بعد التزامها الحياد بشأن النزاع الليبي واتهامها من قبل الثوار بدعم معمر القذافي، تجد الجزائر نفسها في وضع اكثر إحراجا تجاه المجلس الوطني الانتقالي مع دخول أفراد من عائلة الزعيم الليبي الى أراضيها لأسباب عللتها بأنها محض انسانية. وللوهلة الأولى، اعتبر قرارها انتهاكاً للقرار الأممي الذي يحظّر سفرهم.

الجزائر في وضعٍ حرج بعد إيوائها أفراداً من عائلة القذافي

أشرف أبو جلالة، أ.ف.ب.:بين الأصداء الواسعة والمتفاوتة التي حظي بها القرار الذي وافقت بموجبه الحكومة الجزائرية على استقبال زوجة العقيد الليبي معمر القذافي وثلاثة من أبنائه، قالت مجلة فورين بوليسي الأميركية إن القرار يبدو للوهلة الأولى انتهاكاً واضحاً لأحد القرارات الأممية التي تحظر سفر الزعيم الليبي والمسؤولين المقربين منه.

ومن الجدير ذكره أن مجلس الأمن اعتمد في الـ 24 من حزيران/ يونيو الماضي مشروع قرار يفرض حظراً على السفر وتجميد الأصول على الزعيم الليبي وأقربائه والمساعدين القريبين منه. وقالت المجلة إن زوجة معمر القذافي، صفية، وابنته، عائشة، وابنيه، هنيبعل ومحمد، الذين لاذوا بالفرار جميعاً من ليبيا إلى الجزائر يوم الاثنين الماضي، مدرجون في قائمة الأشخاص الممنوعين من السفر خارج البلاد.

وينص القرار رقم 1970 أن تتخذ جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التدابير والإجراءات اللازمة لمنع الأفراد الواردة أسماؤهم في قائمة الممنوعين من السفر من دخول أو عبور أراضيهم. بيد أن المجلة أشارت إلى وجود ثغرة كبرى بهذا القرار تمنح الجزائريين غطاءً قانونياً واسعاً لإخراج أسرة القذافي من البلاد سعياً لتحقيق السلام.

ووفقاً للقرار، فإنه يمكن التحايل على حظر السفر في حالة إن أقرت إحدى الدول على أساس كل حالة على حدة أن مثل هذا الدخول أو المرور عبر أراضيها يعتبر أمراً ضرورياً لدفع عملية السلام والاستقرار في ليبيا. وبموجب شروط الإعفاء، سوف يُطلَب من الجزائر أن تُخطِر لجنة الأمم المتحدة المسؤولة عن فرض العقوبات على ليبيا في غضون 48 ساعة من اتخاذها القرار. لكن الجدال الدائر حول تلك المسألة قد يمتد إلى حد القول إن قبول دخول أقرباء القذافي الهاربين يساهم في تقدم عملية السلام في الجماهيرية الليبية. لكن فورين بوليسي أكدت أن خطوة كهذه قد تساهم في إحداث تدهور كبير في العلاقات بين قادة المعارضة الليبية والجزائر.

واعتبر الاخصائي في شؤون المغرب العربي المعاصر بيار فرمرين ان الاعلان عن وصول ثلاثة من اولاد القذافي، عائشة التي أنجبت طفلة الثلاثاء على الاراضي الجزائرية، ومحمد وهنبيعل، وكذلك صفية الزوجة الثانية للقذافي، quot;لن يذلل الصعابquot;.

وقال quot;الان وقد اصبح جزء من عائلته هناك، فان فرضية لجوء القذافي الى الجزائر اصبحت قابلة للتصديقquot;، لينضم بذلك الى المجلس الوطني الانتقالي الذي لم يتوقف عن اتهام الجزائر بانها مؤيدة للقذافي. ويعتبر المجلس الانتقالي ان تصرف الجزائر في الاشهر الاخيرة تجاه ليبيا شبيه بquot;عمل عدوانيquot;.

وقال المتحدث باسم المجلس الانتقالي في لندن جمعة القماطي الثلاثاء ان تصرف الحكومة الجزائرية quot;متهور جداquot;، مكررا اتهامات نفتها الجزائر بشدة مرات عدة، وايضا واشنطن وباريس، بإرسال مرتزقة لدعم القذافي في مواجهة الثوار.

ومن طرابلس قال نائب رئيس المكتب التنفيذي في المجلس الوطني الانتقالي علي ترهوني مساء الثلاثاء quot;نأمل ان تتعاون الحكومة الجزائرية معنا لتوقيف هذه العائلة الفاسدة التي قمعت الشعب الليبي وسرقت ثرواته طيلة 42 عاماquot;.

وذكر بيار فرمرين من جهته بانه quot;في اذار/مارس عندما حاول القذافي سحق التمرد فتحت تونس حدودها فيما اغلقت الجزائر حدودهاquot;. واضاف quot;ندرك اذن تماما ان مع سقوط القذافي يجد (القادة الجزائريون) انفسهم في وضع مربك للغايةquot;.

ومن جهتها، دافعت وزارة الخارجية الجزائرية عن قرارها هذا على أسُس إنسانية، في تلميح آخر إلى الإستراتيجية التي تنتهجها الجزائر لتجنب الدخول في معركة مع مجلس الأمن المكون من 15 دولة. وهناك في واقع الأمر مجموعة من الإعفاءات التي تجيز لأي دولة من الدول استقبال فرد مدرج اسمه في قائمة الأشخاص الممنوعين من السفر، بما في ذلك تلك التي تتم استناداً إلى أسباب إنسانية أو دينية.

والجزائر هي البلد الوحيد في افريقيا الشمالية الذي لم يعترف بالمجلس الوطني الانتقالي. وفي هذا الصدد لفت ديدييه لوسوت الخبير في شؤون المغرب العربي والذي يدرس في جامعة باريس الثامنة الى quot;ان الجزائر اتخذت في موضوع ليبيا موقفا متخلفا عن كافة الدول المجاورةquot;.

وقال قادر عبدالرحيم البروفسور في جامعة كاليفورنيا ان الجزائر تتخوف quot;من البعد الاسلامي الحاضر جدا والهام جداquot; داخل المجلس الوطني الانتقالي. لكن العديد من الخبراء يذكرون بان علاقات الجزائر مع القذافي لم تكن طيبة على الاطلاق اذ ان السلطات الجزائرية تتهم الزعيم الليبي بانه يريد فرض هيمنته على الطوارق في المنطقة، وبانه زود الاسلاميين الجزائريين بالاسلحة اثناء الحرب الاهلية.

الى ذلك تحذر الجزائر التي صدمت بسقوط مئتي الف قتيل في هذه الحرب، منذ اشهر من الخطر الارهابي في ليبيا التي تتقاسم معها اكثر من الف كيلومتر من الحدود المشتركة في قلب منطقة الساحل. كما نددت مرات عدة بنقل اسلحة ليبية الى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي (الذي انشأه اسلاميون مسلحون جزائريون) الناشط في منطقة الساحل.

وخلال شهر رمضان في اب/أغسطس شهدت الجزائر تصعيدا للاعتداءات، بينها الهجوم الانتحاري المزدوج الاكثر دموية الذي استهدف الجمعة الماضي الاكاديمية العسكرية في شرشال ما اوقع 18 قتيلا، 16 ضابطا -بينهم ثلاثة اجانب اثنان منهم سوريان- ومدنيان اثنان.

وقد اعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي مسؤوليته عن الاعتداء مؤكدا ان quot;المجاهدين في الجزائر يواصلون هجماتهم المباركة على أركان النظام المجرم الحليف للقذافيquot;.

لكن quot;المجلس الانتقالي لديه مصلحة في رأب الصدع مع الجزائريين لاستقرار الوضع في منطقة الساحل ومطاردة جميع هؤلاء المسلحينquot; كما قال فرمرين مشيرا الى انهم quot;مرغمون على التفاهم والا فإن الوضع الامني قد يتدهور في كل المنطقةquot;.

ودعا عبد الحميد مهري الامين العام السابق لجبهة التحرير الوطني الجزائر الى quot;توضيح موقفهاquot; تجاه ليبيا، مضيفا انها اخطأت حتى الان quot;لانها لم تكن واضحة بشكل كاف لتحضير المستقبلquot;.

وقال ان الانتفاضات في البلدان العربية المجاورة حملت على الارجح السلطة الجزائرية الى توخي هذا quot;الحذرquot;. غير ان الجزائر لم تبق