سوريون يطالبون بالحرية

اعتبر باحث أن المواقف العربية إزاء سوريا غارقة في صمت مريب، وظنّت أن النظام يملك وسائل الإكراه للجم المعارضة علهّا تقلب الناس على فكرة الثورة خوفاً من انتقال العدوى إليهم. ومع إصرار الشعب السوري، لاذت غالبية القيادات السياسية بالصمت لغياب رؤية سياسية لما يمكن أن تفعله في حالة كهذه.


باريس: يرى الباحث د حسن المصدق إن الموقف العربي بخصوص الوضع السوري quot;منقسم ويغلب عليه الصمت، إذا استثنينا الرسائل الصارمة التي عبّر عنها العاهل السعودي من تبرم وضيق من سفك الدماء الذي يرتكبه النظام في حق الشعب السوري، وتأكيده أنه لن يقف مكتوف اليدين أمام هول ما يجري ويدور...quot;.

ويقول المصدق في حوار لـquot;إيلافquot;،إن quot;اللهجة نفسهاحملها بيان أصدره مجلس التعاون الخليجي تجاه ما يقع من مجازر دموية، وهو الموقف الذي نجم منه استدعاء سفراء السعودية والكويت والبحرين وتونس للتشاور، الأمر الذي اعتبره المراقبون صفعة كبيرة للنظام السوريquot;.

ويتابع الباحث الجامعي في مركز دراسات العالم العربي والشرق المعاصر quot;إن المواقف العربية الأخرى غارقة في صمت مريب، وأعتقد أنها لم تفكر ولو لحظة واحدة في احتمال أن لا يستطيع النظام السوري قمع الثورة وإخمادها، كما لم يكن لها مطلقًا لها أي رغبة في التدخل لحساسية الموقف خوفًا من أن يجد النظام السوري في المبررات نفسها ذريعة للتدخل في شؤون جيرانه، والصحيح أنمعظم القيادات السياسية العربية لم يكن لديها أي رؤية سياسية لما يمكن أن تفعله في حالة كهذه التي نشهدها اليوم، خاصة عندما استنفذ النظام السوري خياراته الأمنية، وبات معزولاً ومهددًا أكثر من أي وقت مضىquot;.

الباحث حسن مصدق

و قال المصدق quot;لقد كان النظام العربي في مجمله على ثقة مطلقة بأن النظام السوري يملك وسائل الإكراه والقمع التي تمكنه من لجم أي قوى معارضة ومن ضبط عجلة قطار العصيان المدني والاحتجاج السلمي، والمسألة ليست سوى مسألة وقت يكفي فيها كل طرف الانشغال بحاله وغض النظر حول ما يجري عند جاره، كي تمر العاصفةquot;.

quot;لكن السكوت على جرائم ضد الإنسانية تواطئًا ليس إلا، نظراً إلى حجم استعمال القمع والتنكيل وهول المجاز التي ارتكبت، حيث بلغ عدد الضحايا أكثر من 2000 قتيل ما بين 15 آدار/مارس ndash; 15 تموز/ يوليو بحسب التقرير الذي قدمه نافي بيلاي المسؤول الأممي المكلف بحقوق الإنسان أمام أنظار مجلس الأمن، والذي شمل عشرين صفحة، تضمنت شهادات موثقة عن الاعتداءات على الجرحى والمصابين في المستشفيات من طرف قوى الأمن وميليشيات الشبيحة، ووضع الأحياء منهم في أجهزة التبريد، وإعدام 26 متظاهرًا في ملاعب كرة القدم في مدينة درعا جنوب البلادquot;، يفيد ضيفنا.

في المنحى نفسه،يزيد قائلاً quot;إن استعمال القوة والتوسيع المنظم لدائرة العنف والتنكيل والعقاب الجماعي جعل البعض يحلم ويتوهم أنه سيكون درسًا للناس، لعلهم ينقلبون أيضًا على فكرة ثورة الحرية ومسيراتها، لكن إصرار الشعب السوري على معركة الكرامة تحول إلى كابوس حقيقي يقضّ مضاجع السياسيين العرب، في ظل إصرار قوى التغيير على رفع شعارات الحرية والكرامةquot;.

quot;وبالرغم من استخدام النظام السوري كل ترسانته القمعية وموارده وإعلامه للتضليل، لم يعد اليوم للموقف العربي الرسمي أي حجة وأي ذريعة يُبرر بها سكوته غير المقبول حول حقيقة ما يجري ويدور في سوريا من استعمال النظام البعثي لوسائل الإكراه والقمع للبقاء في السلطة بأي ثمن، خاصة ما يجري من تسخير قوى الأمن والعسكر والمليشيات التابعة للحزب في ارتكاب مجازر في حق المدنيين العزلquot;، يضيف المصدق.

وقال هذا الباحث quot;لقد شاهدنا قمعًا مفرطًا وتنكيلاً يندى له جبين البشرية، التجأ إليه النظام السوري ومليشياته الدموية لإسكات أصوات معارضيه وقمع تظاهرات سلمية تطالب بالحرية والديموقراطية واحترام كرامة المواطن السوري وتطلعاته.

بالتأكيد، إن تطورات الوضع الكارثي والمسّ بالكرامة الإنسانية للمواطن السوري التي لم يسلم منها حتى الأطفال والشيوخ والنساء يطرح على كل طرف عربي مسؤولياته، والذي يتحمل المسؤولية عن هذه الكوارث أولاً، هو النظام السوري وقيادته السياسية أولاً، حيث يريد النظام إذلال الشعب السوري وإحكام قبضة الأغلال عليه، وسدكل أبواب الرحمة والحكم عليه بالعبودية الأبدية أو دفعه إلى العنف المضادquot;.

القوى العربية مطالبة باحتواء الموقف

يرى المصدق أنه quot;تأخر كثيرًا إصدار أي دولة عربية، ولو نداء، يطالب النظام السوري بوقف العنف والتنكيل واستعمال إكراه الآلة الأمنية العسكرية تجاه الشعب...quot;، موضحًا أنه quot;في الوقت الحالي لا توجد مبادرات دبلوماسية عربية عربية طرحت أو تطرح حلاً مثلاً أو وساطة ما. أماغالبية التحركات على المستوى الدولي منذ فترة وجيزة فأفهمها كضغوطات سياسية حول النظام السوري، ظاهرها التنديد بما يجري في الساحة السورية من قمع وتنكيل وقتل. أما باطنها الحقيقي فلا يعدو أن يكون تصفية حسابات مرتبطة بملفات إقليمية عالقة قديمة مع النظام السوريquot;، بحسب رأيه.

في هذا السياق، يقول محدثنا،quot;لقد راهن الكثير في البداية حول نجاح النظام السوري في إخماد فتيل الاحتجاج والثورة المدنية في سوريا، خوفًا من انتقال العدوى إليهم وانتشارها، وأمام تزايد الاحتجاجات وإصرار المتظاهرين واتساع نطاق استعمال العنف ضد المحتجين غير المبرر في سوريا، لاذ الكثير بالصمت ولا يزال.

إذ تحت هذه اليافطة يمكن فهم مبررات سكوت النظام العربي مع وجود استثناءات بالطبع، وهو على النقيض مما جرى في الساحة الليبية التي سارع العديد من الأطراف العربية في لمح البصر، إلى احتضان المعارضة الليبية ودعمها، وتأمين غطاء شرعي لتدخل حلف الناتو العسكري دوليًا، بل إن البعض أصبح طرفًا مباشرًا في الحرب الأهلية الليبيةquot;، يقول المصدق.

يستطرد في السياق عينهقائلاً quot;إن الوضع سيزداد خطرًا في إطار تفاقم القمع والقتل والتشريد الذي بدأ يثير حفيظة بعض القوى والعشائر السورية ويدفعها إلى الاستجارة بالتدخل الأجنبي جريًا على قاعدة المستجير من الرمضاء بالنار، وهو ما يثير شهية الأطراف الخارجية، إقليمية كانت أو دولية ، لكي تستنفر قواها وأجندتها من أجل الدخول على الخط، والسعي إلى تحقيق غايات لا تخدم مطالب الشعب السوريquot;.

ويستنتج المصدق quot;أن القوى العربية الرسمية والمدنية مطالبة أكثر من أي وقت مضى احتواء الموقف والضغط على النظام السوري لفتح المجال أمام مرحلة انتقالية وبلورة مبادرة سياسية عربية جادة، تلملم فيها سوريا جروحها من خلالها، وتفتح الطريق أمام سائر قواها للدفع بمشروع وطني ديموقراطي يكفل للجميع حق الوجودquot;.

واقع عربي قابل للانفجار

يتأسف منسق عام البحوث والدراسات، وحدة علم الاجتماع والدارسات السياسية في جامعة السوربون، على غياب quot;صمامات أمان رسمية أو شعبية في البلدان العربية تمكن من احتواء أوضاع متفاقمة تنذر بالتطور في الاتجاه المعاكس، خاصة إذا كان الصراع مفتوحًا بين الدولة ومعارضيها، وذلك نظرًا إلى ضعف ثقافة الحوار السياسي والمجتمعي في العالم العربي، خاصة أن المجتمع المدني ومؤسساته التي يمكن أن تلعب دور السُلَّم أو الوسيط بين الدولة والمعارضة لامتصاص الاحتقانات والتوترات معطلة أو إن آلياتها ضعيفة ومخترقة فيغالبية البلدان العربيةquot;.

quot;والموجود منها إذا وجدquot;، يضيف المصدق، quot;يقع تحت رقابة الدولة أو من صنعها مباشرة، وهذا ينسحب أيضًا على المعارضة الرسمية التي تتحرك وفق دائرة معلومة، وخط أحمر لا يمكن أن تتجاوزه، مما يجعل عامة الناس ونخبهم لا يمارسون السياسة، ولا يحبون الخوض في الشأن العام، وعندما تقع توترات تحدث انفجارات... وهو ما يفسر أيضًا لجوء الشباب العربي إلى العمل خارج الحوانيت السياسية التقليدية والتحرك عبر مواقع الشبكة الاجتماعية، والبحث عن أشكال أخرى غير تقليدية في خوض غمار العمل السياسي والمدني، لأن الوسائل التقليدية لا تسعفهم في التعبير بشكل حر عن مواقفهم وتطلعاتهمquot;.

الجامعة العربية في مفترق الطرق

عن دور الجامعة العربية في كل هذا الواقع العربي، يوضح ضيفنا، quot;توجد الجامعة العربية في مفترق الطرق وفي ظل التحولات الجارية لا نعرف على وجه الدقة أين تتجه وأين تسير، نكتفي بالقول إن الانهيار السريع لبعض الأنظمة العربية، كما حدث في تونس ومصر، واهتزاز شرعية أنظمة أخرى في اليمن وسوريا، يعلن عن ولادة حالة جديدة في العالم العربي لا يمكن معرفة المسار الذي ستتجه نحوه، ثم هناك آثار وتداعيات مستقبلية ستحدث لاحقًا في العديد من الدول والمجتمعات العربيةquot;.

quot;يبقى أن الجامعة العربية تعكس وضعية وحال أصحابهاquot;، يفيد المصدق ،quot;وهي لا تخرج عن دائرة تأثير الحكومات العربية التي تقرر أن تبقيها في دائرة المراوحة والسكون وعديم الفعالية أو إطلاق مبادرات تجديدية وفعالة وإيجابية. فهي غير مستقلة عن النظام العربي وتتحرك سلبًا أم إيجابًا وفقًا لمواقفه إجمالاّquot;.

ويتابع هذا الباحث قائلاً: quot;لا يمكن في نظري اليوم أن تلعب أي دور فعال في درء ما تتعرض إليه شعوب عربية في سوريا واليمن وغيرها من قمع وتقتيل ومجازر.. أما في الأمد المتوسط، فيمكن المراهنة على إرادة الدول العربية في إصلاح الجامعة بالتدريج، وفتح المجال للدبلوماسية الشعبية لتساعد الدبلوماسية الرسمية.

غير أن ذلك مرتبط بالمسار الذي ستستقر عليه الأوضاع مستقبلاً في العديد من البلدان العربية: هل ستعرف البلدان التي نجحت فيها الثورة فترة انتقال ديموقراطي أم إنها في الأخير ستستبدل نظامًا استبداديًا بنظام استبدادي آخر، أو إنها ستعرف لا محالة حالة من العشوائية مفتوحة على كل الاحتمالات الانقلابية منها أو العنيفة؟quot;.

يخلص حسن المصدق إلى تساؤل مفاده quot;هل ستدخل ليبيا وسوريا واليمن حالة من التفكك والفوضى وحروب أهلية وصراعات دامية تؤجّجها من جهة quot;دول القلبquot; في quot;دول الثقبquot;، ومن جهة أخرى صراع القوى المتطاحنة؟، هل سنشهد quot;فوضى خلاقةquot; تمكن quot;دول القلبquot; من الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية (النفط، أمن إسرائيل)، والتحكم بـ quot;دول الثقبquot;، واستبدال أنظمة هذه الأخيرة بأنظمة قريبة منها، تكون تكلفة مساندتها منخفض بالقياس إلى التكلفة الحالية التي أصابت سمعة ومصداقية الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا لدى هذه الشعوب في الصميم؟quot;.

عبد الرؤوف درويش: الموقف الجزائري مخزٍ

قال عبد الرؤوف دوريش إن الموقف السعودي جاء متأخرًا، أي بعد 15 شهرًا، سقط خلالها العديد من القتلى، إلا أنه يعتقد quot;أنه سيكون له أثر لما للسعودية من وزن في المنطقةquot; آملاً أن quot;يتطور أكثر من ذلك، ولا يبقى منحصرًا في سحب السفير، وإنما قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع نظام الأسد وتضييق الخناق عليهquot;.

وعلق المعارض السوري، في حديث لإيلاف، على موقف الحكومات العربية من الانتفاضة السورية بـquot;المخجلquot; لأنه اكتفى بنداءات باردة، لم يكن ممكنًا أن تحرك في النظام السوري الشعرة الواحدة، بل كان من المفروض أن تكون quot;نداءات قوية تدعوه إلى وقف التقتيل وسحب الجيش من المدن...quot;.

وذكر في هذا السياق كل من الأردن ومصر، التي اعتبر موقفها أنه كان quot;متأخرًاquot;، كما وصف الموقف الجزائري quot;بالمخزيquot;، معتبرًا أن حكامها quot;لم يعطوا أي قيمة للدم الذي يسيل في سوريا...quot;.

ويتابع محدثنا في الاتجاه نفسهأنه quot;يتمنى أن ترقى المواقف العربية إلى المستوى المطلوب، ونتطلع إلى أن تتطور إلى مستوى أكثر لإشعار هذا النظام أنه معزول، والذي لم نره يوجّه هذه الآليات الحربية إلى الجولان لتحريره بدلاً منأن يحتل مدنًا سورية وينكّل بسكانها...quot;.

وفسّر هذا التخاذل العربي في دعم انتفاضة الشعب السوري quot;بغياب الديمقراطية في العالم العربي باستثناء الكويت إلى حد ما...quot;، زيادة إلى quot;الاحتقان الداخلي الذي تعيشه حكوماته وخوفها من انتقال العدوى نحوها...quot;، داعيًا العواصم العربية إلى quot;تحمّل مسئولياتها في هذه المرحلة...quot; تجاه الشعب السوري.

ويرى رئيس تجمع 15 آذار أن هناك هامشًا كبيرًا متاحًا للحكومات العربية لدعم الشعب السوري، وذلك من خلال quot;سحب السفراء، وبالتالي سيشعر النظام أنه وحيد ومعزول، ثم بعدها سحب الأرصدة من سوريا، وقطع العلاقات التجارية معها، كما يمكن التحرك جماعيًا لاستصدار قرارات أممية زجرية وحظر السفر على ممثلي النظام، وأخيرًا العمل على جرّ الأسد إلى المحكمة الدوليةquot;.

ويعتبر درويش انحياز المثقف العربي إلى الانتفاضة السورية quot;واجب، لأنه من المفروض عليه أن يدعم القضايا العادلة، كما صنع كبار المثقفين الفرنسيين، الذين ساندوا الثورة الجزائرية من قبيل سارتر، رغم أن موقف من هذا النوع كان بالإمكان أن يكلفه كثيرًا...quot;.

وأضاف quot;على الرغم من أن هذا الدعم كان متأخرًا...quot;، يرى المعارض السوري، أنه quot;يشكل خطوة إيجابية نرجو أن تتبعها خطوات أخرى إكثر إشراقًا...quot;، بحسب تعبير رئيس تجمع 15 آذار من أجل الديمقراطية في سوريا.