تبدو الحكومة التونسية المؤقتة، التي يترأسها الباجي قائد السبسي، في وضع لا تحسد عليه، مع احتدام جدل التصريحات المدوية التي صدرت من وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي، ناهيك عن عجزها عن الحسم في ملفات كبرى كاستقلالية القضاء والتعامل العنيف لوزارة الداخلية مع المحتجين.


احتجاجات في تونس غداة تصريحات مثيرة لوزير الدّاخلية السّابق

تونس: تتزايد المؤشرات في تونس على تعمق الاضطراب الأمني والخلاف السياسي بعد تصريحات مدوية لوزير الداخلية السابق فرحات الراجحي، وتفريق مظاهرة سلمية في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تطالب برحيل الحكومة المؤقتة الحالية ومنع كوادر حزب زين العابدين بن علي من الترشح إلى انتخابات المجلس التأسيسي باستعمال الغاز المسيل للدموع والعصي وشنّ حملة اعتقالات عشوائية إضافة إلى الاعتداء على بعض الصحافيين.

وأكد فرحات الراجحي لوسائل إعلام محلية أن ما قاله خلال اللقاء الصحافي مجرد quot;تخمينات شخصيةquot;، وأن الحوار قد سجل من دون علمه، فيما اعتبرت الحكومة المؤقتة في رد رسمي على تصريحاته أن الراجحي quot;تعمد الترويج لمعلومات غير صحيحة تمسّ النظام العام وتتلاعب بمشاعر التونسيينquot;.

وقال وزير الداخلية السابق في التسجيل، الذي بثّ على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، إنه quot;إذا وصلت النهضة إلى السلطة سيكون هناك انقلابquot;، واتهم قائدَ هيئة أركان الجيوش الجنرال رشيد عمار بالتحضير له، وكان من علامات ذلك زيارة رشيد عمار إلى الجزائر، وهاجم الحكومة المؤقتة الحالية التي يقودها قائد السبسي، لأنها تكذب على الشعب حسب قوله، وتخضع لسيطرة رجل أعمال مقرب من بن علي، هو كمال اللطيّف الذي quot;يقود حكومة ظلquot;.

وأكد الراجحي، الذي يرأس حاليًا الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، أن سكان الساحل باللهجة التونسية (السواحلية - الجهة التي ينحدر منها الرئيس السابق) ليسوا مستعدين لترك السلطة إذا لم تكن الانتخابات في مصلحتهمquot;.

على خلفية هذه التصريحات، خرج محتجون إلى شوارع في وسط تونس ومدن أخرى، بينها القيروان وصفاقس وسوسة، للمطالبة باستقالة الحكومة، ورفعوا شعارات quot;الشعب يريد ثورة من جديدquot; وquot;يا شعب ثور ثور على بقايا الدكتاتورquot;، كما دعا التونسيون إثر قمع هذه المظاهرة على فايسبوك إلى يوم غضب في كل أنحاء الجمهورية، وتجمع أمام وزارة الداخلية في العاصمة تونس.

وشهدت تونس حالات فرار جماعية من السجون خلال الأسابيع الأخيرة في العديد من المحافظات، ووجهت أصابع الاتهام إلى أنصار بن علي ومن يوصفون ببقايا حزبه المنحل بالوقوف وراءها لزرع الفوضى، وأحدثها فرار 58 سجينًا ليلة الأربعاء الماضي من سجن في محافظة صفاقس.

وقال شكري بالعيد الأمين العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين لـ(إيلاف) quot;عدنا بمثل هذه الممارسات إلى العهد السابق ومخالفةالقانون ومنع التظاهر السلمي، وهذا بسبب حكومة بقايا التجمع التي تعتمد الحل الأمني، وهي حكومة غير شرعية ومعزولة، نحن نعتبر أن تصريحات الراجحي على درجة كبيرة من الخطورة، وتطرح عدة نقاط استفهام، ويجب التأني لاتخاذ التدابير والمواقف الملائمة، واليوم الحكومة بغضّ النظر عن انفلات امني مقصود ومبرمج لإرباك الساحة، تعرّض العديد من رجال الأعمال إلى تهديدات لضرب الاقتصاد التونسي وموجة الانفلات الذي شهده العديد السجون هو عمل إجرامي مدبر من طرف الحلقات الأمنية القديمة.

ويتابع: quot;الحكومة في كل هذه الظروف متمسكة بحماية بقايا التجمع المنحل بموجب قرار قضائي، وقد طالبناها بفتح تحقيق بمشاركة منظمات حقوقية محاسبة المتورطين في ضرب الاستقرار، ولكنها تراوغ في الرد على مثل هذه المطالبquot;.

ويضيف بالعيد قائلاً quot;هناك حرب على الحدود مع ليبيا، وأبناؤنا الموجودون هناك في خطر، والحكومة لم تحرك ساكنًا، وكأن الأمر يتعلق بدولة أخرى، إلى جانب أخبار عن طلق ناري في محافظة القيروان، وقمع مظاهرة سلمية في العاصمة، باستعمال الغاز المسيل للدموع والعصي، لذا كل هذه المعطيات تؤكد أن هذه الحكومة تحمي بقايا النظام البائد الممسكين حتى الآن بزمام حلقات أساسية في الأمنquot;.

وقال الأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية المنصف المرزوقي لـ(إيلاف) إن quot;الوضع الأمني في تونس غير مستقر، ولكن الوضع السياسي هو الأكثر إثارة للقلق، فليس لدينا حكومة قوية، ونعيش فترة تشكل أحزاب وعدم استقرار، لذا فحسب رأيي الحل الوحيد هو إجراء انتخابات المجلس التأسيسي في موعدها المحدد سابقًا، لأن كل الحكومات في الفترات الانتقالية لا تحظى بالشرعية، وغير قادرة على توفير الأمن وإدارة دواليب الدولة بصفة جيدة، لذا يجب على كل الأطراف السياسية العمل على تحقيق الاستقرار وتركيز الحكومة كل جهودها للوصول إلى الانتخابات وإزاحة كل ما من شأنه أن يعرقل هذا المسارquot;.

وأضاف المرزوقي quot;هذه مؤامرة واضحة من طرف قوى متغولة على الثورة وتحاول العودة بنا إلى الوراء لوجود أشخاص مهددين بالمحاسبة، إضافة إلى خوفهم على مصالحهم، ولكن الخطر الأكبر هو تواصل المرحلة الانتقالية، ورأى أن انبثاق حكومة شرعية هو الكفيل بالعودة للاستقرار والخروج من هذا الوضع الحرج والدقيق، والأمل الوحيد أن يدفع حسّ الوطنية لدى جميع الأطراف إلى وضع المصالح الشخصية جانبًا والاصطفاف للمضي قدمًا في اتجاه مصلحة تونس لتجاوز المرحلة الانتقالية، كما ندين بشدة الأجهزة الأمنية والعنف المسلط على المتظاهرين، فليس من المعقول العودة إلى ممارسات النظام البائد، وأدعو التونسيين جميعهم إلى مواصلة التظاهر والتعبير السلمي عما يريدون إلى حدود تفكيك هذه المنظومة القمعيةquot;.

وعبّرت حركة التجديد في بيان اطلعت quot;إيلافquot; على نسخة منه عن quot;اندهاشها لهذه التصريحات وتوقيتها ودوافعها في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد من انفلات أمني خطر، وتفاقم مظاهر الفوضى واستمرار الجدل حول الانتخابات وطالبت الحكومة والراجحي بتوضيح المسألةquot;.

وحسب وكالة الأنباء الرسمية، فقد أكدت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي في بيان أصدرته دعم المقترح، الذي توصل إليه مكتب الهيئة العليا في لقائه مع الوزير الأول التونسي بخصوص الفصل 15 من المرسوم المتعلق باستبعاد المنتمين إلى الحزب الرئيس بن علي من انتخابات المجلس الوطني التأسيسي لتجاوز الخلاف بينها وبين الحكومة.

ويتمثل المقترح التوافقي على منع كل من تحمل مسؤولية صلب الحكومة من الترشح إلى انتخابات المجلس التأسيسي، باستثناء من لم ينتم إلى التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، وكل من تحمل مسؤولية صلب هياكله في تلك الفترة، وكل من ناشد الرئيس المخلوع للانتخابات الرئاسية لسنة 2014 على أن تضبط قائمة اسمية في هؤلاء بأمر وباقتراح من الهيئة.

في هذا السياق، أكد عضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي شكري بالعيد (لإيلاف) أنه quot;لا يوجد أي توافق بين الحكومة وأعضاء الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي بخصوص استبعاد التجمعيين من الساحة السياسية والانتخابات المقبلة، وقد تقدم رئيس الهيئة ببيان يتضمن مقترح من الحكومة، وصوتت الغالبية الساحقة بالرفض، وقد أرادت الحكومة إيهام الرأي العام التونسي بوجود توافق بينها وبين الهيئة، وهذا ما رفضناه، وشددنا على أنه في حال نشر هذا البيان، فسنكذبه، ولن نكون شهود زور لخدمة مصالح الحكومة ومن وراءها من بقايا حزب الرئيس المخلوعquot;.

تجدر الإشارة إلى إن مقترح الهيئة، الذي رفضت الحكومة المصادقة عليه، يتمثل في منع كل من تقلد منصب في الحكومة أو حزب التجمع الدستوري الديمقراطي خلال فترة حكم الرئيس السابق من المشاركة في الترشح إلى انتخابات المجلس التأسيسي.

إضراب القضاة

إلى ذلك، من المتوقع أن تشهد تونس انتخاب مجلس تأسيسي في 24 يوليو/ تموز المقبل لصياغة دستور جديد للبلاد، إلا أنّ جدلاً كبيرًا حول إقصاء رموز حكم الرئيس المخلوع بن علي اندلع خلال الأيام الماضية، وعطّل صدور القانون الانتخابيّ، الأمر الذي دفع بمراقبين إلى التشكيك في إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، الذي تتمسك به معظم الأحزاب السياسية.

ونفذ القضاة التونسيون الخميس في مختلف محاكم البلاد إضرابًا عن العمل، وذلك تبعًا لقرار في الغرض اتخذه المجلس الوطني للجمعية يوم 1 أيار/مايو الجاري، والذي اعتبرته وزارة العدل التونسية quot; إضرابًا غير قانونيquot;.

وفي تصريح لـquot;إيلافquot;، قال رئيس جمعية القضاة أحمد الرحموني إن quot;نسبة نجاح الإضراب في حدود 95%، وقد قمنا في وقت سابق بمجموعة من التحركات، وعبّرنا في وقفة احتجاجية عن مجموعة من المطالب، أهمها معالجة الفساد في سلك القضاة، وتفكيك نظام العدالة الحالي القائم على وصاية وزارة العدل، وهيمنة الإدارة على سلك القضاء، ولكن سلطة الإشراف ماطلتنا، والحكومة المؤقتة تريد أن تحملنا الأوزار السابقة نفسهاquot;.

وتابع الرحموني quot;في ظل الظروف الحالية من محاكمات، يجب أن يكون سلك القضاء مستقلاً بذاته بصفة كلية عن وزارة العدل، التي نعتبرها مصدر مشاكل، وتصدر توضيحات تهدد فيها القضاة، كأنها وزارة الرئيس المخلوع نفسها،لذا نحن لا نقبل بأن تشرف علينا وزارة أو إدارة تخضع لمبدأ المحسوبية والتدخلاتquot;.

في سياق متصل، علقت جمعية القضاة في وقت سابق عضويتها في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي، وهددت بالانسحاب احتجاجًا على تنقيح في مرسوم انتخاب الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات من طرف الحكومة المؤقتة.