فرنسا ترحب بمقتل بن لادن وتحذر من أن تنظيم القاعدة لم ينته بعد

استقبلت باريس خبر مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بنشوة كبيرة، وذلك وسط مجموعة من التحذيرات، فيما فضلت أصوات أخرى أن تعزف على نوتة معاكسة مفضلة محاكمة بن لادن بدلاً من قتله، كما سجل مراقبون الغموض تعليقًا على الغموض الذي لفّ التعاون الأميركي الباكستاني بخصوص هذه العملية، مؤكدين دخول تنظيم القاعدة في مرحلة جديدة، قد تكون نهاية جيل وبداية آخر.


شكل القضاء على زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، حدثا بارزا في الساحة الفرنسية. وأول من صفق له الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي أيّد هذه التصفية الجسدية لإسم أرعب العالم لسنوات، كونها أنصفت ضحايا العديد من الاعتدءات الإرهابية بدءا من أحداث 11 سبتمبر / أيلول الشهيرة.

و أثارت وسائل الإعلام الفرنسية الغموض الذي لف التعاون الأميركي الباكستاني في هذه العملية التي كان لها صدىً عالميا، وعبر العديد من المراقبين عن شكوكهم في أن يتصرف الكوموندوز الأميركي، الذي وقع هذه العملية بنجاح، دون أي تعاون مع السلطات الباكستانية كما حاولت واشنطن أن تقنع العالم بذلك.

وعادت بعض الصحف لتقف عند الاتهام الصريح الذي وجهته رئيسة الدبلوماسية الأميركية في 2009 ضد الحكومة الباكستانية، عندما انتقدتها بقوة بقولها إنها quot;تجد صعوبة في التصديق أنه لا يوجد أي شخص في حكومتكم لا يعرف أين هو بن لادن وجماعته ولا يستطيع إيقافهم إن أراد ذلك فعلاًquot;.

ويعتقد مراقبون أن عملية من ذلك الحجم لا يمكن للقوات الأميركية أن تقوم بها بمفردها، و أنها نالت دعمًا استخباراتيًّا باكستانيًّا ساعد الأميركيين كثيرًا على الوصول إلى المطلوب الأول في العالم، وكان من الطبيعي أن تعفي الإدارة الأميركية إسلام أباد من الإشارة إلى اسمها في العملية، لتوغل القاعدة في بلد يزيد عدد سكانه عن 180 مليون نسمة.

كما أشار مختصون في الشأن الباكستاني أنه لا يمكن لرجل مثل بن لادن أن يقيم في المنطقة دون أن يتلقى ضمانات مقابل ذلك، و يقول أحدهم في نفس الإطار إن باكستان ككيان لا يمكن أن تقبل بوجود شخص مثل بن لادن على ترابها، خصوصا أن هذا البلد ينال دعما ماليا مهما من الولايات المتحدة، لا تتحدث عنه عادة الحكومة الباكستانية علنا.

باريس تثمن الدور الباكستاني وسط مجموعة من التحذيرات
وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه ثمن الدور الباكستاني مسجلا أن quot;مقتل بن لادن يطمئن على أن هناك تعاون من طرف إسلام أباد ضد الإرهابquot;، في حين أكدت الإدراة الأميركية على أنها قادت العملية لوحدها و اعتذرت للسلطات الباكستانية على اختراق تراب بلدها، وأشادت، في الوقت نفسه، بدورها عندما وجهت لها quot;شكرهاquot;.

ويرى مختصون أنه لم يكن بالإمكان الإشارة إلى اسم باكستان على الأقل في الظرف الحالي، في دولة لا تزال القيادة العسكرية منفلته من بين يدي نظيرتها السياسية، ما يعطي الانطباع أنها تسير برأسين يجريان التوافقات الممكنة مع الخارج طبقا لمصالح صفيهما.

وإلى ذلك، تخوف مراقبون من استيقاظ الخلايا النائمة المتطرفة التي quot;تسرطنquot; الجسم الباكستاني، و يدخل بلد يعيش على إيقاع الاعتداءات الإرهابية، في دوامة حرب داخلية أكثر دموية مع الجماعات المتطرفة، سواء منها تلك التي تحسب على تنظيم القاعدة أو المتعاطفة معه.

تخوفات فرنسية من ردود انتقامية
و إن كان يقر المراقبون أن هذه الضربة القوية التي استهدفت رأس تنظيم القاعدة ستضعف الأخير كثيرًا، فهم لا يستبعدون ردودًا انتقامية من أتباع لادن العالم، وبالتالي كثرت التحذيرات من قبل الحكومة الفرنسية ودبلوماسيتها، و دعت رعاياها إلى تجنب زيارة البلدان المشار إليها على موقع وزارة الخارجية الفرنسية.

وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا فيو أن quot;الحكومة الفرنسية أعطت تعليمات للسفراء لتدعيم الأمن حول تمثيلياتهم وشبكاتهم الاجتماعية...quot;، و تشعر باريس بأن مواطنيها مهددون أكثر في المناطق التي تعرف بانتشار أنصار القاعدة.

كما أقر رئيس الحكومة الفرنسية أن القضاء على بن لادن لا يعني quot;نهاية الإرهابquot;، مذكرا باليقظة الكبيرة التي هي عليها مصالح الأمن الفرنسية بكل تخصصاتها منذ مدةquot;.

و يشير مهتمون أن الضبابية التي تلف مستقبل زعامة القاعدة بعد مقتل زعيمها، قد تحفز أسماء منها، في جهات مختلفة من العالم، على الرفع من مستوى الاعتداءات لإثارة انتباه الأتباع بغرض نيل مباركتهم للتربع على عرش التنظيم، وإن كان بعضهم يرشح أيمن الظواهري، الرجل الثاني في القاعدة، إلى خلافة بن لادن.

الظواهري.. الخليفة الشرعي
ماتيو كيدر المتخصص في قضايا الإرهاب يرى في الظواهري quot;الخليفة الشرعيquot; لابن لادن لاعتبارات عديدة، يمكن تلخيصها، بحسب، الباحث الفرنسي، في كونه ظل quot;رفيقا لابن لادن، و المنظر الإيديولوجي للتنظيم، ووسيط بين فلول القاعدة المنشرة عبر العالم وناطقها الرسمي...quot;

ويضيف كيدر، في حديث خاص لإيلاف، أنquot; بن لادن انتهى منذ مدة، والاسم الذي ظل بارزًا في السنوات الأخيرة هو أيمن الظواهري الذي رد في مناسبات على الثورات العربيةquot;، التي quot;دفنت بن لادن قبل أن يدفنه الأميركانquot; على حد تعبيره.

ولا يرى كيدر أي عنصر آخر محسوب على قيادات القاعدة بمقدوره أن يقود التنظيم في المستقبل، مؤكدًا أن الظواهري يتوفر على أسماه quot;بالمشروعية التاريخيةquot; لهذه المهمة، و لا يعتقد أن جهة ما في التنظيم بإمكانها أن تقف ضد هذا الأمر، عكس ما ردد ملاحظون أن جناحًا في القاعدة محسوبًا على السعوديين واليمنيين لا يقبل بهذا الاختيار.

و يعتبر كيدر أنه من المستبعد جدًا أن تحصل خلافات بين مكونات القاعدة حول خلافة بن لادن، لأن عكس ذلك سيرشحها إلى الانقسام، بالنظر quot;للوضعية المترديةquot; التي تمر منها، و لا يمكن لقياداتها أن تفكر بطريقة أخرى، و إلا سيكون مآلها الاندثار.

و إلى ذلك، ستنتقل صفة المطلوب الأول في العالم من بن لادن إلى الظواهري، و سيواصل، بحسب كيدار، quot;الأميركيون ملاحقتهquot;، خصوصا و أنه quot;الوحيد من قيادة القاعدة الذي لازال مندسا في المنطقةquot;، و نهايته تعني نهاية quot;جيل...quot;، حينها تبقى الحرب مفتوحة على الجيل الجديد في quot;المغرب الإسلامي واليمنquot;، بحسب تقدير هذا المختص.