الاستعدادات لشهر رمضان تتواصل في العراق

يسعى عراقيون لإزالة اية خلافات مذهبية وطائفية في هذا البلد مع قدوم شهر رمضان، وذلك من خلال الاستعدادات المتواصلة لإقامة إفطارات جماعية تجمع المسلمين من مختلف مذاهبهم على مائدة واحدة.


تشهد الأسواق العراقية حركة واسعة في البيع والشراء واستكمال الاستعدادات لمتطلبات شهر رمضان، في وقت ترتفع فيه درجات الحرارة في جميع مدن العراق، الى مستويات قياسية تصل الى 55 درجة مئوية في البصرة ( 545 كم جنوب بغداد)، ونحو 50 الى 45 درجة في باقي مدن العراق.

ورغم الظروف القاسية تكمل الأسر العراقية استعداداتها اللوجستية لشهر الصيام، محاولة توفير ما تحتاجه من أنواع الغذاء والوقود. لكن الكثير من العراقيين يخشون ارتفاع الأسعار، وهي ظاهرة حدثت في السنين السابقة بسبب الإقبال الكبير على المواد الغذائية ومحاولة بعض التجار استغلال ذلك لتحقيق أعلى الأرباح.
ومنذ الآن، تزدهر أسواق الشورجة وجميلة وبغداد الجديدة و الكرادة في الرصافة و الكاظمية والبياع والشواكة في الكرخ في بغداد بمظاهر البضاعة الخاصة بشهر الصوم.

وفي اغلب مدن العراق يشرع المواطنون في تهيئة المساجد التي تستقطب أعدادا كبيرة من المواطنين في رمضان.

ففي مدينة كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) يجهّز أبو احمد مسجد الزهراء التابع للحي الذي يسكن فيه بأنواع السجاد، وترتيب لوازم الخدمة من ماء وأثاث وعدد.
ويقول أبو احمد : في هذا المسجد نستقبل الصائمين الذين يقصدون الإفطار الجماعي كل سنة طيلة أيام رمضان.

ويشترك اهل الحي في الكلفة الكلية للخدمات التي يقدمها المسجل في دلالة على التكافل الاجتماعي الذي يبلغ أعلى مستوياته في شهر الصيام.

ترحيب برمضان
وفي مدن جنوب بغداد، مثل المحمودية و المحاويل كما هو الحال مع المدن الأخرى تعلق منذ الآن اليافطات التي ترحب بالشهر الكريم، إضافة إلى إعلانات عن الفعاليات الدينية والاجتماعية التي ستنظم خلال رمضان.
ويشرع أبو احمد مع مجموعة من المتطوعين في تنظيم الاستعدادات للشروع بتوزيع إمساكيات شهر رمضان في كل مكان تقريباً.
وفي مدينة الحلة (100 كم جنوب بغداد)تلمح حركة دؤوبة في المساجد والحسينيات، بتنظيف الساحات وتعطير الأمكنة بالبخور،وتهيئة خزانات خاصة للمياه.

وعلى المستوى العائلي فان الأسر العراقية لا تدخر جهدا في الاستعدادات لاسيما ما يتعلق بتهيئة الأكلات والمشروبات الخاصة.
وفي كل عام تحضر أم وليد ثلاث ( صوانٍ ) من (الكليجة) وهي أكلة عراقية من الطحين والحلوى والمكسرات.

وتبدو أم وليد مسرورة هذا العام لأنها استطاعت ان تدخر كمية من الطحين الجيد. وتقول أم وليد...ثمة ارتفاع طفيف في الأسعار لكني ادخرت ما أريد، ولن يؤثر ذلك في استعداداتي.
لكن انقطاع التيار الكهربائي بحسب ام وليد يحول دون تهيئة أنواع كثيرة من الأطعمة المرغوبة في رمضان.

وتضيف أم وليد..نضطر في ظل صيف لاهب إلى تأمين الغذاء المطبوخ ليوم أو يومين على أكثر تقدير.
ويتلذذ العراقيون في فطور رمضان بأنواع من التمور توفرها السوق العراقية، إضافة إلى أكلات شعبية مثل التمن والمرق و( التشريب ) و (الدولمة) العراقية وأنواع الألبان.

الفطور في المطاعم
ويشير سعيد كريم إلى ظاهرة تبرز في رمضان في العراق وهي ظاهرة جديدة على المجتمع العراقي ولاسيما من الوسط والجنوب وهو الفطور في المطاعم والكازينوهات.
ويقول سعيد... افطر وأسرتي مرة واحدة في الأسبوع خارج البيت في المطاعم لكن هناك من الأسر من تفطر كل أيام رمضان في المطاعم.
وتزداد هذه الظاهرة بشكل واضح في بغداد، حيث تنتشر المطاعم الفخمة. ويقول الباحث الاجتماعي كريم سليم ان مظاهر البذخ في العراق في رمضان تبرز منذ نحو سنتين بسبب ارتفاع الرواتب لاسيما بين الموظفين.

ويضيف.. لم يعد صعبا من الناحية المادية فطور العوائل في المطاعم لاسيما أسر الموظفين حيث لا يسعف الوقت لإعداد وجبات الأكل كما تقول أم سليم العاملة في مصرف الرافدين في بغداد.
وتقول ام سليم انها تصطحب أسرتها في نهاية كل أسبوع لزيارة الأماكن المقدسة في كربلاء والنجف. وتتابع.. أنا وزوجي موظفان، ونقضي اغلب أيام شهر رمضان بالفطور في المطاعم المنتشرة في الكرادة.

صيف لاهب، ونقص في الكهرباء
وفي ظل صيف لاهب، ونقص في إمدادات الكهرباء، ونهار طويل، لا يفوت اغلب العراقيين وجبة السحور التي غالبا ما تتألف من أكلات خفيفة من ( الشوربة) و الألبان و التمور.
يقول الباحث الاجتماعي علي محسن ان أهم ما يميز رمضان في السنين الأخيرة هو ازدياد ظاهرة الصوم مسبقا قبل حلول رمضان.

ورغم أن هذه العادة معروفة بين العراقيين في مختلف مدن الشمال والجنوب حيث يصوم الناس ليوم واحد أو ثلاثة أيّام في أواخر شهر شعبان استعداداً للشهر المبارك، الا ان الجديد في الأمر ان هناك من يسبق موعد الصيام بشهر وشهرين. ويصوم ابو حميد منذ أكثر من شهر ونصف استعداد للشهر الفضيل.
أما كريم ساجت وهو طالب جامعي فقد بدأصيامه في بداية شهر يوليو ليستمر على صيامه إلى نهاية رمضان.

معامل الحلويات
وفي مدن تضم الأماكن المقدسة، تبدو استعدادات معامل الحلويات واضحة في تهيئة الزلابية والبقلاوة والحلويات. وتزهر هذه الصناعة من جديد حيث تشهد السوق أنواعا ذات جودة عالية يقبل عليها المواطن بشكل كبير.

ويقول حميد سليم صاحب معمل (الشهابي) للحلويات ان الانتاج لم ينقطع حتى في اشد الأزمات الاقتصادية والسياسية. ويضيف.. في سنوات الحصار الاقتصادي والحرب استعاض الصناع بالدبس بديلا للسكر في توفير ما يحتاجه الناس.

الإفطار المشترك
وتنظم في بغداد في المساجد و الحسينيات حلقات الذكر والقراءات القرآنية في دلالة على وحدة الفكر والمصير للمسلمين من مختلف المذاهب.
ويقول كريم سعيد إنه لا مبالغة في القول إن اغلب مساجد وحسينيات بغداد تشهد منذ العام 2008 عودة الإفطار المشترك بين السنة والشيعة.

ويتابع سعيد: عدا الصيام المشترك الذي تنظمه المؤسسات الدينية والاجتماعية، فان الأمر يحدث بصورة تلقائية بين المواطنين أنفسهم.

ويضيف كريم : ثمة أصدقاء من سنة وشيعة يفطرون سوية من دون توجيه من حزب او مؤسسة ما، بحكم العلاقات الأخوية والجيرة الحسنة، في المساجد أو الحسينيات.
وفي الكاظمية اصطحب حسين الفراتي صديقه توفيق قادر طوال أيام رمضان العام الفائتللإفطار معه في احدى حسينيات الكاظمية رغم أنه من مذهب آخر.

وفي مدينة الحلة حيث تسكن أقلية سنية صغيرة، فان الناس اعتادوا منذ قديم الزمان على الفطور والصلاة المشتركة لاسيما في رمضان.
ويقول ابو حسين.. حتى في أيام العنف الطائفي ظل المسلمون من سنة وشيعة متكاتفين.
وتمتاز مدن الوسط والجنوب بمجالس أفراح ومسرات، في رمضان، و يتزامن ذلك مع مجالس عزاء حسينية تقام في بعض البيوتات.

المغتربون يصومون في الوطن
وفي مدن مثل الرمادي والموصل يحدث الأمر نفسه، حيث يجتمع الناس في المساجد للإفطار، وتنظيم مجلس الذكر وقراءة القرآن. كما يسهر كثيرون إلى ساعات متأخرة للمتعة وممارسة الألعاب الشعبية مثل (المحيبس). إضافة إلى تناول المشروبات مثل الشاي المعد على الفحم وكذلك الحامض (نومي بصرة) والدارسين.
ولعل أكثر الظواهر ايجابية هو حرص الكثير من المغتربين العراقيين في أوروبا والدول المجاورة على القدوم إلى العراق لقضاء شهر صيام بين أهلهم وذويهم.

فقد تعود عصام محسن ويقيم في فنلندا من أكثر من عقد على قضاء أيام رمضان في مدينة كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) بين أهله منذ العام الماضي حيث يؤكد ان اغلب المغتربين العراقيين يتوقون إلى قضاء الشهر الفضيل في الوطن بسبب المذاق الخاص للصيام بين الأهل وأبناء الوطن.