حتى مؤسسة قومية مثل laquo;نيوز اوف ذي ويرلدraquo; لا تستطيع الإفلات من العدالة

لندن: صدر الأحد العدد الأخير من صحيفة quot;نيوز اوف ذا وورلدquot; الأسبوعية البريطانية، أكثر صحف الأحد مبيعا ًفي البلاد، وذلك بعد نحو 168 عاما من بدء صدورها.

وحملت الصفحة الأولى للصحيفة عبارة quot;شكرا ووداعاquot; على خلفية من بعض الأخبار التي انفردت بها الصحيفة في السابق.
كما تضمن العدد اعتذارا عن التورط في فضيحة التنصت على الهواتف، التي أدت إلى إغلاق الصحيفة.

لكن هذه الخطوة لم تنه الضغوط على الإمبراطورية الإعلامية لروبرت ميردوخ الذي يمتلك المجموعة التي تصدر الصحيفة.
فقد قال حزب العمال المعارض بزعامة إيد ميلباند إنه سيسعى لإجراء تصويت في مجلس العموم في محاولة لوقف محاولة ميردوخ الاستحواذ الكامل على شبكة (BSkyB) التليفزيونية لحين اكتمال التحقيقات الجنائية في فضيحة التنصت.

ووصل ميردوخ إلى لندن الأحد ليتابع بنفسه تطورات الفضيحة
وقد توافد البريطانيون على شراء العدد الأخير من الصحيفة الذي حمل الرقم 8674، كما حرص كثيرون لم يعتادوا قراءة الصحيفة على اقتناء العدد كنوع من الذكرى.

وقال رئيس تحرير الصحيفة كولين مايلر، وهو يقود فريق العمل خارج البناية مساء السبت: quot;هذا ليس ما كنا نريد، ولا نستحق ان نكون في وضع كهذاquot;.
وفي الكلمة المختصرة التي القاها مايلر قال: quot;آخر ما نقوله لقرائنا، البالغ عددهم 7,5 مليون قارئ، هو: شكرا لكم من كل طاقم التحريرquot;.

واكد أن العدد الأخير طبعت منه أكثر من خمسة ملايين نسخة، على ان يتم التبرع بريع بيعها الى اربع جمعيات خيرية.
وقد رفضت عدة مؤسسات خيرية عرض الصحيفة بأن تنشر إعلانات مجانية في العدد الأخير.

وطوتبريطانيا بذلك فصلاً مهمًا ومثيرًا في تاريخها الصحافي مع إعلان laquo;نيوز انترناشونالraquo; مالكة laquo;نيوز اوف ذي ويرلدraquo; أن عدد الأحد هو الأخير في أعقاب تورط الصحيفةفي فضيحة التنصّت التي هزّت الأمّة إلى العظم.

يأتي إغلاق صحيفة التابلويد الأسبوعبة، وهي بين الأشهر الناطقة بالانكليزية في العالم، والتي توزّع أكثر من 2.8 مليون نسخة، بعد مضي قرابة 168 سنة على تأسيسها في مطلع اكتوبر/ تشرين الأول 1843. ومؤسسها هو جون براون بيل الذي هدف لاجتذاب شريحة العمال القادرين على القراءة وقتها.

الصحيفة تملكها الآن laquo;نيوز إنرناشونالraquo; المملوكة بدورها لامبراطورية الاعلام laquo;نيوز كوربوريشنraquo; وصاحبها الملياردير الأسترالي روبرت ميردوخ. وتعتبر هذه الأخيرة ثاني أكبر تجمع إعلامي في العالم بعد laquo;ذي والت ديزني كومبانيraquo;.

وقد ذاعت شهرة نيوز اوف ذي ويرلد ndash; وهي نسخة الأحد من صحيفة laquo;الصنraquo; - بفضل تخصصها في نشر فضائح المشاهير الجنسية والمالية، وتلك المتعلقة بتعاطيهم المخدرات، وكل ما من شأنه رفع ورقة التوت عنهم أمام الجماهير. وقد اعتاد صحافيوها، وصولاً الى laquo;خبطاتهاraquo; الصحافية هذه، على التنكر في مختلف الأشكال لكسب ود الضحية وتصويره بالكاميرات المخبأة من أجل الدليل الدامغ ضده.

وقد يذكر القراء في هذا الصدد صحافيها الذي أقنع دوقة يورك سارة فيرغسون، طليقة الأمير اندرو، بأنه رجل أعمال ويريدالوصول إلى الأمير لأنه laquo;سفير بريطانيا التجاري الى العالمraquo;. ووافقت على تسلم آلاف الجنيهات منه مقابل ذلك. وفي ما يلي بعض الأمثلة على الفضائح التي ورّطت فيها بعض المشاهير الآخرين:

جيمس، نجل روبرت ميردوخ ورئيس مجلس إدارة laquo;نيوز إنترناشونالraquo;، أعلن قرار الإغلاق
الأمير هاري بين من أوقعت بهم الصحيفة

* في 1981 كشفت أن الموديل laquo;الساحرة الجمالraquo; كارولاين كوسي كانت رجلاً تحول إلى امرأة بعملية جراحية.
* تسببت في إحراج الكنيسة الكاثوليكية عندما نشرت موضوعًا عن هروب الأسقف رودريك رايت مع امرأة متزوجة من أبرشيته في 1996.
* في 2002 صوّرت الأمير هاري وهو يتعاطى الكحول والمخدرات وهو قاصر وقتها.
* كشفت أن النائب البرلماني الليبرالي مارك اوتين كان يقيم علاقة مثلية مع رجل يحترف البغاء في 2006.
* في 2008 صورت فيلمًا لماكس كوزلي، سابقًا رئيس laquo;الاتحاد الدولي للسياراتraquo; وملياردير سباق الفورمولا 1، مع خمس عاهرات في حفلة ماجنة كان يرتدى فيها الزي النازي.
* اتهمت بطل العالم الحالي في البلياردو، جون هيغينز، بتدبير نتائج مبارياته لمصلحة جهات مراهنة العام الماضي.
* في مطالع العام الحالي، كشفت النقاب عن أن منتخب باكستان للكريكيت متورط في فعل الشيء نفسه.

لهذا كله، فقد صارت للصحيفة شعبية غير مسبوقة في بريطانيا، ويقال إنها صاحبة العدد الأكبر من القراء بالانكليزية في العالم قاطبة. على أن حظوظها بدأت تنقلب في الآونة الأخيرة عندما عُلم أن صحافييها تنصتوا على مكالمات هاتفية تخص عددًا كبيرًا من الساسة ونجوم الفن والرياضة. ونجح هؤلاء في الحصول على تعويضات منها قيل إنها بلغت بين 20 و30 مليون جنيه (33 ndash; 50 مليون دولار).

مع ذلك، فلم تفقد هذه الصحيفة شعبيتها لأن المستهدف شريحة من المجتمع تتمتع بالثراء الفاحش والشهرة والنفوذ، على حساب الفقراء كما يحلو القول للبعض. لكن الأمور انقلبت رأسًا على عقب مع إماطة اللثام عن أنها تجاوزت المحظور أخلاقيًا.

هذا laquo;المحظور أخلاقيًاraquo; هو أنها ndash; في سعيها إلى الخبر الحصري - تنصتت هلى هاتف فتاة تدعى ميلي داولَر (13 عامًا)، كانت قد اختطفت في مارس / آذار 2002 وعثر على جثتها في سبتمبر / ايلول من العام نفسه. وعُلم انها محت رسائله الصوتية، وأن ضمن ما مُسح أدلة جنائية كان بوسعها إلقاء الضوء على جريمة قتلها.

وسرعان ما اتضح أن عددًا من أقارب الضحايا في جرائم قتل شهيرة أخرى عانوا الشيء نفسه. فقد تنصتت ايضًا على هواتف أقارب صبيتين، هما هولي ويلز وجيسيكا تشابمان، قتلتا بقريتهما سوهام، مقاطعة كيمبريدشاير، في 2002 عندما كانتا في سن العاشرة.

والأربعاء أتت الأنباء بقنبلة إعلامية أخرى، إذ زُعم أن الصحيفة نفسها تنصتت على هواتف عدد غير معروف من أقارب الضحايا في الهجوم الإرهابي على شبكة المواصلات اللندنية في 7 يوليو / تموز 2005، الذي قُتل فيه 52 شخصًا، وصار يعرف باسم هجوم 7/7.

وعُلم أيضًا أن القائمين على شؤون الصحيفة قدموا laquo;رشاوىraquo; لعدد من ضباط الشرطة المحققين في جرائم القتل والعمليات الإرهابية بغرض الحصول منهم على معلومات حصرية لعناوينهم الرئيسة. والخميس خرجت صحيفة laquo;ديلي تليغرافraquo; بأن نيوز اوف ذي ويرلد تنصتت أيضًا على أقارب العدد الأكبر الممكن من قتلى حربي العراق وأفغانستان.

هذا ما يقبله المجتمع في اي مكان. وهو أمر حدا برئيس الوزراء، ديفيد كامرون للتصريح بقوله: laquo;ما يحدث الآن ما عاد يمسّ النجوم والمشاهير وحسب، وإنما ضحايا القتل والإرهاب أيضًا. لا يمكن وصف هذا السلوك إلا بأنه مريع ومقززraquo;.

في أعقاب هذا، أعلنت شركات كبرى فسخ تعاقداتها الإعلانية مع الصحيفة laquo;على أسس أخلاقيةraquo;. ومن هذه عمالقة إنتاج السيارات laquo;فوردraquo; وlaquo;رينوraquo; وlaquo;ميتسويشيraquo; ومؤسسات كبرى مثل laquo;فيرجين ميدياraquo; وlaquo;فيريجن هوليدايraquo; وlaquo;هاليفاكسraquo; وlaquo;تيسكوraquo; وlaquo;سينسبريزraquo; وغيرها. كما تلقت ضربة موجعة أخرى بإعلان إحدى أكبر الجمعيات الخيرية وهي laquo;العصبة البريطانية الملكيةraquo; وقف شراكتها معها.

وإزاء كل هذا، لم يكن أمام laquo;نيوز إنترناشونالraquo; بديل آخر غير إعلانها المدوّي الذي زلزل نيوز اوف ذي ويرلد من أساسها الذي اتخذته قبل 168 سنة.