ستضطر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس إلى معاقبة عدد من الأحزاب التي رفضت الالتزام بقرار تحجير الإشهار السياسي. يأتي ذلك بعد أن سجلت الهيئة عددا من التجاوزات التي قد تصل عقوبتها إلى السجن والغرامات. فيما أعلن نشطاء على الشبكة أن (الطلاء الأسود) سيكون مصير المعلقات الاشهارية المخالفة.


مجموعة من النشطاء التونسيين الشباب يحتجون على تواصل الاشهار السياسي بطريقتهم الخاصّة

تونس: أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أنه ستتم معاقبة كل من لا يمتثل لقرار منع الإشهار السياسي بالسجن لمدة خمسة عشرة يوما وبخطية مالية (غرامة) إضافة إلى تسليط عقوبات إدارية على كل من يخالف المقتضيات المتعلقة بتحجير الإشهار السياسي استنادا للفصل 315 من المجلة الجزائية.

ويتأتى هذا التصعيد من طرف الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات بعد استمرار رفض عدد من الأحزاب الامتثال لقرار منع الإشهار السياسي وتسجيل عديد التجاوزات لقرارها المؤرخ في 3 سبتمبر/ أيلول 2011 والقاضي بمنع الإشهار السياسي بداية من يوم 12 من الشهر الجاري.

وتمثلت هذه التجاوزات استنادا لبيان صادر عن الهيئة في تمرير ومضات إشهارية سياسية عبر وسائل الإعلام السمعية ،البصرية والمكتوبة وتركيز معلقات إعلانية في الفضاءات العمومية والطرقات ووسائل النقل.

وعبر في وقت سابق عدد من الأحزاب من بينها الحزب الديمقراطي التقدمي والاتحاد الوطني الحر منذ إعلان الهيئة المستقلة للانتخابات تحجير الإشهار السياسي عن نيتهم مواصلة حملاتهم الدعائية واعتبروا التحجير quot;قرارا خاطئا ومتعسفاquot;.

وخلال لقاء مع (إيلاف)، قال منجي اللوز عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي ومدير الحملة الانتخابية للحزب: quot; نحن لن نلتزم بطبيعة الحال بهذا القرار المثير للاستغراب وسنواصل حملتنا الإعلانية لا سيما انه صادر عن الهيئة المستقلة للانتخابات في مرحلة حساسة من سير الفاعلين السياسيين نحو انتخابات مجلس تأسيسي وكان من المفترض أن تكون في وضع الحياد ومدافعة عن حرية الأحزاب في الإشهار لبرامجها وحق الناخبين في التعرف على الأحزاب إضافة إلى أن القرار ينبثق من فلسفة شعبوية أو ما يسمى بالمساواة بين الأحزاب ونحن نؤمن بتكافؤ الفرص أما المساواة ليست موجودة ولن توجدquot;.

إلى ذلك، اعتبر الاتحاد الوطني الحر ان قرار تحجير الإشهار هو قرار إداري غير شرعي لا يلزمه شانه شان العقوبات المترتبة على مخالفته.
وأكد حسن محسن الناطق الرسمي للحزب quot; المستهدف الأول بهذا القرار هو الاتحاد الوطني الحر لأنه يحقق نجاحا بسرعة قياسية وأصبح يخيف الأحزاب الكبرى التي هرولت للهيئة لإصدار قرار تحجير الإشهار السياسي وان حزبه رفع قضية ضد الهيئة المستقلة quot;.

ويثير حزب الاتحاد الوطني الحر منذ نشأته بُعيد ثورة 14 جانفي / كانون الثاني عديد التساؤلات المتعلقة بالأموال الضخمة التي يضخها للإشهار والتعريف بالحزب حيث يعتبر من أكثر الأحزاب اعتمادا للدعاية السياسية في تونس.

منية العابد المكلفة بالشؤون القانونية صلب الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات أكدت لـ(إيلاف) أنّquot; قرار منع الإشهار السياسي يدخل في إطار المساواة بين الأحزاب والمرشحين في مرحلة حساسة وهذا القرار كان استجابة لطلب عديد الأحزاب وتشكيها من الاتجار بالسياسة ونحن لم نمنع أن تكون هناك حوارات أو اجتماعات عامة للأحزاب للتعريف ببرامجها ومرشحيها وما منعناه هو الإشهار السياسي الذي يتصل مباشرة بالمال السياسيquot;.

ومن جانبه يقول سمير بالطيب عضو المكتب السياسي لحركة التجديد وممثلها في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة لـ(إيلاف):quot; الأحزاب الآن على أبواب سلطة، وتقول إنها غير مستعدة لتطبيق هذا القرار ويبدو أن الهيئة فضلت التدخل في البداية بوسائل إقناع ولكن هذا لم يجدي نفعا وبالتالي على الهيئة أن تستعمل كافة صلاحياتها والتشبث بهذا الجدل يبعدنا عن المشاكل الحقيقية التي تواجهنا من انفلات امني وإعلامي وغيره من اختلاط الحابل بالنابل كظهور حزب نكرة لا يعرفه احد ويستغل الأموال الطائلة التي بحوزة صاحبه للإشهار ونحن في حركة التجديد ليس لدينا أي اعتراض على قرارات الهيئة ومن يرى انه قرار جائر ما عليه إلا الامتثال له ثم التوجه للقضاء للبت في الأمر، فكيف تطالب هذه الأحزاب المواطن العادي باحترام القانون فيما تقوم هي بتجاوزه ولو كان متعارضا مع مصالحها يجب احترامه ومن خلاله الهيئة التي أقرته quot;.

quot;المال السياسيquot;... خطر يهدّد ديمقراطية تونس الوليدة

محمد بن رجب من تونس

ونددت حركة النهضة في بيان لها اطلعت عليه (إيلاف) تحت عنوان quot;لا لقانون الغابquot; بعدم الالتزام بقرار تحجير الإشهار السياسي قائلة quot;أمام تعمّد بعض الأحزاب ووسائل الإعلام رفض تنفيذ القرار وإصرارها على الدعاية في سابقة خطيرة تمس من صلاحيات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فإنّ حركة النهضة إذ تؤكد التزامها باحترام قرار الهيئة وتعلن إدانتها لتعمد تجاهل قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وضع حد للإشهار السياسي بما يهدد بالمساس بالوفاق الوطني وتخريب عملية الانتقال الديمقراطي و تؤكد خشيتها من أن يكون رفض تنفيذ قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مؤشرا على نية البعض وضع أنفسهم فوق القانون وفرض وصايتهم على البلاد والمجتمع وإعادة إنتاج الاستبداد والفسادquot;.

إلى ذلك وصف المنصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر من اجل الجمهورية في وقت سابق الأحزاب التي ترتكز على الإشهار السياسي للترويج لبرامجها ومرشحيها بشركات سياسية تسوّق برامجها كما تسوّق العطور وعلب الياغورت فيquot; رسالة مفتوحة لقيادات النهضة والتكتل و التقدميquot; وقال quot; ما أقبح صرف الأموال الطائلة في الظرف الاقتصادي الصعب الذي يمر به وطننا ومواطنينا وتبذيرها في عمليات إشهارية مبنية على تقنيات التأثير الخفي وحتى الخداع... كأن الأحزاب أصبحت شركات سياسية تسوّق برامجها كما تسوّق العطور وعلب الياغورتquot;.

وعرفت الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات الإشهار السياسي بكونه يتمثل فيquot; استعمال حزب أو قائمة مرشحة مختلف وسائل الإعلام، عمومية كانت أو خاصة، أو الوسائط الإشهارية ،سواء بمقابل ماديّ أو مجّانا، قصد تقديم مرشحين وبرامجهم الانتخابية للعمومquot;.

كما تعتبر دعاية سياسية أو إشهارا سياسيا مقنعا quot;كل تمرير مترشح أو قائمة مترشحة للعموم مرتين بصورة متواترة في اليوم الواحد ضمن البرامج الحوارية أو ضمن مختلف البرامج والمساحات المخصصة لمتابعة أنشطة الأحزاب والمترشحين الحقيقيين أو المفترضينrdquo;وكذلك ldquo;التسويق لبرامجهم الانتخابية quot;.

الأهلية القانونية؟

ومنذ إعلان الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات في 3 سبتمبر الماضي تحجير الإشهار السياسي اندلع جدل يتعلق بالموجب القانوني الذي استندت عليه الهيئة لسن هذا القرار حيث اعتبرت الأحزاب التي رفضت الانصياع له أن الهيئة تجاوزت صلاحياتها وخالفت القانون.

وفي تصريح لـ(إيلاف) أكدت منية العابد المكلفة بالشؤون القانونية صلب الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات quot;النسبة للسند القانوني هو سند واضح وثابت وليس فيه أي لبس وهذا ما يثبته الفصل 35 من المرسوم الذي احدث هيئة الإشراف على الانتخابات حيث انه تم إسناد الهيئة الولاية العامة بكل ما يتعلق بالعملية الانتخابية من يوم انطلاق تسجيل الناخبين إلى يوم الإعلان النهائي عن النتائج وبالتالي المرحلة التي تسبق الحملة الانتخابية من اختصاص الهيئة وهي سلطة ترتيبية وليست تشريعية كما يقال في وسائل الإعلام باعتبار أننا هيئة عمومية ولدينا الشخصية المعنوية للقيام بالإجراءات الترتيبية المتعلقة بالأمر الانتخابي quot;.

ويقول منجي اللوز القيادي في الديمقراطي التقدمي الرافض لقرار منع الإشهار السياسي لـ(إيلاف) quot;هذا القرار خارج عن صلاحيات الهيئة المستقلة للانتخابات باعتبار بمقتضى المرسوم المنشأ لها وتحديدا الفصل 4 الذي يحدد صلاحيات الهيئة بالتدخل في مثل هذه المسائل بداية من 1 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل أي قبل 22 يوم من الانتخابات ونحن في مرحلة سياسية وليست انتخابية ولذا فالهيئة لا تمتلك الموجب القانوني وليس أمامها إلا القضاء لاستصدار أحكام منع الإشهار السياسيquot;.

....الطلاء الأسود يطارد الأحزاب المُصرّة على مواصلة الإشهار السياسيّ
ولمزيد توضيح الجانب القانوني المتعلق بإصدار الهيئة قانون يمنع الإشهار السياسي اتصلت (إيلاف) بقيس سعيد المختص في القانون الدستوري والأستاذ في الجامعة التونسية والذي قال موضحا quot;من الناحية القانونية الخالصة لا تملك الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات الموجب القانوني لإصدار قرار يمنع الإشهار السياسي وصلاحيتها متصلة بالحملة الانتخابية التي تنطلق قبل 22 يوما من الانتخابات وكان من المفترض أن يصدر مرسوم من رئيس الجمهورية المؤقت لتنظيم هذا الإشهار بنص قانوني في نطاق الاختصاصات الموكلة إليه بمقتضى مرسوم تنظيم السلط العمومية تنظيما مؤقتا أما أن يصدر عن الهيئة فهذا قابل للنقاشquot;.

ويتابع الخبير القانوني قائلا quot;لا يمكن ربط الحملة الانتخابية بالإشهار السياسي الذي لا يكون ضرورة متعلقا بموعد انتخابي محدد، فهو يتجاوز الدعاية الانتخابية لأنه يمكن أن يقوم به حزب دون المشاركة في الانتخابات أو حتى بعد الانتخابات وبالنسبة للهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات تتمثل مهمتها في عدد من المسائل التي حدد المرسوم المحدث لها على وجه التحديد بداية من الإعداد للانتخابات وصولا إلى الإعلان النهائي على نتائجها بما في ذالك تنظيم الحملة الانتخابية وترتيبا على هذا فالإشهار السياسي لا يدخل في مساحة عملها quot;.

ويشير سعيد في حديثه لـ(إيلاف) إلى انه كان من المفترض أن تنأى الأحزاب السياسية بنفسها عن مثل هذا الإشهار حتى تنطلق على قدم المساواة مع بقية القائمات الحزبية والمستقلة وان لا يتم الإشهار للبرامج السياسية كما تتم الدعاية للبضائع التجارية.

إلى ذلك يعتبر سمير بالطيب القيادي في حركة التجديد من خلال تصريحاته لـ(إيلاف)quot; أن الهيئة لديها ولاية عامة في كل ما يتعلق بالانتخابات وهي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة كما أنها تمثل سلطة إدارية مستقلة، وبالتالي لديها سلطة ترتيبية عامة وبإمكانها اتخاذ القرارات والتراتيب في مجال تخصصها وكل قراراتها تكتسي صبغة تنفيذية وإلزامية، المرسوم الذي انشأ الهيئة المستقلة للانتخابات يقول إن السلط المختصة من امن وإدارات عمومية تسعى لتطبيق قرارات الهيئة المتعلقة للانتخابات والأحزاب التي تتذرع بكون صلاحيات الهيئة تبدأ مع الحملة الانتخابية وليس يوم 12 سبتمبر مخطئة لان الهيئة تنطلق في اتخاذ ما تراه صالحا من قرارات لضمان انتخابات نزيهة من يوم تسلمها قائمات المترشحينquot;.

واحتج عدد من النشطاء اثر مواصلة بعض الأحزاب حملاتها الدعائية ومخالفتها قرار الهيئة المستقلة للإشراف على للانتخابات أمام احد اكبر المؤسسات الاشهارية في تونس مطالبين المؤسسات الإعلانية والأحزاب بالامتثال لقرار الهيئة ووقف حملاتها الدعائية كما دعا آخرون إلى دهن المعلقات الاشهارية المنتشرة في الفضاءات العمومية لهذه الأحزاب باللون الأسود.

وفي استفتاء أطلق على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك بخصوص الامتناع عن الالتزام بقرار منع الإشهار السياسي أكد 79% من المشاركين أنهم سيعاقبون هذه الأحزاب بعدم التصويت لها فيما يرى 9% أن قرار منع الإشهار السياسي قرار تعسفي .

وبلغ العدد الإجمالي للمترشحين لانتخابات المجلس التأسيسي المقرر إجراؤها في 23 أكتوبر / تشرين الأول قرابة العشرة آلاف مرشح. وسيضم المجلس الوطني التأسيسي 218 مقعدا من بينها 19 مخصصة لتمثيل التونسيين المقيمين في الخارج.