في وقت تأزّمت فيه العلاقات الخليجية الإيرانية، بدأ الخليجيون يبحثون في تاريخ سواحل إيران، كاشفين عن أسرار، أهمها أن منطقة فارس كانت موطن العرب القديم وميناء تجارتهم، قبل أن يُهجَّروا إلى الساحل الغربي للخليج العربي، بعد نجاح اتفاقية بريطانية فارسية مشتركة.


دبي: بعد تصاعد التوتر في العلاقات الخليجية الإيرانية، بدأ الخليجيون يفتشون في أوراقهم ووثائقهم القديمة التي تتحدث عن تاريخ سواحل إيران وأهل الخليج العربي. خاصة بعدما تم طمس وإخفاء الكثير من الحقائق والهويات التاريخية، التي كانت تخصّ هذا الساحل الشرقي للخليج العربي، وبعدما جرى تغيير الكثير من أسمائها.

من جهتها، بدأت القنوات الخليجية تتحدث أيضًا عن تاريخ المنطقة وأصولها بعدما كانت منغمسة في إنتاج الطرب والغناء والمسلسلات الهابطة عقودًا طويلة، وذلك بعدما تنبهت أن هناك أيادي خفية مشبوهة وخطرًا ما يقف وراء تلك الجهات الممولة والداعمة مثل تلك الأعمال الهابطة، التي هدفت الى إلهاء عقول الناس وتشتيت تفكيرهم عن أمور أخرى لا يرغبون لها أن تطفو على السطح أو أن يفكر فيها المواطن الخليجي.

وقد أسفرت أعمال المراجعة والبحث في الوثائق التاريخية لمنطقة فارس عن إعادة الكثير من الحقائق التي طمست بفعل مغالطات تاريخية تخفى عن الكثيرين.

فهذا البر الشرقي للخليج يحمل أسرارًا كثيرة، أهمها أنه كان موطن العرب القديم وميناء تجارتهم، قبل أن يتم تهجيرهم الى الساحل الغربي للخليج العربي، بعد نجاح اتفاقية بريطانية فارسية مشتركة. وقد أثبتت وثائق وكتب تاريخية موجودة في الأرشيف البريطاني والمكتبات الخليجية لرحالة أجانب وكتاب من عرب فارس تلك الحقائق والأسرار.

فالرحالة الألماني كارستسن نيبور الذي عاش في الفترة ما بين 1733 و1815 قال عند مجيئه الى المنطقة في عام 1765 اي في منتصف القرن الثامن عشر quot;يخطئ بعض الجغرافيين اذا اعتبروا أن جزءًا من السواحل العربية في الخليج كانت خاضعة لملوك العجم، بل إن العكس هو الصحيحquot;. مضيفًا في كتابه، الذي يعدّ من اهم الكتب التي نتجت في القرن الثامن عشر عن منطقة الخليج، quot;من المضحك تسمية هذا الخليج العربي بالخليج الفارسي، وذلك لأن العرب كانوا يسيطرون على الخليج بشاطئيه الغربي والشرقيquot;.


ما يؤكد ذلك أيضًا ما ذكره المفكر عمر بن عبدالعزيز الزيد خلال لقائه مع قناة الصفا الفضائية أخيرًا من أن ميناء بندر عباس، الذي يعد أكبر مواني ايران، كان عربيًا بالكامل، وكذلك الجزر الموجودة في مضيق هرمز، مثل الجزيرة التي يسميها الفرس quot;قشمquot; واسمها الأصلي العربي quot;جسمquot;، وبجوارها بندر لنجة، وجزر أخرى عدة، مثل صير وهنجام وبندر لنجه. مضيفًا أن كل حوض الخليج بمناطقه الشرقية والغربية كافة هو عربي، وليس فارسيًا، يسكنه العرب الهولة والاحوازيون، وذلك حتى نهاية النصف الثاني من زمن الدولة القاجارية quot;الفارسيةquot; وقدوم الاحتلال البريطاني الى المنطقة.

وقال الزيد إن كل المنطقة الواقعة بين بندر عباس وميناء بوشهر والمحمرة تسمى بمنطقة العرب المتحولين quot;الهولةquot;، أي العرب الذين حولتهم إيران، حيث انتقل بعض العرب من الجزيرة العربية ومن شواطئ الخليج العربي الغربية الى شواطئه الشرقية، وأقاموا هناك ممالك ومدن، وكان لهم صولات وجولات في ساحل فارس العربي، حيث سيطروا على كل المناطق الواقعة على الساحل الشرقي للخليج العربي.

ولفت الزيد الى أن هنالك قبائل مشهورة حاليًا كانت تعيش في الساحل الشرقي للخليج العربي ممن يطلق عليهم quot;العرب الهولهquot; مثل اتحاد قبائل العتو، ومنهم آل خليفه وآل الصباح والعمانيين والقواسم والجلاهمه وغيرهم، ومن اشهر quot;العرب الهولهquot; أيضا (قبيلة المرازيق من العجمان من يام من الهمدان)، ويتركز اكثرهم فى الامارات، وهؤلاء كانت لهم قوة ضاربة فى الخليج، وكذلك (قبيلة النسور وهم الجبور من بنى خالد كانوا يحكمون البحرين، ووقع بينهم حروب مع البرتغاليين، انتهت باحتلال البرتغال للبحرين، ومن ثم قدمتها هدية سائغة للدولة الصفوية).

هذا الامر أجبر هؤلاء الجبور على الرحيل بعد ذلك الى الضفة الغربية من الخليج، واقاموا لهم حكماً وامارة هناك.

وأشار الزيد الى أن قبائل القواسم، الذين كان ومازال لهم شأن عظيم في الخليج العربي، قد تمركزوا في جلفار (الاسم التاريخي لرأس الخيمة) حاليًا والشارقة، بعدما كانوا يعيشون في الضفة الشرقية من الخليج العربي، خاصة جزيرة قشم، التي كان اسمها quot;جسمquot;، وهي التي ينسب اليها الفنان الاماراتي الشهير حسين الجسمي.

وكان القواسم يحكمون جزيرة جسم quot;قشمquot; وخاضوا حربًا ضروس ضد البرتغاليين، انتهت بهزيمة البرتغاليين واخراجهم من الخليج العربي ابان نهاية الدولة الابشرية في عهد نادر شاه والدولة القاجارية. وكان للقواسم أسطول كبير في الخليج العربي، مما ممكنهم من السيطرة عليه، كما سيطر العُمانيون كذلك على خليج عُمان. ورغم تلك السيطرة لم ينعم القواسم والقبائل العربية الاخرى بالنصر والسيطرة على الخليجين العربي والعمُاني الا قليلاً، حيث دخلوا في حرب جديدة بمعاونة quot;العرب الهولهquot; ضد الاحتلال البريطاني، الذي جاء الى المنطقة في اواخر عهد الدولة القاجاراية، التي كانت قد نشأت فى القرن التاسع عشر وبداية مهد الدولة البهلوية في القرن العشرين.

وأوضح الزيد أن امارة القواسم في بر فارس ورأس الخيمة قد دخلت في حرب طويلة مع البريطانيين الذين كانوا يهدفون الى وقف المد الوهابي السلفي على امتداد القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حيث تحالفوا مع الدولة القاجارية quot;الفارسيةquot;، ثم مع الدولة البهلوية، وذلك لضرب الوجود السلفي الوهابي، وكان القواسم ممن آمنوا بتلك الأفكار السلفية التي امتدت معهم حتى اليوم الى حد ما.

وكانوا يحاربون عن عقيدة عبر امتلاكهم أساطيل ضخمة دخلت في حروب شرسة ضد البريطانيين. ولذلك خشي الانجليز من انتقال الدعوة السلفية الى بلاد فارس، خاصة وأن هذه الدعوة السلفية الوهابية تعد محركًا للشعوب، وتحيي عقيدة الجهاد ضد الاستعمار والغرب والصليبيين. ولتلك الاسباب، يقول الزيد إن البريطانيين والفرس ارادوا ضرب هذه العقيدة السلفية، وبدأوا بمحاربة القواسم، الذين حملوا تلك العقيدة على كاهلهم من اجل نقلها الى بلاد فارس.

وبدأت حروب طويلة وشرسة مع قبائل العرب المرازيق والجبور والقواسم والبوعلي والعُمانيين وأساطيلهم في الخليج ضد بريطانيا التي كانت متحالفة مع الفرس منذ قيام الدولة الفارسية. وذلك على غرار تحالف الدولة الصفوية في القرن العاشر مع البرتغاليين. وسعت بريطانيا الى انهاء الوجود والهيمنة العربية على الضفة الشرقية من الخليج، فبدأت في اخراج العرب من الساحل الشرقي، حيث كانت بريطانيا اول من أخرج العرب من بندر عباس، الذي يعدّ أشهر ميناء على مضيق هرمز.

هزيمة العرب والخروج من الساحل الشرقي
بعد قتال مرير، استطاع الانجليز طرد العرب من بندر عباس في 1854، وبالتالي قضي على الوجود العربي في اهم ميناء في ايران، ثم اتحد القواسم مع العُمانيين، وكوّنوا أسطولاً لاستعادة الجزيرة، ولكنهم لم يستطعوا استرداد الجزيرة.

واحتلت لنجة، ونفي اميرها الى طهران سنة 1887، وكان يحكمها القواسم، وكذلك تم احتلال جزيرة جسم في العام نفسه. وكانت قمة الخيانة عند احتلال جزيرة هنجام سنة 1928 حيث ساهمت بريطانيا في إخراج العرب من الساحل كله من بندر عباس الى المحمرة.

ولم يبق هناك وجود لإمارة عربية في الساحل الشرقي. ومن ثم نجحت المؤامرة البريطانية الفارسية لتهجير العرب من كل المناطق الممتدة من بندر عباس على الخليج العربي حتى المحمرة.


بعد ذلك امتدت امارات عربية عدة على الساحل الغربي، وخرجت من الشرق، ولكن لم تكتف بريطانيا بمحاربة العرب واخراجهم من الساحل الشرقي للخليج، انما سعت إلى محاربتهم ايضًا على الساحل الغربي للخليج العربي لتفتيتهم وتشتيتهم.

فمنذ أن دخلت بريطانيا على مسرح الاحداث، حصل انتداب على الامارات والبحرين والكويت، وعملت بريطانيا على تفتيت الساحل العربي الى دويلات صغيرة، لا تستطيع المقاومة، واثارت الخلافات بين حكام المنطقة. في المقابل تركت الفرس ينعمون، وذلك نظرًا إلى عدم شعورها بخطورة من وجودهم في المنطقة.

فالفرس منذ اقامة دولتهم في القرن العاشر لم يقاتلوا الغرب، ولم يقاتلوا أي عدو لهم غير العرب السنّة، معتبرين أن السنّة العرب هم عدوهم الأول. فالفرس يوم أن قامت دولتهم كان هدفهم الاستيلاء على الاراضي الاسلامية العربية وطرد السنّة العرب منها.

وذكر الزيد ان هناك العديد من القبائل العربية مازال يعيش بعض من افرادها على الساحل الشرقي quot;ايرانquot; خاصة في الاحواز، مبينًا ان هناك نسبة كبيرة من اهل الاحواز يعدون ابناء عمومة لأهل قطر. وقال quot;لا توجد قبيلة من قطر الا و لديها امتداد في الاحواز ومناطق العرب الاخرى في الساحل الايراني، خاصة قبيلة آل مره.. فهناك العديد من العرب الهوله من تلك القبيلة ومن العجمان ومن بني هاجر وبني تميمquot;.

قبائل عرب فارس
قال الزيد إن هناك مجموعة كبيرة من القبائل العربية كانت تتمركز وتسكن الساحل الشرقي من الخليج العربي ومنها:
- قبائل القواسم: تعود أصولها حسب بعض المؤرخين الى الأشراف، وحسب البعض الآخر الى العنزه، وكانوا يحكمون بندر لنجة وبندر كنج وجزيرة جسم.
- المرازيق: فهؤلاء من قبيلة العجمان، وهم من بندر كنج وبندر مغوه وهم فرع آل سليمان من العجمان من يام.
- آل علي يتمركزون بصورة رئيسة في ام القيوين والشارقة وبندر جارك وجزيرة قيس وهم فرع من قبيلة همدان القحطانية، كما يقول رأي آخر ان آل علي من سبيع.
- قبيلة بني بشر: كانت قبيلة صغيرة تسكن جارك وجزيرة قيس، وهم فرع من ال مره من يام.
- قبيلة بني حماد: كانت توجد بصورة رئيسة في بندر نخير ومقام وجزيرة هندرابي وبندر شيروه، الذي ينتسب اليها اي شخص شيراوي.
- قبيلة بني عبيده: يوجدون في جزيرة هندرابي وبندر شيروه وجزيرة الشيخ شعيب والشارقة وهم من عبدة من شمط.
- آل حوم: يوجدون في جزيرة البحرين وسلطنة عُمان والقحطان.
- بني مالك: يوجدون في العراق.
- بني تميم: يوجدون في بلدة هندرابي وجزيرة طنب الصغرى والكبرى وابوموسى وقشم والاحواز تميم وفي المحمرة تميم.
- آل المنصوري: يوجدون بصورة رئيسة في بندر طاهري وبندر عينات وبلدة كنعون وهي كنعان.
- العتوب: ينتسبون الى بكر بووائل، ومنهم آل صباح وآل خليفة، وكانت لهم مناطق في الساحل الشرقي.
- البوسميط: من طي هي قبيلة مشهورة، وهم من بندر لنجة، وتعد من قبائل الأحواز، ويقول المؤرخون إن هذه القبيلة كان لها أسطول كبير يضم 60 سفينة، لافتين الى أن هذه القبائل العربية في الساحل الإيراني على الخليج هم من كانوا يحكمون الساحل الشرقي للخليج، حتى جاءت بريطانيا، وأخرجتهم منه الى الساحل الغربي للخليج.