فهد آل سعيد وقابوس بن تيمور

في ثلاث حلقات متسلسلة، عاشت إيلاف خمسة أيام في رحاب سلطنة عُمان، التي تشكل الكثير من الغموض، ورغم غموضها وهدوئها، إلا أن الاحتجاجات الأخيرة فيها كانت محفزًا للزيارة والاستقصاء، خصوصًا ظهورها الأخير في أكثر من مناسبة، أمنية واقتصادية وسياسية.


مسقط: رحلة مبكرة، كان مطار الملك خالد الدولي في الرياض هو مكان الانطلاق نحو مطار مسقط الدولي في سلطنة عُمان. لكن الطائرة لن تمر سوى من مطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة (غرب السعودية)؛ إلا بعد 12 ساعة، من محركها الرئيس مدينة مكة المقدسة إسلامياً.

في الطائرة المقلة من جدة نحو السلطنة العُمانية المتربعة على مياه الخليج من جهة، والمحيط الهندي من جهة أخرى، نحمل عنها الكثير من الغموض في الداخل، ومن الخارج يكاد الانطباع عنها يصل إلى حد الإعجاب بدولة لا تملكنشاطًا يذكر على الصعيد السياسي، مثل نظيراتها في الخليج العربي، الأمر الذي خلق حولها تساؤلات في نفوس المتابعين.

الطائرات نحو عُمان الدولة، من كل الدول المجاورة تكاد تصل إلى العدم في أيام عدة، رغم وجودها في منظومة الخليج، ولهذا الأمر كانت عليه الطائرة المتجهة نحو مسقط، إذ لم يشغل ركابها سوى ما يقارب من 50% مقاعدها، ولولا وجود الأماكن المقدسة في السعودية لما وجدت هذه الرحلات من يستخدمها.

الرحلة نحو السلطنة لم ترهق الأجواء فيها ركاب الطائرة، بل كانت راضية كرضى الأمهات على أطفالهن، يتشابه إلى حد كبير، كما كان عليه ركاب الطائرة مع طاقمها النسائي.

ميناء مطرح

الوصول بعد قرابة ثلاث ساعات؛ إلى مطار يكسوه البياض، والهدوء التام من ضجيج الطائرات يشبه الدولة المعروف عنها هدوئها، عكس موقعها الذي يقع على شرفات لعنة الطبيعة والعواصف؛ وهي دولة لا تزال تكفكف دموعها على قتلى وأضرار إعصار (جونو) في حزيران/ يونيو 2007.

الطائرات على أرض مطار مسقط الدولي لا تتجاوز الخمس. أحد العمانيين المرافقين، قال إن التوجه هذه الأيام وما يليها سيكون نحو مطار quot;صلالةquot;، مسقط العاصمة العمانية للسلطنة، لا تُعرف كما تُعرف فيها مدينة quot;صلالةquot; السياحية المجاورة للحدود اليمنية والمطلة على المحيط الهندي التي تعيش quot;خريفهاquot; في حضن طبيعي جاذب للسياح ستكون لنا فيه إضافة مقبلة.

الطريق من مطار مسقط الدولي، الذي انتشرت عبر مداخله ومخارجه صور سلطانها قابوس بن سعيد، وغاب اسمه عنه، وهو صانع نهضة عُمان الحديثة، كانت كل المناطق والمباني على قدر من الغموض لماهية الأشكال وتصميمها، عكس ألوانها المحتكرة بالبياض.

سلطنة عُمان تتشابه إلى حد كبير في جغرافيا جارتها الغربية الجمهورية اليمنية، التي تعيش حالات اضطراب متواصلة منذ أربعة أشهر، لكن ما يميز السلطنة هو اقتصادها ونفطها ومستوى عقلية وتحكم حاكمها في شعبه.

فسلطنة عُمان وسلطانها قابوس بن سعيد بن تيمور، يعشقه كثير من العمانيين، لما يصل بهم إلى حد quot;العبادةquot;، كما قالها سائق التاكسي العُماني quot;الشماليquot;، يقول إنهم يقدرون ويجلون أدوار وأعمال ما أسماه بشكل عفوي بـquot;صاحب الجلالةquot;، وهي التركيبة اللغوية التي يتفق عليها الشعب العُماني في ذكرها تقديرًا وإجلالاً لقابوس بن سعيد.

عُمان جاءت بصيغتين بين والد مستبد وولد quot;يعبدهquot; العمانيون، فلماذا يحبونه؟

الكاتب والمحلل السياسي العماني محمد العريمي

الكاتب والمحلل السياسي العماني الدكتور محمد العريمي قال في حديث مطول لـquot;إيلافquot; مفضلاً الحديث عن شق السؤال الثاني، لماذا يحب العمانيون quot;قابوسquot;، العشق هو مرحلة متقدمة من الحب. العُمانيون يؤمنون أن السلطان قد نقل السلطنة من دولة تعاني الكثير من المشاكل، إلى دولة حديثة عصرية قادرة على احتلال مراكز متقدمة في الإقليم، وحضور دولي مشهود له، quot;كل ذلك بسبب الحب والعشق المتبادل بين السلطان وبين الناس في السلطنةquot;.

وأضاف العريمي أنه ارتبط اسم السلطان قابوس بالكثير من الأشياء الجميلة في عُمان، فبعدما كان مكوّنها الأساسي في الفترة السابقة، ذلك الإنسان المعتز بوطنه والواثق بنفسه وقبيلته، أصبحت السلطنة ذات مكونات كثيرة، وكلها مرتكزة على المحبة والولاء والانتماء إلى الوطن أولاً وللسلطان.

العريمي اختلف في وصف quot;إيلافquot; لوالد السلطان قابوس وهو quot;سعيد بن تيمور 1910-1970quot; في كونه مستبدًا، حيث أوضح أن السلطان سعيد بن تيمور لم يكن مستبداً بالمعنى الدقيق للكلمة، quot;إنما كان محكوماً بظروف داخلية وإقليمية ودوّلية، كانت صعبة في ذلك الوقت، لم تمكنه من تحقيق الأهداف التي كان يرجوها حسب ما اطلعت عليه في الوثائق الأجنبيةquot;.

وأضاف أن السلطان سعيد بن تيمور كان همّه الأوّل هو المحافظة على الدولة المترامية الأطراف، وثاني تطلعاته كان حفظ الدولة من الانغماس في الديون، التي تعني ارتهان القرار السياسي بشكل كلّي للخارج، وثالثها أنه كان يواجه إستراتيجية خارجية خطرة، يساندها quot;شد عكسي مارسه بعض العُمانيين داخل البلاد وخارجهاquot;.

السلطنة أرض الأطماع !!

*إيران

سعيد بن تيمور

لنعاود الحديث عن ماض ليس بالبعيد، هو مرشح للتكرار، فدلالات المستقبل توحي بالتغيير على الخارطة الإقليمية، عُمان، التي ينبغي أن نشير إلى ضمة العين حتى لا يخال البعض أننا نتحدث عن عاصمة مملكة الأردن ذات العين المفتوحة، عُمان هي أكثر الدول الخليجية تحالفًا مع الجمهورية الإيرانية، عكس حال دول المنطقة الخليجية التي أصابتهم سياسة إيران الخميني بالنفور وعدم التقبل.

وفي خضم الحديث عن العلاقة العمانية بدول الإقليم، قال إن العلاقة مع إيران ليست مقلقة للسلطة العُمانية، عكس ما تكنّه عصبة دول التعاون الخليجي القابلة للتمدد، موضحًا في ذلك أن التاريخ والأحداث والجوار، كلها تجعل الصداقة والعلاقة بين مسقط وطهران أعمق من أي محاولة تسعى إلى إبعاد الدولتين عن بعضهما بعضًا.

محمد العريمي، الذي تقبل كل أسئلة quot;إيلافquot;، قال مجيبًا في تساؤل عن وجود خشية من السلطنة من إيران المجاورة لها، أم إن التحالف الإيراني في quot;حرب ظفارquot; كوّن علاقة جدية وإستراتيجية مع دولة يخشى منها الغرب والخليج، قال quot;لا اعتقد بأن السلطنة تخشى إيران أو أي دولة أخرىquot;، معتبرًا أن إيران تفهم السلطنة، والسلطنة تفهم إيران، والكل يستفيد من التعاون مع الآخر سياسياً واقتصادياً.

وأشار العريمي إلى أن زيارة السلطان قابوس الأخيرة لإيران، والعكس بالنسبة إلى الإيرانيين، لدليل على هذا القول، quot;كما إن السلطنة تؤمن بمبادئ القانون الدولي القائم على التعاون وحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وتسمية العلاقات بين الدول على أساس المصالح الوطنية والقوميةquot;.

**الإمارات

في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2010 أعلنت جهات إعلامية عن كشف سلطنة عُمان خلية تجسس تعمل لمصلحة الإمارات العربية المتحدة، وهي الجارة اليوم، التي كانت جزءًا من الإقليم العُماني قبل التقسيم في العام 1970.

وكعادة الخلافات الخليجية، تبتعد نارها عن الرأي الرسمي، وتنحصر فقط على المستوى الشعبي، خصوصًا عبر شبكات المدونين الالكترونية أكثر من غيرها، هذا التجسس كانت فروعه تتمركز في القصر السلطاني من شخصيات مقربة إليه.

مع كل ذلك السعير في خلافات خلفتها quot;التجسسquot;، كانت الإمارات نفت في أوائل كانون الثاني/ يناير الماضي بـquot;شكل قاطعquot; ما أعلنته الأجهزة الأمنية في سلطنة عُمان عن اعتقال خلية أمنية، مبدية أبوظبي quot;استعدادها الكامل للتعاون في أي تحقيقات تقوم بها بمنتهى الشفافيةquot;.

quot;إيلافquot; توجهت إلى المحلل السياسي محمد العريمي المرافق لها في بحر الأسئلة المستقصية عن الدولة الغامضة في الخليج، فسألناه: كيف قرأ العُمانيون شعبًا وسلطة وquot;سلطانquot; كشف خلايا دولة الإمارات؟ وهل كان هناك فعلاً قبول لها فعلاً بين أوساط القبائل حسب ما أعلن إعلاميًا؟.

فأجاب العريمي بهدوء ودبلوماسية تشبه هدوء دولته في سياستها، quot;أن السلطنة قد عالجت الأزمة على أعلى درجات من المسؤوليةquot;. ولم تترك الأمور تنزلق إلى مهاوي الاختلاف والتصادم بين الدولتين الشقيقتين، مع أن العتب حسب ما فهمت كان كبيراً.

وأضاف أن السلطنة تمارس سياسة مكشوفة وشفافة مع دول المجلس. واعتبر أنه هناك عادة ما تقوم بعض الأزمات بين الدول، وأن ذلك يبين مدى العقلانية في معالجة الأزمات وكيفية التعاطي معها. وأشار العريمي إلى أن السلطنة اعتبرت الأمر خطأ، وغلـّبت النوايا الحسنة، وخرجت من هذا المنعطف بسلامة واقتدار، حافظت معها على العلاقات الأخوية مع الأشقاء في دولة الإمارات.

عن شق الترحيب من قبائل معدودة لهذا التجسس، قال إن جميع أطياف المجتمع العُماني تؤمن بحنكة السلطان قابوس في معالجة الأزمات، ومنها هذه الأزمة العابرة، حسب ما وصفها.

هل يخشى العُمانيون من مرحلة ما بعد السلطان قابوس؟

هو السؤال الأكثر حساسية، من يخشى لا يريد الحديث، ومن يريد الحديث يخشى عواقبه، كما قالها أحد العُمانيين، ولعل السؤال إن كان مطروحًا، فمن يملك إجابته وتقريره هو الشعب العُماني، الذي يكنّ قداسة من نوع خاص للسلطان قابوس، وهو الرجل الذي لا يزال يعيش في بحبوحة quot;العزوبيةquot;.

العريمي قال ردًا على التساؤل، كمواطن لا أخشى على الدولة في وجود السلطان قابوس بعدما ركز أسسها على درجة عالية من الفاعلية والاستقرار والحداثة. وquot;لكن الخوف في داخلي من المستقبل بعد السلطانquot;.

تطرق العريمي في حديثه إلى الأحداث الأخيرة، التي وقعت في عُمان، معتبرًا أنها خير دليل على ذلك، وأضاف أنه لم يتمكن أي من المسؤولين في الحكومة أو الأسرة الحاكمة أن يتفاعل، ولو بشكل بسيط، مع الوضع، بل كانت هناك إمكانية لإشعال الوضع، quot;لولا حكمة السلطان قابوس الذي استطاع أن يتفاعل مع الأزمةquot;.

كما تطرق في حديثه إلى النظام الأساسي للدولة، الذي يتحكم في الكثير من مفاصل الحياة العامة والسياسية والاقتصادية وغيرها من الأمور صدر بمرسوم سلطاني لم يـُشرك فيه الشعب العُماني، وبالتالي يمكن تغييره في أي وقت؛ quot;الأمر الذي يجعل الأمور بعد السلطان مرهونة بما يريد السلطان الجديد وقبلة المجلس الذي حدد في هذا النظامquot;.

غدًا الجزء الثاني

هل أخمد السلطان قابوس ثورة quot;صحارquot; الشبابية؟