أشار الإعلامي جمال عنايت إلى أن الإعلام بصفة عامة والإلكتروني بصفة خاصة، منح الشعوب العربية القوة والشجاعة للقيام بثوراتها، ومنحها أيضاً الصلابة والقدرة على الصمود حتى تحقيق أهدافها. ورأى عنايت أن الإعلام الإلكتروني لن يقضي على نظيره التقليدي متوقعا أن تكون الغلبة للموبايل في النهاية.


يفضل الكثيرون متابعة الصحف عبر الانترنت

رفض الإعلامي جمال عنايت فكرة وجود صراع أو تناقض بين الإعلام التقليدي والإعلامي الإلكتروني، وأضاف في مقابلة مع quot;إيلافquot; أنّ كليهما في حالة تكامل وتناغم. وأوضح عنايت مقدم برنامج quot;على الهواءquot;، الذي يعد واحدًا من أقدم برامج التوك شو على شبكة تلفزيون أوربت، أن الإعلام الإلكتروني لن يقضي على نظيره التقليدي، منوهاً بأن تلك النوعية من النقاشات عادة ما تتجدد مع ظهور وسيط إعلامي جديد، حيث برزت للسطح مع اختراع الإذاعة، وقيل إنها سوف تلغي الصحافة المكتوبة، ثم عادت للظهور مع انتشار التلفزيون، وقيل إنه سوف يقضي على الإذاعة، لكن الوسائل الثلاث ما زالت تعيش جنباً إلى جنب، غير أن عنايت توقع أن تكون الغلبة للموبايل في النهاية، حيث سيجمع كل هذه الوسائط معاً. في ما يلي نص الحوار الذي أجرته ايلاف مع عنايت:

ـ كيف ترى العلاقة بين الإعلام التقليدي والإعلام الإلكتروني؟ وهل تعتقد أن هناك صراعًا أو موجهة بينهما؟ أم أن الأمر ليس كذلك؟

أعتقد أن هناك صراعًا تاريخيًا بين وسائل الإعلام المختلفة، لاسيما بين القديم والحديث، وعندما تطفو للسطح وسيلة متطورة يعود هذا النقاش إلى الواجهة من جديد، فعندما ظهر الراديو، قيل إن الصحافة الورقية سوف تختفي، ولما ظهر التلفزيون حذر البعض من اختفاء الإذاعة والصحافة المكتوبة خلال سنوات قليلة، لكن المتحمّسين للوسائط الجديدة عادة ما يتناسون النظرية أو الحقيقة القائلة بأهمية quot;تجاور الوسائل والثقافاتquot;، حيث إن الثقافات والوسائط الإعلامية تعيش جنباً إلى جنب، وعادة ما يكون بينها تكامل، وليس تضادًا أو تناقضًا. ويأتي ذلك إنطلاقاً من أن كل وسيلة إعلامية لديها مميزات، فالصحف الورقية تستطيع الإطلاع عليها في أي وقت، كما أنها مريحة للعين، والتلفزيون له متعة خاصة، والإعلام الإلكتروني يتميز بالسرعة والفورية في نقل الأخبار والتفاعل معها، والحديث للأصدقاء عبر الفيسبوك أو تويتر أو المدونات، والإذاعة تصل إليك في السيارة، وتحقق لعشاقها مميزات أيضاً، ولن تلغي أية وسيلة الأخرى، لن يقضي الإعلام الإلكتروني على نظيره التقليدي، هناك تكامل وليس تضادًا، والإنسان الشاطر هو من يستطيع الإستفادة منها جميعاً.

ـ لكن المواقع الإخبارية تشهد تطوراً مذهلاً على الصحافة الورقية، وصارت تهدد الصحافة التلفزيونية، بعد أن دخلت في مجال صحافة الفيديو؟

لا أرى في دخول المواقع الإخبارية مجال صحافة الفيديو تهديداً للصحافة التلفزيونية، فهناك تكامل فعلي بينهما، فالأولى تستعين بما تنتجه الأخيرة، وتعرضه على صفحتها، منوهة بأن المصدر الفلاني قال كذا وكذا في برنامج quot;على الهواءquot; مثلاً. فيما تستعين الأخيرة بأخبار وفيديوهات الأولى في حالة تعذر وصول كاميراتها لمواقع الأحداث، وتقول إنها استعانت بتلك الأخبار أو الفيديوهات من موقع مثل quot;إيلافquot;. وهذا يؤكد أن فكرة التناقض أو الصراع غير موجودة.

ـ قلت إن أياً من الإعلام الإلكتروني أو التقليدي لن يقضي على الآخر، لكن قد يخصم أيهما من رصيد الثاني؟

الإعلامي جمال عنايت

لا، لن يخصم أحدهما من رصيد الآخر، بل سوف يكون هناك تكامل مع مرور الوقت، فمثلاً قد يعقد برنامج quot;على الهواءquot; بروتوكولاً مع جريدة إيلاف الإلكترونية، يتم بمقتضاه بث البرنامج على الموقع، ونقل أخبار الموقع عبر البرنامج. وفي اعتقادي أن المستقبل سيكون للهاتف المحمول، الذي سوف يجمع كل هذه الوسائط الإعلامية معاً.

ـ كيف ترى تأثير الإعلام الإلكتروني في الثورات العربية، ومدى مساهمته في نجاح ثورتي مصر وتونس؟

بالتأكيد كان للإعلام بصفة عامة تأثيرٌ واضح في إشعال الثورات العربية، وكان للإلكتروني بصفة خاصة تأثيرٌ أشد وأكبر، حيث كانت الشبكات الإجتماعية، ولاسيما الفيسبوك أول من أطلق شرارة تلك الثورات، وساهمت المواقع الإخبارية والفضائيات التلفزيونية في اشتعالها واستمرار جذوتها متوقدة، حتى تحققت أهدافها برحيل الأنظمة الحاكمة، وكان لها الفضل في ممارسة الإعلام دوره كسلطة رابعة بشكل حقيقي وفاعل.

ـ إذا كان للإعلام الإلكتروني ذلك التأثير السحري، فلماذا يعاني ضعف التمويل والإعلانات، حسب وجهة نظرك؟

يرجع ذلك إلى أن شركات الإعلانات هي من تتحكم في السوق، وما زالت حتى الآن تؤمن أن الوسائط الإلكترونية لا يمكن منحها حصة من quot;الكعكة الإعلانيةquot; وحدها، هذا بالإضافة إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي ما زال ضئيلاً مقارنة بالتلفزيون، فإذا كان الرقم يصل إلى 20% من تعداد السكان، فهذا معناه أن نسبة ال 80% الباقية هي من مستخدمي الإعلام التقليدي. كما غالبية الشركات صارت تفضل منح الإعلانات إلى الكيانات التي تجمع عدة وسائط معاً، مثل التلفزيون والإذاعة والإنترنت. مثل هيئة الإذاعة البريطانية quot;bbcquot;، لكني ما زلت عند رأيي الخاص القائل إن quot;الموبايل هو الجوكرquot; القادم.

ـ كيف أثرت ثورة 25 يناير في برامج التوك شو، وهل ما زالت هناك خطوط حمراء أم أن الثورة قضت عليها جميعاً؟

بالطبع ما زالت هناك خطوط حمراء، ولكن تختلف طبيعتها عن المرحلة السابقة، حيث ارتفع سقف الحرية والنقد بشكل كبير، وصارت هناك مساحة أكبر في نقد النظام السابق، والحكومة الحالية أيضاً، وصارت هناك مساحة أكبر لتيارات سياسية كانت تعاني التضييق، وظهرت تيارات أخرى كانت مختفية تماماً بفعل القمع. فقد أجريت لقاءات مع طارق الزمر وبعض قيادات التيار السلفي، بالإضافة إلى لقاءات أخرى مع قيادات أقباط المهجر. وكان ذلك غير ممكن في العهد السابق.

ـ في ما يخص برنامجك quot;على الهواءquot;، ما الخطوط الحمراء التي لا يمكنك تخطيها؟

لم تتغير الأحوال بالنسبة لنا في برنامج quot;على الهواءquot; كثيراً، لأنني كنت أتبع الأصول المهنية في مناقشة كافة القضايا، وهذا أمر يعصم صاحبه من أية مشكلات من الممكن أن يتعرض لها، فعند الحديث عن أية قضية لابد أن تكون جميع أطرافها حاضرة، وهناك شعرة رفيعة جداً ما بين النقد والشتائم. و يكاد يكون برنامجي من البرامج القليلة التي لم يطرأ عليها تغيير في ما يخص طريقة العمل أو سقف الحرية المتاحة له.

ـ ينظر البعض إلى برنامج quot;على الهواءquot; بصفته برنامجاً نخبوياً بالأساس، كيف ترى ذلك؟

يمكن لمن يقولون ذلك العودة إلى أرشيف البرنامج لمشاهدة أي من حلقاته، ليعرفوا أنه ليس نخبوياً، بل شعبوياً. نحن نتلقى ما يزيد على 30 اتصالاً هاتفياً من مختلف محافظات مصر ومن خارج البلاد، للمشاركة في البرنامج، وينتمون إلى مختلف الطبقات، والأغلبية من الطبقات الشعبية.

ـ كيف ترى دور الإعلام في المرحلة الحالية المضطربة على مستوى مصر والمنطقة العربية؟

لا يختلف دور الإعلام في أية مرحلة من مراحل التاريخ، فطبقاً لمبادئ علوم الإتصال فإن مهام الإعلام تنحصر في: الإخبار، أي أن يكون حلقة الوصل بين الجمهور والجهات الرسمية، تحليل الأحداث الجارية، ثم التعبير عن الرأي، والهدف الأخير عادة ما يكون في الإعلام المكتوب، لأن الإعلام المرئي أو المسموع، لاينبغي أن يتدخل فيه الرأي، وأعتقد أن برامج الرأي في العالم العربي نادرة، فهناك برنامج للشاعر فاروق جويدة على قناة دريم، ودور الإعلام ينبغي أن تضبطه القواعد المهنية فقط، حتى يساهم في بناء المجتمع، وليس هدمه.

ـ إختفت مجموعة من برامج التوك شو مثل quot;مصر النهاردةquot;، quot;90 دقيقةquot;، وquot;48 ساعةquot;، وهي برامج كانت مناهضة للثورة، هل ترى أنها لعنة الثورة؟

لا يمكن التعميم، لأن كل برنامج من تلك البرامج له ظروف إختفائه، فمثلاً quot;مصر النهاردةquot; إختفى نتيجة استقالة مذيعيه، وكذلك برنامج quot;من قلب مصرquot;، وكانت لquot;48 ساعةquot; أسباب غير معلومة للكافة، لكن quot;90 دقيقةquot; مازال موجوداً وتقدمه ريهام السهلي بعد رحيل معتز الدمرادش. ولا أعلم على وجه الدقة أسباب اختفاء كل برنامج، إلا أن الظروف في مصر إختلفت كثيراً. ومن الطبيعي أن تختفي وجوه وبرامج وسياسات وتظهر أخرى.

ـ كيف ترى الأزمة الطائفية المثارة حالياً في مصر، وهل تؤيد من يقولون إن الثورة المضادة تقف وراءها، أم قوى خارجية؟

عند الحديث عن الملف الطائفي في مصر، يجب المصارحة بأن هناك تراكمات قديمة في هذا الشأن، ومشاكل عميقة، فضلاً عن وجود مطالب للأقباط لابد من النظر فيها بموضوعية، لأن منها ما هو مشروع يجب تحقيقه، ومنها ما هو مبالغ فيه، لا يجب النظر إليه. فمثلاً مطلب إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة مطلب مشروع، إنهم يتملكهم شعور بأن هناك تمييزا ضدهم، مع الإعتراف بأنه ليس تمييزاً ممنهجاً، لكن لابد من الوقوف على أسبابه والعمل على إزالتها. كل هذا يأتي متشابكاً مع ظهور مواقف متشنجة لأطراف مختلفة. ينبغي عدم دفن رؤوسنا بالرمال والحديث بصراحة في هذه النقاط. أما القول إن الثورة المضادة هي ما تقف وراء تكرار تلك الأحداث، فهذا الكلام تحسمه تحقيقات النيابة العامة، فمع الإعتراف بأن هناك بعض الناس كانوا منتفعين من النظام السابق، ومن مصالحتهم عودته للحكم، لكن ذلك صار شيئاً من الماضي. فمثلاً تم الإفراج عن رجل الأعمال إبراهيم كامل من قبل النيابة العسكرية في إتهام بالبلطجة، بعد تبرئة ساحته من تلك الإتهامات.