سكان ينظرون إلى إحدى الأضرحة المتضررة داخل مسجد في شمال القاهرة

لا حديث في مصر طوال الأسابيع القليلة الماضية إلا عن اشتعال الفتنة بين السلفيين والصوفيين، التي اندلعت بين الجانبين بسبب إصرار الجانب السلفي على هدم أضرحة دينية مقامة داخل المساجد، بدعوة أن الإسلام يحرم زيارة القبور أو التبرك بها، أو الصلاة في المساجد المقامة بها، ويحرم الإحتفال بالموالد الخاصة بآل البيت، ومنهم الحسين بن علي، السيدة زينب، السيدة نفيسة والسيدة عائشة. فيما يصر الصوفيون على أن الإسلام أحل زيارة القبور لأخذ العبرة والموعظة، ويأمر بالتبرك بزيارة أضرحة quot;آل البيت والأولياء الصالحينquot;، وقرروا أنهم سوف يتصدون بكل حسم لأيّ محاولات ترمي إلى هدم الأضرحة.


تجري العديد من التيارات الإسلامية ومنها جماعة الإخوان المسلمون والجماعة الإسلامية والأزهر ووزارة الأوقاف محاولات جادة لإحتواء الخلاف بين التيار السلفي والصوفي حول هدم الأرضرحة الدينية داخل المساجد، وإقناع التيار السلفي بعدم الإستمرار في هدم الأضرحة أو التحريض على ذلك، والسيطرة عليهم. غير أن الكثير من الخبراء يرون أن تلك الفتنة، التي تبدو في ظاهرها دينية إلا أنها تختفي وراء صراعات سياسية، ولا سيما بعد خوض الجانبين العمل السياسي.

فتاوى سلفية

بدأت الحرب أو الفتنة بين الجانبين بإطلاق قيادات سلفية فتوى تحرم الصلاة في المساجد التي تضم قبورًا أو أضرحة لمن يطلق عليهم quot;أولياء الله الصالحين وآل البيتquot;، مع ضرورة هدم تلك الأضرحة سواء الموجودة المساجد أو المقامة من دون مساجد، ومنع إقامة الموالد الخاصة بهم، ومن أشهر المساجد والموالد التي استهدفتها الفتوى في مصر: الحسين، السيدة نفيسة، السيدة زينب، و السيدة عائشة بالقاهرة، السيد البدوي بمدينة طنطا، سيدي إبراهيم الدسوقي بمدينة دسوق، المرسي أبوالعباس، سيدي بشر، بمدينة الإسكندرية، سيدي عبد الرحيم القناوي بمدينة قنا، وتضم مصر الآلاف من الأضرحة بعضها مقام بمساجد وبعضها الآخر مقام وسط المنازل من دون مصلى.

فلول النظام السابق والتيارات العلمانية

ووفقًا للشيخ سعيد محمود أحد قيادات جماعة أنصار السنة المحمدية، التي تعتبر أكبر التيارات السلفية في مصر، فإن ما يحدث من محاولات لهدم الأضرحة في شتي أنحاء الجمهورية، تقف وراءها فلول الحزب الوطني والنظام السابق والتيارات العلمانية التي تبغي دق أسفين أو زرع الفتنة بين التيارات الإسلامية في مصر، بعدما ظهر جليًا أنها ذات شعبية وتمثل قوة لا يستهان بها في أوساط المصريين، وأضاف لـquot;إيلافquot; أن إعلان كل من السلفية والصوفية الدخول في معترك الحياة السياسية، من خلال إنشاء حزبين سياسيين، أثار غضب وغيظ التيارات العلمانية التي تريد الإنفراد بالساحة السياسية علىالرغم من أنها لا تمتلك أي أرضية أو شعبية تؤهلها للقيام بدور سياسي واضح في المرحلة المقبلة.

وعلى الرغم من إلقاء محمود المسؤولية على من وصفهم بـ quot;فلول الحزب الوطني والتيارات العلمانيةquot; في محاولات هدم الأضرحة، إلا أنه اعترف بأن السلفيين يرون أن بناء الأضرحة أو زيارتها أو التبرك بها أو الصلاة في المساجد المقام بها واحد منها، من مظاهر الشرك والجاهلية، وقال إن موقف السفلية من ذلك الأمر ثابت منذ مئات السنين.

وتابع: ما يفعله الصوفيون من إقامة الإحتفالات بموالد من يصفونهم بـ quot;أولياء الله الصالحين أو آل البيتquot; محرم شرعًا، لاسيما أن تلك الإحتفالات يقع فيها الكثير من المحرمات وتمارس فيها أنواع شتي من الدجل والشعوذة، وينبغي إلغاؤها فورًا، كما أن الإسلام يدعو إلى تسوية القبور بالأرض، وعدم بناء المساجد فوقها أو وضع قبر داخل مسجد، لأنها من مظاهر الوثنية والشرك بالله، لكن ذلك لا يدعو لتغييرها من قبل العامة مباشرة، وإنما يكون من خلال القضاء أو الحاكم، وأعتقد أن من قاموا بهدم الأضرحة في محافظة المنوفية، إذا كانوا من السلفية، فقد قاموا بذلك استنادًا إلى الحديث النبوي القائل quot;من رأى من منكرًا، فليغريه بيده، وإن لم يستطع فليغريه بلسانه، وإن لم يستطع بقلبه، فذلك أضعف الإيمانquot;.

أما الشيخ محمود عامر زعيم السلفيين بمحافظة البحيرة، فقال لـquot;إيلافquot; إن quot;الصلاة لا تجوز على الإطلاق بمساجد تضم أضرحة، ويجب أن تهدم، وتعتبر الأفعال التي يأتي بها الصوفية أثناء أقامة موالد من يعتبرنهم أولياء الله الصالحين من موجبات الكفر، كما أنها تكون سببًا في إرتكاب الكثير من الأفعال غير الأخلاقية فضلًا على المعاصي، ويجب أن يتم إيقاف كل تلك المهاترات التي لا أساس لها من الدين، وتعتبر من المنكر الواضح الذي يجب تغييره فورًا، مشيرًا إلى أن التغيير يكون من خلال الحاكم، وليس من خلال العامة، وأضاف أنه من الضروري إستحداث شرطة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تكون تابعة لوزارة الداخلية، تكون مهمتها تنفيذ تلك الأمور الواضحة، والتي يتفق عليها العلماءquot;.

quot;خارجون عن الإسلامquot;

رجال يجتمعون أمام ضريح الامام الحسين في مسجد في القاهرة

الأزهر بوصفه المؤسسة الدينية الرسمية، الراعية للوسطية في الاسلام، ترفض أفعال السلفية، وجاء ذلك على لسان أحمد الطيب شيخ الأزهر، والذي يعتبر أحد كبار مشايخ الصوفية، ووصف السلفيون في لقاء مع بعض مؤيديه، بأنهم quot;خارجون عن الإسلامquot;، وأوضح أن quot;من يحرمون الصلاة فى المساجد التى يوجد بها أضرحة هم أصحاب فكر فاسد، والصلاة ليست باطلة وإلا كانت الصلاة فى المسجد النبوى باطلة ولأبطلت صلواتهم أيضًا والمسلمين منذ 1400 عامquot;، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل قال فيهم أيضًا quot;هؤلاء على استعداد أن يتصالحوا مع نتانياهو ولا يتصالحون مع السيد البدوى رضى الله عنه، فهؤلاء خارجون عن إجماع المسلمينquot;.

خلاف ديني سياسي

وقال الشيخ علي أبوالنجا أستاذ العقيدة في جامعة الأزهر إن الخلاف بين السلفيين والصوفيين قديم جدًا، وأوضح لـquot;إيلافquot; أن الفريق الأول ينظر للأخير بوصفه مشرك، أو كافر، لأنه يتبرك بالأضرحة ويرفع آل البيت وأولياء الله الصالحين لمراتب الأنبياء والصحابة، بل يرفعون بعض مشايخهم إلى مرتبه الإله. مما يستوجب قتالهم وقتلهم، فيما يرى الصوفيون أن السلفيين متشددون، ولا يفهمون صحيح الإسلام، ويكذبون على الرسول، من خلال أحاديث موضوعة أو إسرائيليات، وأنهم يعملون لحساب الحكام، ويتخذون من مبدأ التقية دستورًا لممارسة الدعوة.

وأشار إلى أن الجانبين لديهما أفكار مغلوطة، ويجب التصدي لهما من جانب الأزهر، وأضاف أن ظهور تلك التيارات والمذاهب جاء نتيجة لتراجع دور الأزهر كمؤسسة تعلم الناس الدين الإسلامي المعتدل، بدون مغالاة أو تفريط، ولن يختفي هؤلاء إلا لو عاد علماء الأزهر إلى العمل بجد، مع ضرورة فتح وسائل الإعلام أمامهم، فقد كان التليفزيون الرسمي في السابق مفتوحًا أمام السلفيين والصوفيين، من أجل تغييب المصريين، من خلال الحديث عن أوصاف الجنة والنار.

وأرجع الصراع بين الجانبين حاليًا نتيجة لأرتداء كلا الفريقين لباس السياسة، وسعيه نحو الحصول على مكاسب سياسية بعد نجاح الثورة في الإطاحة بالنظام السابق. محذرًا من أن إندلاع فتنة كبرى بين الطرفين، قد تحرق مصر كلها، لأن كلاهما لديه أتباع تقدر أعددهم بالملايين.

تحذير صوفي

ولكن ماذا عن موقف الجانب الآخر؟ ويرد الشيخ عبد الهادي القصبي شيخ الطرق الصوفية، قائلًا إن التيار الصوفي قادر على حماية الأضرحة أوالمساجد التي تضم أضرحة، سواء كانت مساجد آل البيت أو مساجد أولياء الله الصالحين، وقال لـquot;إيلافquot; إن جموع الصوفيين سوف يتصدون لأية محاولات للإعتداء على الأضرحة أو المساجد أو الإحتفالات، وحذر التيار السلفي من مغبة الإقدام على هدمها، داعيًا إياهم إلى انتهاج الإسلام المتسامح الذي يرفض العنف والتشدد، ويقبل الحوار مع الآخر. منوهًا بأن التهديدات التي خرجت بهدم الأضرحة صدرت من أشخاص غير مسؤولين، وليست لديهم دراية بصحيح الإسلام. واعتبر إصدار فتاوي تبيح هدم الأضرحة هو فعل بمثابة النفخ في النيران، لأحراق مصر كلها.

محاولات لإخماد النيران

وما موقف باقي التيارات الإسلامية الأخرى من تلك الفتنة التي تهدد بإحراق مصر، حسبما يتوقع البعض؟ ما موقف جماعة الإخوان المسلمون تحديدًا بوصفها التيار الإسلام الأكبر والأكثر تأثيرًا في مصر حاليًا؟
ويشير عصام العريان القيادي بالجماعة إلى أن هناك محاولات للقريب بين الجانبين، معتبرًا أن إطلاق فتاوى بهدم الأضرحة وتعطيل الموالد أو الإحتفالات الصوفية quot;إجتهاد ليس في محلهquot;، وقال لـquot;إيلافquot; إن الخلافات بينهم يمكن أن تجد طرقها للحل في ظل مناخ الحرية الذي تعيشه مصر بعد الثورة.

عمليًا نجح القيادي الإخواني جمال حشمت في التوفيق بين قسم من السلفية والصوفية بالإسكندرية، فيما عرف باسم quot;وثيقة الإسكندريةquot;، والتي نصت على تخلي السلفيين عن فتاوى quot;هدم الأضرحة وتحريم الصلاة في المساجد التي تضم أضرحة، وتحريم تكفير الصوفيةquot;، في مقابل تخلي الصوفيين عن إتهام السلفيين بالتشدد والتعصب.

واعتبر محمود منصور أحد قيادات الصوفية بالإسكندرية أن الوثيقة مقدمة للتوفيق والإصلاح شريطة أن يلتزم بها التيار السلفي، معتبرًا أن عدم الإلتزام والإصرار على تكفير الصوفية وهدم الأضرحة لن يأتي بالخير على الجميع بمن فيهم السلفيين أنفسهم، لأنها ستكون فتنة وفساد مبين على حد قوله.