محافظة قنا شهدت احتجاجات على خلفية تعيين محافظ قبطيذي خلفية أمنية

ظل الصعيد المصري مهمّشاً سنوات طويلة حتى باتت آثار هذا التهميش تتجسّد شيئًا فشيئاً، كان أبرزها ما شهدته محافظة قنا من احتجاجات بسبب تعيين محافظ قبطي ذي خلفية أمنية. واعتبر الإسلاميون أن المحافظة باتت كوتة للأقباط، فيما يتخوف مسيحيو مصر من المدّ الإسلامي.


قنا: عانى الصعيد المصري تهميشًا سنوات طويلة، فبدأت تظهر آثار ذلك في الفترة الأخيرة بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، كان أبرزها ما شهدته محافظة قنا من احتجاجات وقطع الطريق لمدة 10 ايام متواصلة، بسبب تعيين محافظ قبطي ذي خلفية أمنية. واعتبر الإسلاميون أن المحافظة باتت quot;كوتةquot; للأقباط، بعدما كان يتولاها في السابق محافظ قبطي أيضًا.

quot;إيلافquot; زارت المحافظة ومدينة نجع حمادي، التي يقول فيها الأقباط إن فيها أمير قنا، وعادت بتقرير تنشره على جزئين.

لا تزال تعيش محافظة قنا (700 كم جنوب القاهرة) لحظات حرجة، ليس في تاريخها فحسب، وإنما في تاريخ مصر انتظارًا لما سيصدر من مجلس الوزراء حول موقف محافظها القبطي اللواء عماد شحاتة ميخائيل، الذيجمّدت مهام عمله لمدة 3 شهور وكلّف السكرتير العام للمحافظة بالقيام بمهامه.

أزمة المحافظ القبطي ذي الخلفية الأمنية لم تكن الأولى التي شهدتها المحافظة بين مسلميها وأقباطها، فالأزمات بينهم تتوالى منذ تنحّي الرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير/شباط، وانتهاء عمل جهاز أمن الدولة وإغلاق مقاره وسيادة حالة الضعف الأمني في البلاد. إذ وقعت حوادث عدةبين المسلمين والأقباط، انتهت بالصلح بين الطرفين، كان ابرزها قطع أذن مواطن قبطي، يدير منزله للأعمال المنافية من خلال فتيات مسلمات.

الإسلاميون يتهمون الأقباط بتوتير العلاقات في ما بينهم

وإن كانت قنا تتميز بخصوصية قبلية من quot;العرب والأشراف والهوارة والفلاحينquot;، فإن الخصوصية القبلية لم تقف حائلاً بين مخاوف الأقباط من المدّ الإسلامي quot;سلفيين وجماعات واخوانquot;، كما للإسلاميين أيضًا مخاوفهم من الاستغلال السيء من جانب الأقباط الحوادث الفردية التي تقع بين الطرفين. ويؤكد الإسلاميون أن المنظمات القبطية تسيء الى العلاقة بينهم، وتساهم في تفاقم الأمور، خاصة وأنكل الحوادث التي وقعت تتعلق بقضايا شرف تقع أيضًا بين المسلمين أنفسهم، تكون عقوبتها العقوبة عينهاالتي يتعرض لها الأقباط.

ويقول الإسلاميون إن الجيل الجديد من العائلات القبطية أفسد العلاقة بين الطرفين، لأن حماية الأقباط حتى قبل سنوات عدة كانت مسؤولية القبيلة التي يعيشون في نطاقها، إلا أن الجيل الجديد منهم لم يتعامل من هذا المنطلق، وفضّل التعامل عن طريق تصعيد الأمور من خلال استغلال علاقاتهم مع وسائل الإعلام لتشويه صورتهم.

الأقباط يطالبون بعودة جهاز أمن الدولة

من جهتهم، يطالب الأقباط بعودة جهاز أمن الدولة مرة أخرى، مؤكدين أنه على الرغم من كل مساوئه واضطهاده لهم أحياناً، كان الحامي الوحيد لهم من نشاط التيارات الإسلامية والعنف الذي يمارسونه ضدهم. بينما الإسلاميون يعتبرون أن هذا الجهاز كان يحمي الأقباط من الممارسات الخاطئة، التي كانت تتم، وأن الداعين إلى عودته يرفضون العيش بطهارة بعيدًا عن المعاصي وارتكاب الفواحش.

والمسلمون يحمّلون الأقباط مسؤولية التصعيد في الأحداث والتوتر الطائفي، فيما يبدي الأقباط مخاوفهم من أن تكون محافظة قنا المكان الذي تنطلق منه الإمارة الإسلامية لتطبيق الشريعة، لاسيما في ظل ما يذكرونه من رفض الإسلاميين من السلفيين وأعضاء الجماعات التعامل مع الأقباط، والنظر إليهم بدونية والتضييق عليهم.

جلسات الصلح لا يكتب لها العمر الطويل

رغم جلسات الصلح التي تتم بين الحين والآخر لرأب الصدع وتهدئة نار الفتنة التي تكاد أن تستعر، إلا ان جلسات الصلح يبدو أنه لن يكتب لها العمر الطويل، بسبب تفاقم الوضع ورفض الأقباط لها، خصوصاً وأن مرتكبي الاعتداءات ضد الأقباط هم الأشخاص نفسهم، وفي كل مرة تكون جلسات الصلح هي الحل لإنهائها، وتكلل هذه الجلسات بحضور القيادات الأمنية والعسكرية.

المؤكد أن الغياب الأمني في مثل هذه القضايا يدفع الى تكرارها. فالسلطات الامنية، سواء كان الجيش ممثلاً في الحاكم العسكري، أو الداخلية ممثلة في مديرية الأمن، لم يقم أي منها بالقبض على مرتكبي الحوادث، بل تقف أمام مسؤولي الجهتين في جلسات الصلح على الرغم من صدور قرارات بالقبض عليهم وضبطهم وإحضارهم من قبل النيابة التي تحفظ القضايا لتصالح أطرافها في ما بعد.

الخلاف من منظور نشطاء من الطرفين

الناشطة القبطية هالة المصري تؤكد لـquot;إيلافquot; انها عندما خرجت للمشاركة في ثورة 25 يناير كان مشايخ السلفيين يرفضون الخروج، وأن الشباب كان يشارك في الثورة، فيما يدعو المشايخ الى عدم الخروج عن الحاكم، مشيرة الى أنهم قاموا بالتحول بعد نجاح الثورة وتنحّي مبارك.

الناشطة القبطية هاله المصري: الشباب كان يخرج إلى الثورة رغم رفض المشايخ السلفيين
الدكتور محمود سعد الدين يحذّر من دعوة بعض الأقباط الى إثارة نعرة طائفية
محامي جماعة الأخوان محمود يوسف:تطبيق القانون على المخطئينسيساهم في إخماد الفتنة

وقالت إن السلفيين اثاروا حالة من الرعب بين الأقباط، لاسيما الفتيات غير المحجبات، موضحة أن تعاملتهم وتصرفاتهم باتت غير مقبولة على الإطلاق، ولابد من التدخل لوقفها، لافتة الى أن قيام الإسلاميين بتطبيق الحد على الأقباط يهدر مكتسبات ثورة 25 يناير.

من جهته، قال محامي جماعة الأخوان في قنا محمود يوسف لـquot;إيلافquot;إن تطبيق القانون على المخطئين من خلال الأحكام القضائية، بحيث يحصل كل ذي حق على حقه بسرعة ومن دون إبطاء، سيساهم في إخماد نار الفتنة الطائفية التي توشك على الاشتعال بين الحين والآخر.

وأشار الى أن سرعة ضبط الجناة والمتهمين من قبل الشرطة وإحالتهم إلى المحاكمة العادلة أمر حتمي، لا سيما في القضايا المتعلقة بين المسلمين والأقباط، مؤكدًا أن طول فترة التقاضي في مثل هذه القضايا يثير غضب الجانبين، ويؤدي الى وقوع حوادث أخرى من هذا النوع.

القيادي في الجماعة السلفية محمد عاشور نفى لـquot;إيلافquot; فكرة سعي السلفيين الى إقامة إمارة إسلامية في المحافظة، كما يردد بعض الأقباط، مشيرًا الى أن هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق، ومستلهم مما كان يبثه النظام السابق في نفوسهم من خوف من الإسلاميين، مشيرًا الى أن الشباب السلفي يتحرك بتلقائية، وليس له قيادة في المحافظة.

وقال إن تحركات السلفيين تتم بشكل عشوائي وبعيد عن التنظيم تمامًا، وتعليماتهم صادرة منهم هم شخصيًا، مشيرا الى أن علاقة الشباب الملتحي في المحافظة بالسلفية تعود الى اكتسابهم تعاليم السلفية من مشايخ الفضائيات وعبر أشرطة الكاسيت الخاصة بمحاضراتهم الدينية.

ولفت عاشور الى أن جهاز أمن الدولة غالباً ما كان يتدخل لدى ارتكاب أي قبطي مخالفة يتم الإبلاغ عنها، بحيث يتدخل الجهاز لحمايته. وقال إن الشباب السلفي كان دائمًا محلّ اضطهاد من قبل الجهاز، حيث كان يتم اعتقالهم والتنكيل بهم من دون وجه حق لمجرد اعتناقهم المذهب السلفي.

وأوضح أن التنسيق بين الشباب السلفي أمر صعب، بسبب النعرات القبلية فضلاً عن أنهم لن يستطيعوا الاتفاق على قيادة، إلا بأن تكون هذه القيادة من شيوخ الفضائيات. وقال إن هذا الأمر مستبعد، لأن أحدًا منهم لن يرضى أن ينقل حياته الى الصعيد ليقود هولاء الشباب.

من جهته، حذر الدكتور محمود سعد الدين استاذ الفلسفة الإسلامية والعقيدة في جامعة جنوب الوادي في إفادة لـquot;إيلافquot;، من دعوة بعض الأقباط الى اثارة نعرة الفتنة الطائفية من أجل مكاسب شخصية خاصة بهم، موضحًا أن هناك عددًا ليس بالقليل له مصلحة في ذلكللحصول على مساعدات من الخارج وتقسيم البلاد.

وأشار الى خطورة التحركات الفردية من قبل بعض الشباب السلفي، لافتًا الى أهمية أن يلعب الأزهر والكنيسة دورًا مهمًا في توعية وتنوير الشباب في مثل هذه المناطق الملتهبة، لتجنب تفاقم الأمور، مشددًا على أهمية التحرك السريع من قبل جميع الأطراف.