يؤكد خبراء وساسة تحدثوا لـإيلاف، أنّ آثار سقوط نظام العقيد الليبي معمّر القذافي ستكون خطرة على الجزائر، ونبّهوا إلى أنّ نجاح التجربة الديمقراطية في ليبيا، إضافة إلى شقيقتيها المصرية والتونسية، سيفرز ضغطًا ديمقراطيًا هائلاً على الجزائر، فضلاً عن اتخاذ الأخيرة كقبلة لمهرّبي الأسلحة.


إنهيار نظام معمّر القذافي سيلقي بتداعياته الخطرة على الجزائر

الجزائر: يقول الخبير السياسي هيثم ربان إنّ تأثير ما حصل في ليبيا سيكون عظيمًا على الجزائريين، لأن أول ما يمكن للجزائري البسيط أن يلحظه هو ذلك التنظيم الهائل والانضباط الرائع الذي تميّز به الثوار الليبيون قيادة وجنودًا، وباعتقاد رباني، فإنّ الجزائري البسيط غير المنضبط والراغب في التغيير سينتبه إلى هذا الأمر.

من ناحية ثانية، يبرز رباني أنّ أطنانًا من الأسلحة، بينها مضادات جوية، ستصل الى الجزائر عبر جهاتها الجنوبية الشرقية المحاذية لليبيا، ويربط محدثنا ذلك بالفوضى الموجودة على مستوى الشريط الحدودي حاليًا، خاصة من الجهة الليبية هذا من زاوية.

من منظور ثان، فإنّ ثوّار ليبيا الذين أصبحوا الآن سادة البلاد الجدد ndash; يضيف رباني - لا يكنّون حبًا كبيرًا للدولة الجزائرية، بسبب عدم وقوفها معهم quot;بحسب رأيهمquot;، وعليه فإنّه قد يلجأ هؤلاء إلى حركات انتقامية يدفعها الزخم الثوري، مدفوعين ربما بالرغبة في مساعدة من يتصورونهم quot;قادة التغييرquot; في الجزائر.

أما ثالثًا، يتصور رباني أنّه في حال نجاح التجربة الديمقراطية في ليبيا مضافًا إليها شقيقتاها المصرية والتونسية، فإنّ هذا سيؤدي الى ضغط ديمقراطي هائل في الجزائر، بسبب فشل النظرية القائلة إنّ ذهاب الزعيم أو القيادة الديكتاتورية، معناه نهاية الهدوء والسلم المدني، وهو ما لم يقع في ليبيا وتونس ومصر، حيث لم تندلع حرب أهلية على الإطلاق في تونس ومصر، ومن المرجّح أن لا تشذ ليبيا عن نمطي جارتيها.

وفيما اكتفى عميد السياسيين الجزائريين عبد الحميد مهري بالقول إنّ انتصار الشعب الليبي وثواره، يشكّل مقدمة لبناء نظام ديمقراطي سليم يوفر أسباب التنمية الاقتصادية والثقافية ويهيئ ليبيا الشقيقة للاضطلاع بدورها المهم في بناء وحدة أقطار المغرب العربي.

في المقابل، يشير أبو جرة سلطاني رئيس حركة مجتمع السلم الإسلامية (أحد أضلاع الائتلاف الحاكم في الجزائر)، إلى أنّ تداعيات الوضع الليبي ستنسج على منوال ما فعله الربيع العربي، وتكرّس قناعة لدى سلطات بلاده، كما الدول الأخرى، بأنّ أسلم طريق للإصلاح هو الإسراع به والعودة إلى الشعب وتلبية مطالبه قبل أن تسيل الدماء، فيرتفع سقف المطالب.

وإذ بارك سلطاني للشعب الليبي تحرير نفسه وطيّ صفحة الماضي، فإنّه يشدّد على أنّ تبعات زوال حكم العقيد، تؤكد مجددًا أنّ الوضع العربي لم يعد قابلاً للاستمرار بعقلية الحرب الباردة، ونظام الحزب الواحد والزعيم الملهم، وعلى الزعامات التاريخية أن تفهم بأنّ جيلها السياسي قد انتهى إلى غير رجعة.

يلاحظ سلطاني أنّه بعد الذي حصل في تونس و مصر وليبيا، آن الأوان لتبدأ مرحلة جديدة نحتاج معها إعادة قراءة المعادلات التقليدية التي كانت تحكم الأنظمة بشعوبها، على قواعد جديدة يفرضها منطق إرادة الشعوب، منها على وجه الخصوص:

1 - الاستماع إلى صوت الاحتجاجات فور بدايتها والمسارعة إلى الاستجابة لها بشمولية وجدية.

2 - المبادرة بالإصلاحات المأمولة، فالوقت لم يعد يجري في مصلحة الأنظمة التقليدية القائمة.

3 - طيّ ملف التهديد والقمع ولغة الخشب، فالقوة لم تعد حلاً.

4 - احترام إرادة الشعوب، فحقوق الإنسان صارت خطًا أحمر، وكل نظام يتجاوزه يعرض نفسه للتفكيك إذا تعرّى أمام الرأي العام.

5 - ثورة الاتصال أسقطت حواجز الخوف، ولم تعد وسائل الإعلام الرسمية قادرة على مغالطة الشعوب وتزيين وجه الفساد والاستبداد.

الهاجس الأمني

القذافي ولّى وليبيا حرّة

يشير الخبير الأمني إلياس بوكراع إلى أنّ ما يحدث في ليبيا ينذر بزلزال أمني بالنسبة إلى الجزائر، احتكامًا لجملة من الاعتبارات الجيوسياسية والأمنية ذات الصلة، تتعلق بهواجس لها صلة بمستقبل قبائل الطوارق، شبح الأفريكوم، وامتدادات القاعدة، وهي محاذير غير مفصولة عن العمق الاستراتيجي والأمن الداخلي للجزائر.

وفيما أحجمت الرئاسة الجزائرية، كما وزارتها للخارجية، عن إصدار أي تعليق بشأن ما يحدث في ليبيا، يشير مراقبون إلى أنّ خلع الزعيم الثالث في منطقة شمال إفريقيا، يهدّد أمن الجزائر القومي في الصميم، خصوصًا مع اتساع حركة التسلح على الحدود، وتزايد نشاط ما يسمّى بـquot;قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلاميquot;، وما تردّد عن تسريب اتصالات هاتفية بين ما يسمى بـquot;قيادات في القاعدةquot; وأفراد ليبيين.

ويخشى الجانب الجزائري من تعفين تغذّيه أطراف غربية وإقليمية، وما يمكن أن ينشأ عن تأسيس قبائل الطوارق لدولة في عمق الصحراء الليبية، إلى جانب إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية أميركية تحت غطاء مكافحة الإرهاب.

يشكّل وجود حقول النفط على أطراف الصحراء الكبرى عاملاً إضافيًا يفرض على صنّاع القرار في الجزائر حراكًا أكبر، لأنّ تحوّل حدودها مع ليبيا إلى معترك أمني مهزوز، سيلقي بظلاله غير المأمونة على الشريان النابض للاقتصاد الجزائري، الذي يقوم بـ98% على ما تدرّه المحروقات.

ويشير محللون إلى أنّ التخوف الجزائري الأكبر يتصل برغبة واشنطن لتجسيد مشروعها القديم المسمّى quot;قيادة القوات الأميركية في إفريقياquot; (الأفريكوم)، والمقصود هنا هي القواعد الأميركية الجديدة التي تنوي الإدارة الأميركية إنشاءها في القارة الإفريقية في إطار ما تسمّيه quot;الحرب على الإرهابquot;، ضمن مشروع يستهدف 53 دولة إفريقية، وهو ما يصطدم برفض تام تبديه الجزائر.