يتبادر الى أذهان البعض تساؤلات عن سبب إشعال أعمال الشغب في بريطانيا واذا ما كانت الشرطة ألهبتها بمقتل أحد المواطنين. ويعتقد البعض أنها مفهومة ومبررة فيما يقول آخرون إن الشرطة استنزلت على نفسها ما حدث، او أنها كانت متوقعة بسبب انتشار البطالة والفقر في مناطق الاحتجاج.

الشرطة تصطفّ بينما تلتهم النيران أحد المباني في توتنهام

لندن: صحا البريطانيون يوم الثلاثاء على ليلة أخرى من العنف وفي ذهنهم سؤال واحد: ما الذي أشعل أعمال الشغب التي بدأت في شمال لندن وامتدت الى مناطق اخرى من العاصمة ثم الى مدن في الجنوب والوسط والشمال ، ولماذا لم تتمكن قوات الشرطة من السيطرة على الأحداث؟ يعتقد بعض المعلّقين ان الاضطرابات مفهومة ومبررة فيما يقول البعض الآخر ان الشرطة استنزلت على نفسها ما حدث. ويرى فريق ثالث ان اعمال العنف كانت متوقعة إزاء انتشار البطالة والفقر في هذه المناطق.

وتحدث بريطانيون للصحافيين عن سخطهم على الشرطة. ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن طالب قوله quot;ان افراد الشرطة لا يتحدثون معنا أبدا بل يتجاهلوننا وهم لا يعتقدون أننا بشر في هذه المنطقةquot;. وقال ناشط شبابي quot;ان طريقة الشرطة في معاملة السود تقول إننا لا شيءquot;. وتحدث محاسب متقاعد عاش في منطقته 30 سنة متواصلة عن تصرف بعض افراد الشرطة quot;بغطرسةquot; تستفز الآخرين.

ولاحظ سكان آخرون شاهدوا اشخاصا يحملون سجادات وأحذية وساعات منهوبة أن هؤلاء افراد quot;من كل الالوان والأعراقquot; في إشارة الى موجة من الخروج على القانون وليس رد فعل مفهوما على انتهاكات عرقية سابقة.

ويتساءل البعض عما إذا كانت قوات الشرطة هي التي ألهبت الاحتجاج الذي بدأ سلميا على مقتل المواطن مارك دغان رميا بالرصاص يوم الخميس الماضي. وتتعذر بالطبع الاجابة عن هذا السؤال قبل انتهاء التحقيق. ولكن هناك من يذهب الى ان قوات الشرطة تعاملت مع مثيري أعمال الشغب بلطف خوفا من تهمة العنصرية.

ينص احد المبادئ التسعة الشهيرة التي صدرت عام 1829 لتنظيم عمل الشرطة في العاصمة البريطانية على انه quot;لا يجوز استخدام القوة الجسدية إلا إذا اتضح أن ممارسة الإقناع والنصح والتحذير ليست كافية.... وألا يُستخدم إلا الحد الأدنى من القوة الجسدية اللازمة في أي مناسبة محدَّدةquot;.

وهذه هي السياسة التي اتبعتها شرطة لندن خلال الاحتجاجات الطلابية على رسوم الدراسة في الجامعات البريطانية وعملت بنجاح قبل ذلك حين نظمت نقابات عمالية تظاهرة ضد خفض الانفاق العام. ورغم اقتران التظاهرات الطلابية بأعمال عنف فإن الإحجام عن استخدام القوة كان موقفا صائبا. ولكن موقفا آخر فرض نفسه في أحداث منطقة توتنهام.

فقوات الشرطة أُصيبت بحساسية شديدة إزاء تهمة العنصرية منذ التقرير الذي أصدرته لجنة السر وليام ماكفيرسن عام 1999 في اعقاب مقتل شاب اسود في لندن. وأصبح هذا الموقف ينطوي الآن على مفارقة حتى ان قوات الشرطة تجد نفسها متفرجة حين يتعرض افراد الأقليات الاثنية الى الأذى. وبسبب ذلك لم تتوفر الحماية المطلوبة لأصحاب المتاجر وسكان الشقق التي تقع فوقها ، كما افادت صحيفة الديلي تلغراف.

إذ دُفع افراد الشرطة الى الشعور بأنهم quot;شرطة بيضquot; ولا يتمتعون بشرعية في quot;المناطق السوداءquot;. وبدأ هذا الموقف مع تقرير اللورد سكارمان عن اعمال الشغب التي شهدتها منطقة بركستون جنوب لندن عام 1981. وتنقل صحيفة الديلي تلغراف عن ذلك التقرير quot;ان هناك اتفاقا واسعا على ان تركيب شرطتنا يجب ان يعكس مكونات المجتمع الذي تخدمهquot;. وتوصل اللورد سكارمان الى ان الأقليات العرقية ليست ممثلة تمثيلا كافيا في قوات الشرطة. وبعد أن أبدى تقرير ماكفرسن رأيا مماثلا في عام 1999 حددت الحكومة هدفا لتجنيد أفراد الأقليات في سلك الشرطة بنسبة 8 في المئة.

ولكن ملاحظة سكارمان بأن الشرطة يجب ان تعكس تركيب المجتمع ملاحظة خاطئة ، بحسب الديلي تلغراف التي تشير الى ان الشرطة لم تكن ذات يوم ممثِّلة للمكونات الاجتماعية أو العرقية وإن افراد الشرطة اشخاص وقع عليهم الاختيار لأنهم مؤهلون لعمل الشرطة وليس بسبب انتمائهم العرقي. وهم افراد يستحقون أن يكونوا اعضاء مهنة تدافع عن القانون بلا تحيز أو تحامل أو سوء نية أو تمييز. وما دامت هذه المعايير سارية فإن من حق كل شرطي ان يلقى الاحترام ، سواء أكان اسود أو أبيض ، رجلا أو امرأة. إذ ان شرعية الشرطة لا تمت بصلة الى تركيبتها العرقية لكنها وثيقة الصلة بفرض القانون على الجميع بلا استثناء.

وبدلا من الدفاع عن مبدأ الحياد المطلق نشر قادة الشرطة دليل quot;جريمة الكراهيةquot; في عام 2002 الذي قوض اعرق مبادئ العمل البوليسي ، بحسب الديلي تلغراف. فإن مبدأ العدالة المحايدة نُحي جانبا وجرى تعريف quot;عمى الألوانquot; في عمل الشرطة بأنه quot;عمل بوليسي يُفترض أنه يعامل الجميع بطريقة واحدة. ومثل هذه المقاربة خاطئة وظالمة. فهي لا تأخذ في الاعتبار حقيقة ان للافراد المختلفين ردود افعال مختلفة وحاجات مختلفة. ويعني عدم فهمها التخلف عن تقديم الخدمات المناسبة لتلبية الحاجات والعجز عن حماية المواطنين بصرف النظر عن أصولهمquot;. وهكذا اصبحت العدالة المحايدة quot;ظلماquot; ، ولا غرابة في أن الكثير من افراد الشرطة وجدوا صعوبة في قبول السياسة الجديدة. ولكن مثل هؤلاء كانوا يخضعون quot;لإعادة تدريبquot; أو لإجراءات انضباطية ، بحسب الديلي تلغراف.

في مثل هذه الأجواء ليس من المستغرب ان يفكر ضباط الشرطة الذين يقفون في مواجهة أعمال شغب بأن من الأسلم ان ينتظروا اوامر المراجع العليا بدلا من التصرف حسب اجتهادهم لحماية المواطنين دون خوف أو محاسبة.

من العناصر الأخرى في عمل الشرطة التي ساهمت في فشلها ان قوات الشرطة ليس لها جذور عميقة في غالبية المناطق وخاصة في مناطق مثل توتنهام. فإن قلة من عناصر الشرطة، إن وجدوا، يعيشون في المنطقة نفسها.وفي السابق كان عمل الشرطة يعتبر وقائيا يستند الى وجود أفراد الشرطة بشكل ظاهر في الشارع تعلن عنه ملابسهم الرسمية ذاتها. وبالتدريج أصبح عمل الشرطة نتيجة الضغوط الداعية الى quot;الكفاءةquot; اقرب الى الرد السريع والرصد.وكان افراد الشرطة ينتظرون اتصال المواطن فيردون بأسرع وقت ممكن فيما تحاول فرق التحقيق حلّ جرائم سابقة. ولم يلق مبدأ الوقاية قبولا بوصفه طريقة ناجعة إلا خلال العامين السابقين.

ويُفترض ان الحكومة أخذت تتجه الآن نحو العمل البوليسي على مستوى الأحياء بدفع عناصر يغطون مناطق معينة ويعملون على اقامة صلات وثيقة مع الأهالي. فان ضابط الشرطة الذي يعرف المواطن الصالح من الشخص المنحرف يكون في موقع أقوى بكثير حين تقع اضطرابات من الضابط الذي تُستدعى وحدته للرد السريع من اجل التعامل مع بعض اعمال الشغب بين حين وآخر.

كما حُملت إجراءات الحكومة الائتلافية بخفض أعداد الشرطة قسطا من المسؤولية عن اعمال الشغب. فان الائتلاف الحاكم يخطط لخفض الانفاق على الشرطة بنسبة 20 في المئة.وهبط عدد افراد الشرطة خلال السنة المنتهية في آذار/مارس 2011 بواقع 4625 شرطيا الى 139110 عناصر.

ولكن معلقين يرون أن قيادة الشرطة فشلت فشلا لا يُغتفر في التعامل مع اضطرابات الأيام الأربعة الماضية حتى بعد أخذ هذه العوامل السلبيةفيالاعتبار. ويتساءل معلقون لماذا لم تتحرك قوات الشرطة لاعتقال الذين نهبوا المتاجر في وقت كانت الشرطة تراقبهم من غرف السيطرة عبر الكاميرات المنصوبة في كل مكان. ويقول آخرون ان بث القنوات التلفزيونية مشاهد قوات الشرطة تقف متفرجة فيما كانت اعمال النهب جارية على قدم وساق أدت الى انتشار اعمال الشغب الى مناطق أخرى في الليلة التالية.

ان إحجام الشرطة عن استخدام القوة مبدأ يستحق الثناء ولكن حين تخرج الأحداث عن السيطرة يكون استخدام قوات الشرطة بكل ما لديها من موارد عملا مبررا.وان الجيل الحالي من قادة الشرطة اتقن فن التعامل مع قضايا العنصرية أو مكافحة جرائم الكراهية ولكن هذه الدروس لم تصنع قادة قادرين على القيادة حين تندلع اعمال شغب ونهب وتخريب. وتبين الاصابات التي وقعت بين عناصر الشرطة ان هناك شرطة مستعدة لتحمل المخاطر من أجل الحفاظ على القانون والنظام لكنهم اسود يقودهم حمير انهمكوا في الاستماع الى محاضرات سوسيولوجية عن quot;جريمة الكراهيةquot; في اكاديمية الشرطة، على حد تعبير صحيفة الديلي تلغراف.