أجمع أخصائيون اجتماعيون ونفسيون ومؤسسات مجتمعية في فلسطين أن ظاهرة العنف المجتمعي آخذة في الازدياد.


رام الله: ترتفع معدلات انتشار ظاهرة العنف في المجتمع الفلسطيني، وبحسب مؤسسات نسوية وحقوقية فإن هذه الظاهرة آخذة في الازدياد الأمر الذي دفع بهذه المؤسسات إلى القيام بخطوات عملية ملموسة وإجراء بحوث معمقة سعيا للوقوف عند الأسباب والعمل على حلها.

اسباب عديدة تقف وراء ظاهرة العنف المجتمعي

وقال الدكتور ماهر أبو زنط، المحاضر في قسم علم الاجتماع والخدمة المجتمعية في جامعة النجاح الوطنية خلال لقاء مع quot;إيلافquot;: quot;إن العنف بأشكاله النفسية والجسدية والجنسية منتشر بفلسطين، وهناك ازدياد في عدد الحالات والأكثر منها يتمثل في العنف النفسي والتحرش الجنسيquot;.

وبحسب أبو زنط فإن الأسباب التي تقف وراء انتشار مثل هذه الظواهر عديدة ومن بينها: التنشئة الاجتماعية، والموروث الثقافي، والتربية الجنسية الخاطئة، والفهم الخاطئ للدين، وتفضيل الضحايا للسكوت خشية المزيد من الاعتداءات، والوضع الاقتصادي، وغياب الوعي الكافي.

وقال: quot;من بين الأسباب التي تدفع لانتشار العنف الضغوطات والممارسات والتعذيب الذي مورس من قبل الاحتلال، وكذلك بسبب وقوع العنف لدى بعض الأسر ما يدفع الصغار لتجسيد ما يتعرضون له عند الكبر إضافة إلى الحرمان الاقتصادي والنفسي والتسلط والقمعquot;.

وأضاف: quot;هناك أسباب أخرى تدفع لمثل هذه السلوكيات منها: عدم مقدرة الشباب على الزواج، وغياب البرامج التفريغية، مؤكدا أن التكنولوجيا الحديثة والانترنت والفضائيات ساهمت في انتشار مثل هذه الحالاتquot;. وأوضح أهمية التوعية في هذا الإطار وضرورة استخدام الإعلام في عملية التوعية وطرح الموضوع بجرأة ورفع الصوت عاليا لمجابهة هذه المشاكل. وبين أبو زنط، أن مثل هذه الحالات لاسيما قضايا سفاح القربي دفعت إلى توجه الضحايا لمحاولة الانتحار، لافتا إلى أن هذه الحالات باتت بازدياد وارتفعت المعدلات كثيرا في الأعوام العشر الأخيرة.

وفيما يتعلق بأساليب العلاج، أكد الخبير في مجال علم الاجتماع، ضرورة الاعتماد على التربية السليمة والاهتمام بالتوعية الجنسية وتضمين المناهج التربوية أساليب علمية متقدمة، وتحقيق المساواة في الأسرة والابتعاد عن العنف وتكثيف ورش العمل والندوات الهادفة. وطالب أبوزنط بضرورة إيجاد قوانين عصرية تلائم الواقع وتضع حدا لمثل هذه التجاوزات، مشددا في الوقت ذاته على ضرورة تنسيق جهود المؤسسات ووضع خطة استراتيجية للعمل المشترك سعيا للتخفيف من هذه الظواهر.

وتبعا للمعلومات المتوفرة لدى المؤسسات التي تعنى بحقوق الإنسان والمرأة والأسرة فإن ظاهرة العنف المجتمعي في تنام مستمر في فلسطين، وذلك لغياب القوانين الرادعة، ونظرا للظروف الاقتصادية الصعبة، وغياب التربية السليمة لاسيما المتعلقة بالنواحي الجنسية.

وبحسب ما وثقته العديد من المؤسسات الناشطة في هذا المجال في الأراضي الفلسطينية، فإن من أوجه وأشكال العنف النفسي الحرمان من التعبير عن الرأي، والحرمان من المصروف، ومنع الخروج، والتهديد والوعيد، والتهميش ومنع العلاقات الاجتماعية، والإجبار على الزواج، والتسلط.

وذكرت هذه المؤسسات أن من بين أوجه العنف الجسدي، الضرب، والحرق، والكي، والعض، وشد الشعر، وكسر أعضاء من الجسم كاليدين والأنف والفك والأرجل، أما بخصوص الاعتداءات الجنسية فتعددت الأشكال وتمثلت بالتحرش الجنسي والاغتصاب وسفاح القربى.

الضحايا تخرج عن صمتها
وسجل العنف النفسي النسبة الأعلى من مجموع الحالات الموثقة لما له من تداعيات تنعكس سلبا على طبيعة الحياة وتمتمد لفترات طويلة كما أن وجود غياب للدراسات العلمية يخفي حجم ظاهرة الاعتداء الجسدي والجنسي في المجتمع الفلسطيني. وحسب القائمون على مثل هذه المؤسسات فإن الأسباب، تتمثل في الخوف من الفضائح وخشية الوقوع بمشاكل أسرية لا يمحمد عقباها والخوف من القتل واحتمالية حدوث الطلاق. وتبعا لهذه المؤسسات فهناك توثيق لحالات اعتداء جنسي من قبل الأب والأخ والعم والخال وحالات تحرش جنسي في بعض أماكن العمل.

الرجال مقهورون ويشتكون

وقالت الأخصائية النفسية سعاد اشتيوي من جمعية الدفاع عن الأسرة في لقاء خاص مع quot;إيلافquot;: quot;إن وعي المواطنين آخذ بالازدياد والدليل أن عدد الحالات اصبح بارتفاع، وأصبحت الضحايا تخرج عن صمتها لا سيما بعد تعدد الجهات الناشطة في هذا المجال واستحداث وحدة حماية الأسرة في الشرطة ووجود مؤسسات تعمل على تأمين الحماية للضحاياquot;.

وبحسب اشتيوي فإن الرجال بدؤوا يتقدمون بشكاوى ضد نسائهم المتسلطات والمتطلبات كثيراً، وذلك بسبب صعوبة الأوضاع الاقتصادية وغياب فرص العمل ولعدم تفهم زوجاتهم عدم قدرتهم على تأمين الاحتياجات والمتطلبات الخاصة ما شكل لديهم شعورا بالاحباط وأثرا نفسيا متراكما.

quot;النساء صنفان صنف جواهر والآخر قواهر وما يتوفر لدي من الصنف الآخرquot; هكذا كان موقف أحد الرجال الذي اختار جمعية الدفاع عن الأسرة، كما قالت اشتيوي، قاصدا طلب الخدمة والمساعدة نظرا لتصرفات زوجته ومتطلباتها الكثيرة.

وأكدت الأخصائية النفسية أن الكثير من الآباء تعرضوا قهرا لمضايقات نفسية نظرا لتعرض أبنائهم للسجن لدى السلطات الإسرائيلية أو وفاة أبنائهم خلال ممارسة نشاطهم ضد السلطات الإسرائيلية، ونتيجة تعرضهم لهدم منازلهم الأمر الذي انعكس على حياتهم الأسرية.

وبينت اشتيوي أن مثل هذه الأوضاع أثرت وحسب الأزواج على علاقتهم الأسرية والزوجية وتسببت بانقطاع وغياب الاتصال الجنسي، وعملت على زعزعة العلاقة بين الأزواج، الأمر الذي أسفر عنه ظواهر سلبية عديدة من بينها الخيانة الزوجية. وأوضحت أن حالات الخيانة الزوجية آخذة بالازدياد والأسباب متعددة منها: الزواج المبكر، وغياب المشاعر بين الطرفين، ونتيجة للابتكارات والتكنولوجيا التي ساهمت في انحراف الشباب بسهولة.

وأكدت أن من بين أسباب الخيانة، إهمال الزوجات لأزواجهم، وغياب الثقافة وتفاوت المستويات، وغياب نقاط التواصل، والابتعاد عن الدين، وتدخل الحماوات، وضعف شخصية الزوج وتدخلات الأقارب، إضافة إلى غياب القوانين الصارمة التي تسهم في الحد من مثل هذه التجاوزات.

حجم الاعتداءات

وأوضحت جمعية الدفاع عن الأسرة أنها تتلقى اتصالات بشكل مستمر حيث أن عدد الحالات مستمر بالارتفاع رغم وجود توعية ومتابعة من قبل الجمعيات والمؤسسات ويدلل ذلك على وجود وعي لدى الضحايا الذين أصبحوا يتحدثون بصوت مرتفع، إضافة للعوامل الأخرى المتمثلة بغياب الوازع الديني والظروف الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجيا.

وفيما يتعلق بدرجات الخطر على المعنفين، أكدت الأخصائية النفسية أن أعلى الدرجات تمثلت بالقتل وتلاها التهديد المستمر بالقتل، ويأتي لاحقا تعرض الضحايا لمشاكل تسببت بإعاقة، لافتة إلى وجود حالات اغتصاب وضرب عنيف.

جرائم القتل تزايدت في السنوات الأخيرة
وأكدت أن الجمعية تقوم بمساعدة وقائية للمعنفين من خلال عقد ورش العمل وفعاليات متعلقة بحقوق الإنسان، موضحة أن المستوى العلاجي الذي تقدمه الجمعية، يتمثل في عدة جوانب منها: الخط المساعد وإجراء المقابلات الفردية والارشاد النفسي والاجتماعي والقانوني بحيث يتم تشخيص المشكلة ووضع الحلول العملية للمساعدة.

وأشارت اشتيوي إلى أن من بين الخطوات العلاجية توفير خدمة الحماية وخدمة البيت الآمن للنساء والفتيات اللواتي تعرضن لخطر شديد بحيث يتم تأهيلهن وتقديم خدمة الإرشاد لهن.

البيت الآمن

وقالت اشتيوي: quot;إن الجمعية عملت على تأسيس البيت الآمن، سعيا لرعاية وحماية الفتيات والنساء المعنفات وأطفالهن، وتأهيل الفتيات والنساء، وإعادة الاستقرار النفسي لهن بشكل يتناسب مع قدراتهن وإمكانياتهن، مؤكدة أنه يهدف كذلك إلى تمكين وتأهيل الفتيات والنساء من متابعة حياتهن الاجتماعية ومواجهة المشاكل والتغلب عليها بعد مغادرتهquot;.

وحسب جمعية الدفاع عن الأسرة، يتم العمل داخل البيت الآمن وفق آليات معينة منها: استقبال النزيلة وتعريفها بالانظمة الخاصة، والعمل على تهدئتها وتأهيلها نفسيا واجتماعيا من خلال الارشاد الفردي، وتأهيلها مهنيا من خلال تنظيم دورات مهنية مثل (الخياطة والتطريز والحياكة، والرسم على الزجاج، ومهارات الكمبيوتر)quot;.

وتبعا للجمعية فإن معيقات عدة تعيق العمل في البيت الآمن منها: مشاكل التمويل وغياب وجود مصدر دائم للتمويل، وعدم وعى الكثير من النساء بحقوقهن الشرعية والمدنية وشعورهن بأن العنف الممارس ضدهن أمر طبيعي.

ومن بين المعيقات أيضا عدم تقبل المجتمع لفكرة وجود مثل هذا البيت، حيث يعتبره البعض تدخلاً في شؤون الأسرة، والخروج عن العادات والتقاليد المجتمعية، وعدم وجود قوانين تحمي النزيلات وطاقم البيت الاَمن، من تعرضهم لاي اعتداء خارجي، وضعف التعاون ما بين المؤسسات الحكومية والأجهزة الأمنية مع الجهات المختصة في هذا الإطار.

نسب وإحصاءات

وحسب الإحصائيات المتوفرة لدى جمعية الدفاع عن الأسرة فقد ارتفعت النسبة المؤية للاعتداءات الجنسية والنفسية والجسدية بشكل عام من 2.79% عام 1996 لتصل إلى 9.72% في العام 2007.

وكانت قد ارتفعت هذه النسب بشكل واضح خلال العام 2006 لتصل حسب احصاءات الجميعة النسبة المؤية إلى 16.39% وذلك خلال فترة الاجتياحات والاعتداءات الإسرائيلية وتوقف العمل وارتفاع حدة صعوبة الوضع الاقتصادي.

وكانت بعض الدراسات كالدراسة الصادرة عن جهاز الإحصاء المركزي في ما يتعلق بمسح العنف الأسري الذي أجري في العام 2005 أوضحت أن هناك نسبًا عالية من النساء ممن يتعرضن للعنف بأشكاله كافة، حيث بلغت النسبة للنساء اللواتي سبق لهن الزواج وتعرضن للعنف الجنسي 11%، و62% تعرضن للعنف النفسي، و23% للعنف الجسدي.

وبينت نتائج المسح أيضًا أن نسبة العنف تقل لدى النساء الأكثر تعلمًا، ومن هن داخل سوق العمل. وأوضحت الدراسة أن جرائم القتل تزايدت في السنوات الأخيرة تحت ذريعة quot;جرائم الشرفquot;.

الدين والعنف

وقال الشيخ سعد شرف، المتخصص في القضاء الشرعي في لقاء خاص مع quot;إيلافquot;: quot;إن الاعتداءات والتصرفات العنفية مرفوضة في الإسلام من حيث المبدأ حيث قال تعالى: quot;والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبيناquot;، وفي الحديث الشريف جاء قول الرسول الأكرم على النحو التالي: quot;المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويدهquot;.

وأكد أن العنف يأخذ حرمة أكبر إذا كان ظلما وإذا كان تجاه المحارم والأقارب لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: quot;كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعولquot;.وبحسب شرف فقد كانت عقوبة العنف الجنسي نحو المحارم في الإسلام شديدة جدا حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: quot;من وقع على ذات محرم فاقتلوهquot;.

وبخصوص حالات العنف في فلسطين أكد الشيخ شرف، أن المجتمع الفلسطيني ليس بمنأى عن هذه المعادلة حيث أن المؤسسات المختصة بالدفاع عن الأسرة تتحدث عن حالات بل العشرات من الحالات العنفية قسم مهم منها تتعلق بالمحارم.
ونوه شرف إلى أن غياب وجود من يوفر الحماية بالشكل المطلوب للمعنفين يجعل هناك صعوبة بالغة في الوصول إلى أرقام حقيقية تشخص بشكل سليم هذه الظاهرة، مشددا على ضرورة توحيد الجهود والعمل المشترك بين جميع المؤسسات المجتمعية والدينية من أجل وضع القوانين الصارمة والحد من هذه الظاهر.

وبحسب شرف، تبقى المشكلة الأبرز في هذا الإطار غياب الإحصائيات والأرقام الدقيقة التي لو وجدت لأمكن رفع الصوت عاليا والتوجه للمشرعين وأصحاب القرار وغياب الأرقام يجعل هذا الأمر شاقاً وصعبًا. هذا وتسعى العديد من المؤسسات والجمعيات لزيادة التوعية بين صفوف الأهالي والأطفال فيما يتعلق بموضوع العنف والتحرش الجنسي ومن بين هذه البرامج ما ينفذه مركز الدراسات النسوية بالتعاون مع العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة ضمن ما يعرف quot;برنامج أمانquot;.

ويهدف البرنامج الذي أقر بعد دراسة معمقة حول الاعتداءات الجنسية داخل العائلة، بحسب مركز الدراسات النسوية إلى تطوير المهارات الحياتية للأطفال والشباب وإلى إدماج المهارات الحياتية والتربية الجنسية في المدارس، على اعتبار أن هذه المهارات ضرورية للأطفال والشباب من الجنسين، لتعزيز الذات والثقة بالنفس، وبناء القدرات وبلورة الشخصية، وحماية أنفسهم من التحرشات الجنسية أو أي أذى جنسي قد يتعرضون له ومن أجل توفير بيئة آمنة يشارك في تطويرها المدارس والأهالي والمجتمع والأطفال والشباب أنفسهمquot;.

وحدة حماية الأسرة والطفل

وتبعا للشرطة الفلسطينية فقد أظهرت نتائج العمل المكتبي والميداني وطبيعة المجتمع الفلسطيني وخصوصيته احتياج واضح لادارة مختصة تعنى بشؤون الأسرة والطفل، استنادا إلى الدور الرئيسي لجهاز الشرطة في توفير الأمن والآمان للأسرة والمجتمع وكون العنف الاسري جريمة وظاهرة يجب علاجها تم العمل على تبلور فكرة ادارة متخصصة في جهاز الشرطة الفلسطينية تعنى بقضايا الاسرة الحساسة الخاصة.

وتعمل الدائرة وفقا للتشريعات والقوانين النافذة بسرية وحيادية مع مراعاة الخصوصية لكل قضية ومشتكي ومراعاة توفير الحماية والآمان ومراعاة الموروث الديني والاجتماعي سعيا لتوفير الحماية للمعنفين. ورغم ذلك تعاني الوحدة معيقات تعترض عملها ومنها: غياب القوانين الخاصة بالأسرة والفوضى الاجتماعية داخل الأسر وقلة الإمكانيات ومضايقات السلطات الإسرائيلية، وصلاحيات التحويل للنيابة العامة وغيرها من القضايا.