يجادل مسلمون بريطانيون بأن من حقهم إقامة محاكمهم العاملة بأحكام الشريعة لحل شؤونهم laquo;الداخليةraquo;. لكن بارونة بمجلس اللوردات تتصدى الآن لهذا عبر مشروع قانون جديد، وتقول إن هذه المحاكم غير قانونية وتتجاوز حدود العدالة خاصة في ما يتعلق بحقوق النساء.


لندن: هل تعمل laquo;محاكم الشريعة البريطانيةraquo;، كما تسمى، بشكل مواز لمحاكم الدولة؟ البارونة (كارولاين) كوكس - وهي عضو مستقلة بمجلس اللوردات - تعتقد ذلك ولا شك.

فقد صرحت بقولها: laquo;ثمة قلق واسع النطاق إزاء أن بعض laquo;المحاكمraquo; التي تطبق أحكام الشريعة laquo;تمضي الى ما هو أبعد من صبغتها القضائية وأن بعض أحكامها يُفسّر خطأً باعتباره متمتعا بقوة القانون البريطانيraquo;.

بريطانيا تخشى أحكام الشريعة على النساء

مشروع القانون

جاء حديث البارونة في معرض طرحها، بشكل شخصي، مشروع laquo;قانون خدمات الوساطة والمساواةraquo; الذي يهدف لضمان أن تعمل محاكم الشريعة داخل إطار قانون البلاد الوضعي. وقالت: laquo;المشروع لن يشكّل الحل بأكمله، لكنه يسعى لكبح جماح تجاوز العدالة السافر، خاصة بضمان حق المسلمات في حمايتهن من التمييز والتخويف، وأن يحاكم القضاء البريطاني أي جهات تحاول إقامة نظام قضائي موازٍ باعتيار هذا نفسه انتهاكا لقوانين البلادraquo;.

وتعتقد صحيفة laquo;تايمزraquo; إن المشروع لن يرى النور كقانون على الأرجح رغم أن له عددا من المؤيدين من سائر التوجهات السياسية. والسبب في هذا هو أن من العسير على الأعضاء المستقلين تمرير مشاريعهم لأن التصويت يتم عادة بناء على التعليمات الحزبية. ومع ذلك فإن أهميته تنبع من أنه سيسلط الضوء على مسألة منسيّة إعلاميا على الأقل ويجدد الجدل حولها، وهي أن محاكم الشريعة تعمل بشكل مواز لقانون البلاد وهذا بحد نفسه انتهاك لهذا الأخير.

تمييز بين الجنسين

يذكر أن أحكام الشريعة تطبقها مجالس ومحاكم غير رسمية انبثقت بعد تشكيل laquo;هيئة فض نزاعات المسلمينraquo; في 2007 وتتخذ مقارا لها في كل من لندن وبرادفورد ومانشيستر وبيرمنغهام ونانيتون بمقاطعة واريكشاير. وتصدر هذه أحكامها داخل إطار laquo;قانون الوساطة البريطاني لعام 1996raquo; وتفصل بشكل رئيسي في المسائل المالية وتدعم أحكامها الهيئة القضائية البريطانية.

لكن ثمة قلقا إزاء أن بعض أحكامها قد لا تأتي خالية من شوائب التمييز، إذ أن شهادة الرجل - كما تنص أحكام الشريعة - تعتبر في مقام شهادتي امرأتين، وأن الأنثى ترث فقط نصف ما يرثه الذكر. واستشهدت البارونة كوكس بأن محكمة في مانشيستر قضت لأخويْن بوراثة ضعف ما ترثه كل من إخواتهما الثلاث. وقالت إن هذا laquo;غير منصفraquo;. ومضت لتقول إن تلك المحاكم تتجاوز مسرحها الرئيسي، وهو الشؤون المالية، الى الشؤون العائلية المستندة الى ثقافة تميّز عموما ضد المرأة.

المحاكم الفضفاضة

ثم تأتي محاكم الشريعة laquo;الفضفاضةraquo; التي تقول كوكس إن القائمين على أمورها قد يعتقدون أن لها قوة القانون البريطاني. وتبعا لأحد التقديرات فإن عدد هذه يتراوح حول 85 محكمة. وتقول كوكس: laquo;يمكن أن تُجبر النساء على المثول أمام هذه المحاكم والإدلاء بشهاداتهن. ويقول المسلمون إن هذا يحدث باختيارهن، لكن هذا غير صحيح في العديد من الحالاتraquo;.

وتتفق دايانا نَمّي، من laquo;منظمة حقوق النسوة الإيرانيات والكردياتraquo; بالقول إن المسلمات laquo;لا يبدين رضاءهن انطلاقا من الإرادة الحرةraquo;. ويقول آخرون إنه حتى لو كن يفعلن هذا باختيارهن، فليس مشروعا لهن التخلي عن حقوقهن النسوية بموجب القانون البريطاني.

وتقول نمّي: laquo;لدينا عددا لا حد له من الأدلة على أن النساء لا يجدن خيارا سوى القبول بما تصدره تلك المحاكمraquo;. وفي هذا الصدد تقول كوكس إن هذه المحاكم laquo;تعتبر أن لأحكامها نفاذ القانون، وإن العديد من المسلمات لا يحطن علما بحقوقهن الحقيقية بموجب القوانين الانكليزية والبريطانيةraquo;.

انتهاك لحقوق الإنسان؟

بالبارونة كوكس
من جهته صؤر كيث بورتيوس، المدير التنفيذي للجمعية العلمانية، الأمر بقوله إن المجتمع البريطاني laquo;يسير في منامه نحو قبول قانون الشريعة باعتباره موازيا لقانون البلاد، وهذا أمر مقلق لأنه يؤذي الضعفاء قبل غيرهم. من الناحية التقنية البحت فإن الشريعة لا يمكن أن تُطبق في بريطانيا، لكن الواقع يقول إنها تصدر أحكامها التي تنتهك حقوق الإنسان الأساسيةraquo;.

ويمضي برتيوس قائلا إن كبار القضاة وقادة الكنيسة laquo;نجحوا فقط في تعكير المياه. وعلى سبيل المثال فقد أحدث كبير أساقفة كانتبري ورئيس الهيئة القضائية السابق، اللورد فيليبس، ضررا هائلا بنا عبر إغداقهما قدرا كبيرا ومدهشا من التغاضي عن عمل محاكم الشريعةraquo;.

ويضيف قوله إن المشرّعين في استراليا وكندا laquo;أقل خوفا من نظرائهم في بريطانيا إذ نجحوا في تأمين قانون واحد للجميع. وقد حظرت كندا النشاط القضائي الديني كنتيجة مياشرة للتصدي لمحاكم الشريعة، وتسير استراليا على هذا الطريق نفسهraquo;.

عناصر أساسية

يتألف laquo;نصraquo; مشروع القانون المقدم من البارونة كوكس من عناصر أساسية يمكن تلخيصها على النحو التالي:

- ألا يكون بوسع المحاكم والمجالس المعنيّة بفض النزاعات المالية التدخل في الشؤون الأسرية.

- يمكن وصف العديد من أحكام محاكم الجاليات بأنها laquo;تمييزيةraquo;.

- أن تُلقى على كاهل المؤسسات البريطانية العامة مهمة توعية النساء في انكلترا الى أنهن يحصلن على حقوق أقل في حال كانت زيجاتهم غير معترف بها تبعا لتفاسير القانون الانكليزي.

- أن تُمنح الشرطة مزيدا من الصلاحيات لحماية النساء من القهر والإجبار والتخويف ومنع محاكم الجاليات من إصدار أحكام تمييزية بحقهن.

-

الغرب يقول إن النقاب يتعدى على حرية المرأة..

أن تُعتبر محاكم الجاليات، التي تدعي لنفسها التمتع بقوة قانون البلاد في ما يتعلق بالشؤون التي يجب أن تفصل فيها محاكم الدولة البريطانية، خارجة على القانون هي نفسها.

تسمية بلا تسمية

مع أن مشروع القانون لا يسمّي محاكم الشريعة بالاسم ولا يورد وصف laquo;إسلاميraquo; أو laquo;إسلاميةraquo; ويتحدث عن laquo;محاكم الجالياتraquo; بدلا عن laquo;محاكم الشريعةraquo; وعن laquo;النساءraquo; بدلا عن laquo;المسلماتraquo;، فلا أحد يشك في المقصود منه.

لكن البارونة تصر على أن الهدف من مشروعها هو laquo;أي جهة متطرفة تمارس التمييز بحق أي شخص والمرأة بشكل خاصraquo;. وتقول: laquo;هذا ليس هجوما على الإسلام. وكل ما يعنينا هو سيادة قانون هذه البلاد وحماية اولئك الذين يعانون من تعرضهم لأحكام غيره وخاصة النساءraquo;.

وتضيف كوكس أن محاكم laquo;بيت دينraquo; اليهودية لن تتأثر بمشروعها في حال اعتُمد قانوناً لأن هذه المحاكم تعترف بأن القانون الأعلى هو القانون البريطاني وتنصاع له بالكامل. وتمضي قائلة: laquo;يمكنني أن أقف متفرجة على ما يحدث في بلادنا، لكن هذا عسير وغير أخلاقي. لقد جلست الى تلك النسوة (المسلمات) وذرفت الدمع معهن في محنتهن. ولهذا فإنني أتمنى من كل قلبي أن يُجاز هذا المشروع فيسود بيننا قانون واحد يشمل الجميع تحت مظلتهraquo;.