المنزل الذي تحصن فيه أسامة بن لادن

تمكن جيران أفراد عائلة خان الباكستانية من فك اللّغز الذي كان يحيرهم طوال السنوات الماضية، والكامن في الإجراءات المشددة حول منزل تلك العائلة، ويأتي فك اللغز بعد أن تبين أن أسامة بن لادن هو من كان يتحصّن في ذلك المنزل.


كان افراد عائلة خان الباكستانيةفي غاية الدماثة، يتصرفون بأدب جم ويتكلمون الباشتونية، لغة منطقة القبائل الباكستانية، بلكنة حضرية مهذبة. وكانوا حريصين على تسديد فواتيرهم في مواعيدها، وموضع ترحيب من اصحاب المتاجر والبقاليات.

كانت نساء واطفال يأتون ويغادرون بحافلة صغيرة حمراء في الغالب. كانت العائلة ميسورة، يقول افرادها لأهل المنطقة إنهم حققوا ثروتهم من تجارة الذهب.

لكن عائلة خان كانت منطوية على نفسها. قصرها في مدينة ابوت آباد محاط بأسوار عالية ومحصن بأسلاك شائكة. لم يعطوا رقم هاتفهم لأحد.وبالأساس لميكن في البيت خطوط هاتف أو انترنت.

وحين كان تلاميذ المدارس يرمون كرتهم خطأ داخل المجمع لم يكن يُسمح لهم باستعادتها بل كانت عائلة خان تدفع لهم 100 روبية تعويضًا عن الكرة. ولكن احدًا لم يجد غرابة في الأمر. وافترض الجيران ان لرب العائلة الذي سمى نفسه ارشد خان، مثل كثير من رجال الأعمال الباكستانيين، اعداء اقوياء صنعهم بنفسه في طريقه الى الثراء.

الآن عرف الجيران ان السر الذي كانت عائلة خان تحفظه بكتمان شديد هو اسامة بن لادن وان السيد خان كان على الأرجح مساعده الموثوق ابو احمد الكويتي.

ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن محمد قاسم الذي يسكن قرب مجمع عائلة خان انه لم ير ذات يوم زوّارًا يدخلون المجمع بل كان افراد العائلة وحدهم يروحون ويأتون. واضاف قاسم الذي اعتُقل والده خلال الغارة على المجمع ان عائلتين كانتا تسكنان في المجمع رب احداهما ارشد خان وهو في الأربعينات من العمل ورب العائلة الثانية شقيقه طارق، ولكنه لا يعرف عدد افرادهما على وجه الدقة لأن النساء كن دائما مبرقعات. ولكنه يعرف اسماء اثنين من الأطفال هما عبد الرحمن وخالد اللذان يتكلمان لغة الباشتون بلهجة مهذبة ايضا.

وقال قاسم ان الأمهات واطفالهن كانوا يغادرون المنزل كل يوم بحافلة حمراء من طراز سوزوكي ولكنه لا يعرف إن كانوا يذهبون الى المدرسة أو مكان آخر. وأكد انه لم ير اسامة بن لادن ذات يوم ولا يعتقد انه كان يعيش في المنزل.

بيت عائلة خان يقع في بقعة جميلة تحيطه حقول انيقة مزروعة بالطماطم والقمح والملفوف والقرنابيط. كما كان نبات الخشاش البري ينمو على الأسوار الخارجية للمجمع حيث يفوح منه عبير لطيف في هواء بداية الصيف. وعلى جانبي المنزل من جهتي الشمال والجنوب تمتد هضاب سربان وكاكول، وتحيط المبنى نفسه داخل السور اشجار الحور التي تتمايل برقة مع نسيم الصيف.

ويقول مراقبون ان من العسير ان يُفهم كيف افلتت عائلة خان الغامضة والمنعزلة من استخبارات الجيش والأمن الباكستانية المشهور خبراؤها بشكهم المرضي العميق في كل شيء. وكشف الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف نفسه انه كان يمارس رياضة الركض مارا بمجمع آل خان كلما زار مدينة ابوت آباد.

وكان واضحًا ان البيت بُني لحجب داخله عن أعين الفضوليين والمتطفلين. فهو بلا شرفات، على الرغم من انها تعتبر سمة مميزة لكل البيوت الأخرى في هذه المنطقة من المدينة، ومحاط بأسوار عالية، وهي سمة أخرى مثيرة للاستغراب تجعل المبنى يبدو اقرب الى المؤسسة منه الى المسكن العائلي.

وكان ارشد خان ابتاع قبل خمس سنوات قطعة أرض معزولة في المنطقة وتعاقد مع مقاول محلي لبناء الدار. وكان يقول لمن يسأل انه من قرية تقع قرب بشاور، المدينة التي تعتبر بوابة الى منطقة القبائل المضطربة.

وقال جيران ان افراد عائلة خان نادرًا ما كانوا يخرجون الى مكان ما مشيًا بل كانوا يستخدمون السيارة حتى لمسافات قصيرة. وكانت عائلة خان تحرق نفاياتها بنفسها دون ان تترك اثرًا لما يستهلكه افرادها. وقال الطفل ضرار احمد (12 عامًا)، وهو من القلائل الذين زاروا العائلة بين سكان المنطقة، انهم اعطوه ارانب وكانت هناك كاميرا على الباب الخارجي يرون منها الزائر قبل دخوله البيت. وقال ان لرب العائلة زوجتين احداهما تتكلم العربية والأخرى الاردو وكان لديهم ثلاثة اطفال، فتاة وولدان. quot;واعطوني ارنبينquot;.

ولكن على الرغم من كل ما في سلوك عائلة خان من غرابة فانه لم يثر شكوك احد ربما لأن العائلات الباكستانية الثرية لا تختلط بآخرين تنظر اليهم باستعلاء. ويقول الاميركيون الآن ان ارشد وطارق كانا يقومان بدور المبعوثَين من زعيم القاعدة. وكانا عيونه وآذانه وصلته بالعالم الخارجي. ومن خلال آل خان كان بن لادن ينظر الى العالم الواقع خارج اسوار مجمعه ويهضمه ويفسره. وكان اكبر الارهابيين المرهوبين في العالم أسير هذين الشخصين وتحت رحمتهما. ويرجح محللون ان بن لادن عاش في حالة حصار خلال سنواته الأخيرة. فان افراد عائلة خان ربما كانوا حماته لكنه كانوا ايضا حراس سجنه الكبير. وليس من المستبعد ان يكون آل خان من خانه بقصد أو عن غير قصد.

تقول الولايات المتحدة ان اجهزتها رصدت المبعوثين في احدى رحلاتهما وظلت تتعقبهما. ولكن لدى كثيرين في ابوت آباد نظرية مختلفة. فان قتل بن لادن جرى بعملية جراحية من الدقة حتى انها تثير الشكوك. وتنقل صحيفة الديلي تلغراف عن كثيرين من سكان المنطقة انه لا بد وان الاستخبارات الباكستانية كانت على علم بأن البيت الآمن الذي تسكنه عائلة خان على بعد كيلومتر عن اكاديمية الجيش الباكستاني، يؤوي اكبر المطارَدين على قائمة المطلوبين في العالم. وفي النهاية فإن الذين كان بن لادن أسيرهم في بيت العائلة سلموه في صفقة كبرى بين الولايات المتحدة وباكستان.