يطرح خبراء تحليلات عديدة حول دلالات توقيت إعلان مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن والإعتبارات الأميركية وارتباط ذلك بالثورات العربية وباقتراب الإنتخابات الأميركية التي سيخوضها الرئيس باراك اوباما لتمديد وجوده في البيت الأبيض لولاية ثانية.

عقب إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما نبأ مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن باشر المحللون ربط توقيت العملية بالإعتبارات الأميركية والتغييرات على الساحة الدولية

تونس: يُثير موعد الإعلان عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ردود فعل متفاوتة وجدلاً يرتبط في وجوه عديدة منه بخصائص الظّرف الرّاهن أميركيًّا ودوليًّا.

وحول هذا الموضوع، أكد علي اللافي الخبير في الحركات الإسلامية والجهادية في إفادات لـ(إيلاف) أن الآلة الإعلامية والسياسية الأميركية لها سوابق في التعامل مع مثل هذه الأحداث مما يعني وضع احتراز على النوايا الأميركية والسيناريو الذي أخرجت به حدث مقتل بن لادن.

وقال إن أميركا طوت صفحة بن لادن بإعلان مقتله وعن التوقيت الذي تم اختياره لتنفيذ هذه العملية قال انه مرتبط بطبيعة السياسة الأميركية الحالية في تفاعلها التام مع الثورات العربية وخصوصًا اليمنية منها واقتراب الموعد الانتخابي الأميركي وإعادة تشكيل المغرب العربي باعتباره مركز اهتمام ومركز الصراع بين القوى العالمية إضافة إلى أجندة مخابرات عالمية قد تكون مخفية الان خاصة من حيث التوقيت وطريقة الإعلام.

وقال المحلل إن غالب الظن يتجه إلى أن حراس بن لادن هم من اغتالوه تحت ضغط أميركا وتم إخفاء أثره حتى لا يأخذ بعدا إعلاميا كبيرا في مستقبل الأحداث العالمية خاصة في ظل إعادة رسم خارطة العالم العربي.

ويعتقد محدثنا الخبير في الحركات الإسلامية والجهادية أن منطق إنهاء صلاحية بن لادن غير وارد إطلاقا لان أميركا استغلت المواجهة مع بن لادن لكنها لم تصنعه كعدو بل هو نتاج لبناء تراكمي تاريخي بعد عقود من التردي العربي.

وقال أن تنظيم القاعدة سيشهد بعد بن لادن ضعفا من ناحية الأداء بغض النظر عن ردة الفعل التي قد تكون لاحقا أما مصيرها فهو رهين بمستقبل التيارات الحزبية في العالم خصوصًا من حيث تفاعلها مع مرحلة ما بعد الثورة العربية.

وأكد على ضرورة الانتباه إلى أن الظواهري اخطر بكثير من بن لادن باعتباره العقل المدبر والماسك بزمام أمور القاعدة سياسيا وتنظيميا ووضعيته من حيث الاختباء واقترابه من العناصر الأساسية ستحدد نوعية الهجمات وطبيعتها ودقة تنفيذها.

وقال إنّ العالم يدار بسيناريوهات إعلامية تخدم أجندا قوى دولية وبناء عليه فانه من الصعب إيجاد قراءة نقدية قادرة على خلق روايات صحيحة ولكن الحقيقة الأقرب إلى المنطق أن بن لادن توفي بقطع النظر عن موعد قتله إن كان قبل يومين أو سنتين ولكن الأكيد أن من أنهى حياة بن لادن هم حراسه تحت مفاجأة الهجوم وقوته ودقة المصدر الاستخباري.

ومن جهته يقول الدكتور احمد محجوب القاهري وهو كاتب صحافي أن بن لادن كان رجلاً ثائرًا ضد طغيان الحكام وطغيان الاستكبار الدولي، وكان مناصرًا للقضية الفلسطينية، وانبنت مقاومته على إيقاع الألم بالحكام والنظام الدولي ومناصرة القضية الفلسطينية. ولكن آلية تطبيقه لهذه المقاومة كانت في الطريق الخطأ، حيث انه استهدف المدنيين وهو ما يتنافى مع شرع الله. فقد أخطأ خطأ فادحًا نتج عنه الأضرار بالواقع وبالإنسان العربي، ومع ذلك فقد تمكن الرجل من إحداث موازنة رعب أثقلت الميزانية الأميركية والغربية.

ويؤكد بان بن لادن أخطأ وانتهج طريقا غير صائب وغير شرعي وأصلا يتنافى مع مبادئ الإسلام، إلا انه أذكى الحس العربي والإسلامي بقدرة افتقدناها منذ الاستعمار.

وها أن العالم العربي يتحرر من خلال عودة الثقة التي زرعها بن لادن فيه. ولكن الشباب اختار الطريق الأصوب وهو المواجهة السلمية.

مشروع الرئيس الأميركي

وحسب رأي الإعلامي نزار مقني، فإن الإعلان عن مقتل زعيم القاعدة في مثل هذا التوقيت يأتي في إطار الجهود الأميركية في تحقيق مشروع الرئيس الأميركي باراك أوباما في حملته الإنتخابية في سنة 2008، حيث وعد بالإصلاح وسحب القوات الأمركية من العراق وأفغانستان، والقضاء على القاعدة والتي اعتبرها أول مهدد للأمن القومي الأميركي، وذلك بعد الحروب التي خاضتها هناك كانت كلفتهما كبيرة على كاهل دافع الضرائب الأميركي وعلى الاقتصاد القومي.

ويقول مقني لـ(إيلاف) إن مقتل بن لادن أحسن دليل على النصر الأميركي في أفغانستان وإخفاء خيبة الأمل التي أصيبت بها الإستراتيجية الأميركية هناك طوال 10 سنوات من الحرب في أفغانستان، لم تحقق فيهم أميركا أهدافها المعلنة من تلك الحرب وهي القضاء على القاعدة وطالبان وإرساء الديمقراطية.

وعن مستقبل تنظيم القاعدة بعد مقتل quot;الشيخquot; يقول الإعلامي إنّ الاستمرارية مؤكدة فالتنظيم الهيكلي للقاعدة لا يأتي ضمن مركزية سياسية وعسكرية في اتخاذ القرار، نحن نتحدث عن شبكة يقوم نظامها على العناقيد، أي على تكوين الخلايا، وهنا يتضح مدى مرونة النظام في التفرع والوجود في كافة أنحاء العالم،

وأفاد أن تكوين القاعدة جاء من أفغانستان لكنه موجود في المغرب العربي وموجود في العراق والشام واليمن والصومال ضمن تنظيم quot;الشباب المجاهدينquot;.

ويفيد أن زعامة التنظيم بعد مقتل بن لادن ستتحول إلى الذراع اليمنى أيمن الظواهري، إلى أن يعيين مجلس الشورى خليفة لبن لادن عملا بالآية quot;وأمرهم شورى بينهمquot;. وهو ما قد يكون صعبا في مثل هذه الأحوال خاصة وأن أكثر قياديي القاعدة متشتتون هربا من الطائرات الأميركية من دون طيار والتي تستعملها quot;السي أي إيه quot; لقتل الأصوليين من تنظيم القاعدة الذي تحولت قيادته إلى باكستان منذ سنة 2006 والتي تحتمي في إقليم وزيرستان الحدودي مع أفغانستان في مناطق قبائل البشتون الباكستانية حيث وفر تنظيم طالبان باكستان بقيادة بيت الله محسود مأمنا لهم في الجبال الوعرة لإقليم سوات، والتي أعلنت أنها ستنتقم لمقتل quot;الشيخquot;.

ولعل ما سيكون عليه المستقبل حسب رأي الإعلامي والمحلل السياسي نزار مقني سيتمثل جيدا في الجهود الأميركية لتجفيف منابع القاعدة، وكشف مخططات التجنيد عبر تعزيز الجهود الأمنية وتحركات أجهزة المخابرات الغربية والعربية والإسلامية، ولن يكون ذلك إلا إذا كانت هناك إرادة سياسية من البيت الأبيض لتعزيز تحالفاتها الدولية، وخاصة مع باكستان، خاصة وأن أميركا تتعامل مع إسلام أباد بحذر شديد في وقت كثرت فيه الشكوك عن دعم مخابراتها للتنظيمات الأصولية، وفي وقت تقترب فيه
واشنطن أكثر فأكثر إلى تعزيز علاقاتها مع العملاق الإقتصادي الهندي، العدو اللدود للباكستانيين.

أفضل من الاعتقال والإذلال

في هذا الإطار يفيد قيس الماجري أستاذ علم الاجتماع أن بن لادن التفت إلى المواجهة مع أميركا الأمر الذي ورطها مع العديد من الدول خاصة العراق وأفغانستان و استنزفها ماليا ودوليا وبالتالي تراجع طغيان أميركا بسبب ما تكبدته من خسائر وقد ساهم بن لادن بطريقة مباشرة في إضعاف أميركيا الشيئ الذي أثار غضبها ونقمتها ومطالبتها برأسه خاصة بعد عملية 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

وحول مسارعة أميركا إلى رمي جثة بن لادن في شمال بحر العرب يقول انه إجراء أفضل له من الاعتقال والتنكيل والإذلال ومن جهة أخرى سلوك يدل على التلاعب بالعرب والمسلمين على حد سواء وهو يمثل الغطرسة الأميركية فكيف يتم رمي جثة بن لادن في البحر بدون وجه حق.

ويقول ربما كان ذلك بدافع الخوف من ان تتحول شخصية بن لادن إلى رمز من رموز النضال ضد أميركا وربما إذا تم تسليم بن لادن للقاعدة سيقيمون له نصبًا او مكانًا يؤمه القاصي والداني من مختلف دول العالم واميركا تريد ان تنهي هذه الأسطورة التي أرعبت العالم وتطمس تاريخ بن لادن وأثره وفضلت رميه في البحر على أن quot;يتمتعquot; المسلمون بموكب دفنه.

ويؤكد الماجري أن الغرب سيتوقف مع موت بن لادن عن الحرب التي يشنها ضد المسلمين واتهامهم بالإرهاب والقتل ولن تتأثر الحركة سلبا بمقتل زعيم تنظيم القاعدة بل إنّ عروق القاعدة مترامية وجذورها متينة وبن لادن مات ولكن القاعدة ستزداد قوة.

أما الأستاذة نور بن قيزة مختصة في العلاقات الدولية فقد رحبت بمقتل زعيم القاعدة بن لادن معتبرة ذلك انجازًا يحسب لاوباما الذي يحاول افتكاك عرش أميركا بمقتل بن لادن وحتى وان كانت هذه الخطوة تعني الاستحواذ على اكبر نسبة من المؤيدين لاوباما. فإنّ هذه العملية استفاد منها العالم بأسره وهي موعد للقضاء على الإرهاب والقضاء بصفة تدريجية على القاعدة وجذورها في العالم وما قامت به من جرائم ضد الإنسانية في جميع أنحاء العالم.

وتقول الأستاذة بن قيزة أن إلقاء بن لادن في البحر مرده الخوف من مواجهة حجم الغضب الذي كان سيحصل لو تم اعتقاله والتحقيق معه وعدم إظهار صور القتل هي سياسة حكيمة اعتمدها اوباما لأنه أراد أن ينهي أسطورة بن لادن من دون اثارة أي أوجاع لبعض المسلمين ممن يؤيدون بن لادن المسؤول عن العديد من الجرائم.

وهي سياسة حكيمة تتمثل في عدم إعطاء مقتل بن لادن أو اعتقاله حجمًا كبيرًا خصوصًا أن تنظيم القاعدة يصعب فهمه وخصوصًا أن الباكستان تعتبر المنطلق الأول وهي اكبر من يساهم في العمليات الانتحارية.