مع وصول نسائم laquo;ربيع العربraquo; إلى سوريا، ساد اعتقاد بأن أيام الأسد صارت معدودة وأن رياح التغيير التي أتت بها تونس والقاهرةقد تتخذ من دمشق بوابة إلى تغيير الخارطة السياسية العربية بكاملها. لكن الأشياء تعثرت بشكل واضح بجلاء.. وهنا أهم العوامل التي تضافرت لإفراز هذا الوضع.


صور الأسد في الشوارع تتحدى المتظاهرين

لندن: يمكن القول إن السبب الأكبر وراء إخفاق السوريين دعاة الحرية والديمقراطية في إطاحة الرئيس بشار الأسد هو القهر المريع الذي تمارسه قواته بحقهم... من الاعتقال والتعذيب، إلى الموت بالنار في الشوارع أو الموت بغيرها داخل السجون.

لهذا صار التظاهر نفسه مغامرة مهولة من شأنها أن تردع حتى أشجع الشجعان وأكثرهم تصميمًَا على إزاحة السلطة.

لكن ذلك القهر ليس هو العامل الوحيد وراء الانتكاسات التي منيت بها عناصر المعارضة السورية.

وتبعًا لخبير شؤون الشرق الأوسط بلال صعب، من جامعة ميريلاند الأميركية، فثمة سبعة عوامل رئيسة هي التي تصنع الوضع الراهن، أشار إليها في مقال مطوّل على صفحات laquo;كريستيان ساينس مونيتورraquo;، وهي كما يلي:

1-الضعف والانقسامات في الصفوف

رغم أن المعارضة تتعلم ndash; يومًا بعد آخر ndash; كيفية تنظيم نفسها لزيادة فعاليتها وإيصال رسالتها إلى العالم الخارجي، فلا تزال هذه الجهود مشتتة وتفتقر التركيز.
وما لم تتمكن صفوفها من الاتحاد واجتذاب المزيد من المعارضين ndash; خاصة من طبقة الأعمال التجارية وسط السنة ndash; والوصول بأعداد كبيرة إلى قلب دمشق نفسها، فالأرجح أن مطافها سينتهي إلى لا شيء.

2- السلمي مقابل المسلح

لا يفوت على الأسرة الدولية ملاحظة أمر مدهش، وهو بقاء الانتفاضة على نظام الأسد سلمية بالكامل. لكن الاحتمالات تبقى مفتوحة في ما يتعلق باستمرارها على هذا النحو. وفي حال استمرار الوضع كما هو، فقد تنحو عناصر معارضة إلى نبذ السلم لمصلحة النضال المسلح.

المقامرون وبقاء حكام الشرق الأسط


في الغرب يراهنون على كل شيء.. من نتائج الأحداث الجسام الى ما إن كان الجليد سينهمر يوم عيد الميلاد المقبل. وأحداث سوريا ليست استثناء. فقالت دور المقامرة إنها تعطي الرئيس بشار الأسد نسبة 70 في المائة في ما يتعلق باحتمال بقائه حتى 2012 على الأقل.

بهذا فإن الأسد يتفوق كثيرًا على العقيد معمّر القذافي والرئيس اليمني علي عبد الله صالح، اللذين تعتقد تلك الدور أن فرص إطاحتهما قبل ذلك الموعد أكبر بكثير من تلك التي تهدد الرئيس السوري.

وتبعًا لأحد أكبر تلك الدور، وهو موقع الإلكتروني laquo;إينتريدraquo;، فإن المقامرين يعتقدون في المتوسط أن احتمال إطاحة الأسد قبل منتصف ليلة الحادي والثلاثين من ديسمبر / كانون الأول 2011 لا تتجاوز 28.5 في المائة. وفي ما يخص القذافي فإن النسبة تبلغ 75 في المائة، وصالح 57 في المائة.

يذكر أن laquo;إبنتريدraquo; صارت، بفضل تكهناتها الدقيقة، بمثابة الباروميتر للأحداث المهمة المقبلة. وعلى سبيل المثال فقد تنبأت بوصول باراك اوباما الى البيت الأبيض بعد حصوله على 364 صوتًا انتخابيًا. وكان هذا الرقم يقلّ بصوت واحد عمّا حصل عليه اوباما فعلاً وهو 365 صوتًا.

في ما يتعلق ببعض الباقين من حكام الشرق الأوسط فقد جاءت نسب احتمال إزاحتهم قبل نهاية العام الحالي كما يلي تبعًا للمصدر نفسه:

* رئيس وزراء البحرين خليفة بن سلمان آل خليفة: 19 في المائة

* الرئيس الجزئري عبد العزيز بوتفليقة: 15 في المائة

* الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد: 10 في المائة

* المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي: 5 في المائة

لكن في حال تحول المعارضة السلمية إلى أخرى مسلحة بالكامل ndash; لسبب أو آخر، بما في ذلك اختطافها من قبل جهات أجنبية ndash; فإن هذا سيعود بالضرر البالغ على هذه المعارضة وعلى فرص وصولها إلى نوع الناتج الذي ترجوه.

لذا فإن العالم ينظر بقلق إلى إمكان الانهيار التام للنظام والقانون في سوريا.. وفي نهاية المطاف فقد صارت هذه حرب استنزاف، والوقت فيها قد لا يكون لمصلحة المعارضة.

3- الإخوان المسلمون

ربما كان الإخوان المسلمون عبئًا على المعارضة أكبر من كونهم سندًا لها. والسبب في هذا هو أن الغرب ينظر بوجل إلى نواياهم، وقد يسحب كل أشكال دعمه في حال شعر بأن الإخوان يتصدرون الواجهة أو يكتسبون نفوذًا متناميًا بمر الأيام والأحداث.

وبرغم أن النشطاء الليبراليين مدركون نوع التحديات التي يشكلها الإخوان، فليس بوسعهم الكثير الذي يمكن أن يفعلوه إزاء حركة حرمها آل الأسد من الحرية السياسية لدهر طويل، وصارت متعطشة لهذه الحرية.

4- الحوار مع السلطة

من شأن الحوار مع النظام السوري أن يؤذي قضية المعارضة. وهذا لأن الأسد غير راغب، أو غير قادر، على الإصلاح. وبدلاً من ذلك فسيسعى إلى تحييد خصومه وشق صفوفهم عبر وعوده بحوار لا يقدم ولا يؤخّر.

والواقع أن التلويح بالأمل عبر الحوار والتنازل والحلول الوسط هو الشق الآخر من إستراتيجية مزدوجة ينتجها الأسد، بجانب الشق الأول وهو القمع العنيف، بما يخلخل المعارضة من أساسها.

وقد رفضت غالبية المتظاهرين السوريين مبادرات الأسد. ومع ذلك فمن الممكن أن توجد شرائح اقتنعت بوعوده بالإصلاح أو يغريها، على الأقل، أن تقبل بها.

هذا، بغضّ النظر عن أن أحجام هذه الشرائح، تدخل في باب النزيف بالنسبة إلى المعارضة وتشكل نكسة لها. ولذا فمن الضروري حقًا بالنسبة إليها أن تكون قادرة على توحيد الشارع السوري بكامله وراءها، بحيث يكون ضغطها على النظام حقيقيًا وهائلاً وحصولها على الدعم الدولي مضمونًا.

5- التدخل الخارجي

يعجّ تاريخ سوريا الحديث بالتدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية، بما قاد في عدد من المرات الى زعزعة الاستقرار والعنف السياسي. والأحداث التي تمر بها البلاد الآن تشهد ايضًا نوع التدخل الذي لا يصبّ في مصلحة المعارضة بالضرورة.

على سبيل المثال فإن محاولات تركيا تشجيع الأسد على الحوار يضرّ بها لأنها لا تريد ما هو أقل من تغيير النظام الحاكم نفسه. وهي تتخذ موقفها هذا انطلاقًا من أن مجرد الحوار يضفي عليه الشرعية في أعين العالم على الأقل. ومن أمثلة التدخل الأخرى ما يُقال من أن إيران تمدّ نظام الأسد بما يكفي من السلاح اللازم لقهر المعارضة على نحو أشد.

6 ndash; الدبلوماسية الأميركية والغربية

لا يزال المراقبون يتجادلون حول ما إن كانت السياسة الأميركية والغربية عموما إزاء الأحداث السورية تصب لصالح المعارضة أو ضررها.. بل أن السوريين أنفسهم منقسمون في هذا الشأن. فالبعض يقولون إن دعوات صريحة من كبرى العواصم (واشنطن ولندن وباريس وروما) لتنحي الأسد ستقضي على آمال المعارضة في تنحيه أو إزاحته. لكن بعضا آخر يقول بالعكس لأن هذا سيفتح طريقا واحدا أمامه يؤدي فقط الى المخرج. ويضيف هؤلاء إن موقفا صلدا من الغرب بهذا الخصوص قد يقنع الجيش السوري بإعادة حساباته وربما اتخاذه القرار زخيرا بالوقوف الى جانب المعارضة.

7- سباحة ضد التيار

ليس مستغربًا أن المعارضة السورية تجد صعوبة جمة في التحرك إلى الأمام. فهي من جهة تواجه خصمًا لا يتردد في القمع والفتك، ومن جهة ثانية تحاول التغلب على النواقص التي تكتنفها، ومن الجهة الثالثة تسعى إلى إقناع الغرب بعدالة قضيتها.

في هذا السياق يمكن القول إن السوريين يسبحون ضد تيار قوي وهائل. ولكن، إذا تمكنوا من الوصول إلى هدفهم في نهاية المطاف العسير، فسيكون إنجازهم بحق مثال لقوة الشعب أسطع من ذلك الذي قدمه الشعب المصري في ثورته على حسني مبارك.. وأيضًا أكبر أثرًا على المجريات السياسية والأمنية في عموم منطقة الشرق الأوسط.