لاحت في الأفق بوادر غير مسبوقة، إذ دعا القيادي الاخواني خيرت الشاطر، الذي أُطلق سراحه من المعتقل قبل أيام ndash; دعا أعضاء الجماعة الى طرح اقتراحات لإجراء اصلاحات، وعدم كتمان انتقاداتهم لقيادة الاخوان، وبشكل غير مفاجئ صاغ الشاطر دعوته ونشرها في غروب جماعة الاخوان المسلمين على موقع فايسبوك.

ووجّه الشاطر دعوته الجديدة الى مجموعة شباب الاخوان، مؤكداً انه عرضها على قيادات الجماعة قبل نشرها. ووفقاً للصحافي الاسرائيلي quot;تسيفي بارئيلquot;، لا تنفصل مجموعة شباب الاخوان عن شباب الثورة المصرية، خاصة ان الفريقين تلاقيا في المعتقلات، وتعاونا في تدشين مواقع معارضة على شبكة الانترنت، وخرجا سوياً في مظاهرات واعتصامات في المصانع والنقابات المهنية، وخلال العقد الاخير على الاقل نما بين الفريقين تواصلاً وتفاهمًا غير مسبوق، يفرض عليهما صياغة وتفعيل أهداف معينة لتحويل مصر الى دولة أكثر تقدماً.

وخلصت الصحيفة العبرية الى ان التطورات الحالية داخل بيت الاخوان المسلمين، تفرض غيوماً وهالة ضبابية على قوة الاخوان خلال الانتخابات النيابية المقبلة في مصر، الا انه خلال الانتخابات التي جرت خلالالاسبوع الماضي في اتحاد طلبة بعض الجامعات المصرية، حازت جماعة الإخوان نسبة من اصوات الطلبة الناخبين تتراوح ما بين 12 الى 28%، وربما تعكس هذه النسبة الى حد كبير قوة الاخوان الحقيقية بين الجماهير المصرية.

في مقابل هذا المشهد، يحاول الحزب الوطني الحاكم سلفاً استعراض قوته بحسب هاآرتس، إذ أطلق الحزب صفحات عدة على فايسبوك، أعرب فيها quot;عن فتح صفحة جديدة مع المواطنينquot;، ووفقاً لتقديرات كوادر الحزب، فإن هناك فرصة جيدة اعداد كبيرة من الاعضاء الجدد في الحزب من مختلف المحافظات المهمة، مثل سوهاج والمنيا واسيوط في جنوب مصر، ويبدو ان الحزب الحاكم سابقاً لا يعتمد فقط في تقديراته على ان احزاب المعارضة ستعجز في تنظيم نفسها خلال الفترة القليلة المتبقية قبل الانتخابات، وانما يعتد الحزب ايضًا على حقيقة ان معظم الاجهزة الحكومية التي تقدم خدماتها للمواطنين، تؤيد استمرار سيطرة الحزب الوطني على السلطة.