رغم أنّ غالبية المواطنين في تونس لم يحسموا أمرهم بعد في ما يتعلق بالحزب الذي سينال ثقتهم، فإنّ تصريحات عدد من المرشحين لانتخابات المجلس التأسيسي لـ(إيلاف) تفيد بأنّ معظم الأحزاب اختارت الوسطية في التعاطي مع الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي خلف تشابها كبيرا في البرامج.


تتسابق الأحزاب في تونس في الآونة الأخيرة لعرض برامجها امام المواطنين، لكن متابعين يرون أن تلك البرامج لن تكون محدّدا في قرار الناخبين لأنّ التصويت للمجلس التأسيسي يختلف عن مثيليه في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية.

تونس: انتخابات المجلس التأسيسي في تونس على الأبواب، والحملة الانتخابية تنطلق خلال أسبوع، وحمّى المشاريع والبرامج والاجتماعات والمؤتمرات انطلقت فعلا والتنافس الخفيّ والمعلن بين مختلف الأحزاب السياسية على أشدّه.

أحزاب توقفت عن الإشهار السياسيّ و مرشحون يرسلون معلقات مع أبنائهم إلى المدارس لتوزيعها على المدرسين وآخرون يكلفون بعض الشباب والفتيات بتوزيع مشاريعهم على الناخبين في منازلهم بغية استمالتهم وحراك سياسي لا يتوقف.

في خضمّ هذا الحراك يبرز التنافس الشديد بين الأحزاب السياسية في شكل مشاريع سياسية واقتصادية و اجتماعية و تربوية وندوات صحافية يبرز فيها quot;القادة quot; رؤاهم لمستقبل تونس.

برامج متنوعة

مصباح شنيب (عضو الديوان السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي ورئيس قائمته للمجلس التأسيسي) يتحدث لـquot;إيلافquot; عن برنامج حزبه قائلا: quot;نحن نركز على التنمية الجهوية وإيكالها إلى مجالس التنمية المحلية والجهوية المنتخبة ولها استقلالية القرار والتخطيط والتنفيذ، وهذا مبدأ أساسي في برنامج الحزب إلى جانب الرفع من الطاقة التشغيلية للشباب بإحداث مشاريع تنموية كبرى في الطرقات السيارة والسكك الحديدية والسكن والجسور، مشاريع كبرى من شأنها أن تستوعب اليد العاملة و تحدث فعلا الترفيع المبرمج في فرص العمل مع إعادة النظر في التقسيم الترابي و الإداري للبلاد ويعاد النظر في المنظومة الإدارية.

أما في القطاع الاقتصادي فنحن مع اقتصاد السوق الموجه ومع تكفل الدولة بالقطاعات الإستراتيجية كالتعليم والصحة والنقل التي تبقى تحت إشرافها والتكفل بكل النفقات الصحية لذوي الدخل المحدود والفئات المحرومة وبالتالي إعادة النظر في الجوانب الاجتماعية وخاصة القطاع الصحي تماما كالقطاع التربوي الذي نعتبره استراتيجيا وبالتالي لا بد من التشاور مع كل مكونات المجتمع المدني لإعادة النظر في المنظومة التربويةquot;.

من جانبه، أكّد محمد صالح الصغير ( رئيس قائمة لحزب النهضة ) لـquot;إيلافquot; أنّ quot;لبرنامج حزبنا أهدافا عديدة من بينها الاعتماد على منوال اقتصادي يجمع بين القطاع العام والقطاع الخاص وقطاع التضامن الاجتماعي التنموي و للدولة مكانة وهي المنسق بين الأطراف الثلاثة لأن المنوال السابق عجز عن تحقيق التنمية الاقتصادية ما فاقم من البطالة كما أنّ السياسة التربوية تعتبر فاشلة فليس هناك ملاءمة بين التعليم والتكوين ومتطلبات التشغيل كما أن هناك حوكمة غير رشيدة فرطت في قطاعات عامة وهو ما رفع في نسبة البطالة.

أما على المستوى السياسي فنحن نتبنى النظام البرلماني اعتبارا أننا ضقنا ذرعا بالنظام الرئاسي وتغوله وملكيته للسلطة كاملة بين يديه وبالتالي لا بد من الفصل الفعلي بين المؤسسات حيث تكون الحكومة مسؤولة أمام البرلمان والبرلمان يراقب الحكومة والكل يراقب الكل، وعلى مستوى الإصلاح الجبائي فكرنا في الطبقة الوسطى ومنح امتيازات لحاملي الشهائد العليا والسعي لجلب مؤسسات النمو و لنا علاقات نريد أن نوسعها مع كل الأقطاب العالمية وعدم الاقتصار على جانب دون آخر أما السياحة فهي مصدر رزق لمئات الآلاف من التونسيين وبالتالي فكرنا في تطويرها خاصة في جهة الجنوب على مستوى السياحة الصحراوية والسياحة الثقافية ونحن لن نفرض على السياح تقاليدنا بل للسائح عاداته وتقاليده كما نطمح إلى توفير 590 ألف موطن شغل للعاطلين عن العمل في السنوات الخمس القادمة وستكون لنا علاقات جدية ومتوازنة مع فرنسا وأميركا والخليج وتركيا والدول الصاعدة كالصين والبرازيل والمغرب العربي طبعاquot;.

علي الخزراوي ( رئيس لقائمة حزب التكتل من أجل العمل والحريات ) فأشار إلى أنّ quot; لهم برنامجا تنمويا شاملا يهتم خاصة بالشباب العاطل عن العمل ويتضمن البرنامج 100 نقطة شملت كل القطاعات الحيوية القادرة على الرفع من قيمة اقتصاد البلاد وتوفير فرص عمل لتشغيل العاطلين وخاصة منهم أصحاب الشهائد العليا وبالتالي فتركيز برنامجنا جاء في اتجاه دفع التشغيل خاصة في المناطق المحرومة من ذلك توفير 100 ألف موطن شغل خلال السنتين القادمتين 2011 و 2012 من خلال إقرار أمن الأحياء وهو ما يمكن من تشغيل آلاف العاطلين عن العمل أما على مستوى الصحة فسنعمل على إعادة هيكلة وزارة الصحة لتصبح تضم الحيطة الاجتماعية لتصبح وزارة الصحة والحيطة الاجتماعية وهو ما يقرب الخدمات ولا يشتت الجهود كما سيتم إعادة تقسيم ترابي للبلاد أي سنركز على الأقاليم التي لها الخصوصيات نفسها وليس على الولايات خدمة للتكامل بين الجهات ويصبح لها برلمان إقليمي يسطّر برامجها ويعمل على تنفيذها في إطار اللامركزية وذلك لتوفير العدد الأكبر من مواطن الشغل.

وعلى المستوى التربوي سيتم إصلاح المنظومة التربوية في إطار شامل مع إشراك جميع مكونات المجتمع المدني.quot;

الفوارق الطبقية

من ناحيته كان للحبيب ثابت ( مدير إدارة مركزية في وزارة الشؤون الاجتماعية ) رأي مختلف عن برامج الأحزاب حيث عبّر لـquot;إيلافquot; عن ذلك بالقول :quot; بلادنا تعاني أزمة أخلاق وبالتالي فالمشكل ليس اقتصاديا ففي بلدان العالم الثالث كل عنصر يسير ضد الطبيعة مآله الفشل والفوضى، والطبيعة ترى أنه لا بد من الطبقات التي تتركب من فقير وغني ولا بد من مصنّع ومستهلك لكننا لا نرضى أن يكون الفقير فقرا مدقعا وبالتالي لا بد له من العيش الكريم أي مشاركا ومنتجا وليس سلبيا يقتصر دوره على الاستهلاك، ولا يمكنه حقيقة أن يأخذ دور الغني أي أن الصناعي يبقى مصنّعا وفي تونس يمكن أن تغرق أحيانا ولكن قد تتعدل أحيانا أخرى، أزمتنا أخلاقية بالأساس أي علينا أن نقتسم ما عندنا بالعدل بين الجميع، والتونسي لا يثور على الفقر بل يثور على القهر والبلدان الضعيفة أو النامية لا تقدر على تحمّل الفوارق الطبقية وبالتالي فالتونسي لا يريد غير العدل وكل نظام سياسي يسعى إلى توسيع هذه الفوارق هو بطبيعته آيل إلى السقوطquot;.

المحلل الاقتصادي والسياسي نوفل الزيادي وفي حديث لـquot;إيلافquot;، دعا إلى ضرورة إيجاد الحلول الجدية والواقعية بقطع النظر عن الانتماءات العقائدية والدينية والجهوية وفي المجال التربوي علينا أن نتعامل مع الشباب والطلبة والتلاميذ بعقلية منفتحة فيها الانتماء الوطني والقومي والأممي، والمواطنة الأممية ضرورة ملحة فنحن أممويون ومفعمون بالعزة الوطنية بعيدا عن النزعات الجهوية والفئوية.

تشابه في البرامج

الصحافية جنات بن عبدالله (رئيسة قسم في جريدة quot;المحررquot; اليومية) تعمقت في تشريح برامج الأحزاب حيث رأت أنّ :quot; أغلب الأحزاب السياسية تتجه إلى التيار الوسطي وبالتالي فهذا التيار يفرض عليها رؤية اقتصادية واجتماعية معينة جعلت أغلبها تتبنى الخطوط العريضة نفسها للبرامج الاقتصادية والاجتماعية بمعنى أنها تدعو إلى دور كبير للدولة باعتبارها الأقدر على إيلاء الجانب الاجتماعي الاهتمام الأكبر وتوفير اعتمادات مهمة في الميزانية وهنا نلاحظ شبه اتفاق بين الأحزاب الوسطية.

بن عبدالله قالت في حديثها مع quot;إيلافquot;حول رؤية الأحزاب للجانب الاقتصادي والاعتماد على اقتصاد السوق :quot; هذه الأحزاب تقرّ كذلك باعتماد المنهج الليبرالي أي نظام اقتصاد السوق مع دور أكبر للدولة وتبقى التفاصيل في مستوى خلق مواطن الشغل وآليات التنفيذ التي تختلف من حزب إلى آخر وهذا تتوقف عليه مسألة التمويل بمعنى أن كل برنامج اقتصادي هو قابل للتنفيذ متى وجد التمويل اللازم، وكل برنامج اقتصادي مآله الفشل إذا لم تتوفر له الإعتمادات اللازمة واغلب الأطروحات تعتمد على الموارد الذاتية وتقليص التوجه إلى الخارج من منظور التداين الخارجي ليس بمنظور جلب الاستثمارات الأجنبية باعتبار الاعتماد على ميزات تفاضلية وعامل الاستقرار، وكل الأحزاب كانت واقعية في طرحها.

وبالنسبة للمدى القصير يبقى الاعتماد على الاستثمار الأجنبي صعبا جداquot;.
أما عن صندوق التعويض فرأت جنات بن عبدالله أنّ أغلب الأحزاب تجنبت الحديث عن صندوق الدعم و على القدرة الشرائية اعتبارا أنه من أعقد الملفات وأكثرها حساسية ويبقى حلقة مركزية في السلم والاستقرار الاجتماعيين.

وتشير الإعلامية جنات بن عبدالله إلى أنّ quot; الثورة اندلعت للتخلص من الفساد وتفاقم نسبة البطالة وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن والاختلال الجهوي، والأحزاب كلها تطمح إلى إيجاد حلول لهذه العوامل المعطلة لدوران عجلة الاقتصاد، ولكن يبقى الواقع هو المحك الحقيقي لمدى صدقية هذه البرامج وتبقى سمعة البلاد ونجاح المسار الانتقالي محددا لنجاح هذه البرامج من خلال توفير التمويل اللازمquot;، مقرة بأنّ quot;هذا التشابه بين برامج الأحزاب لن يؤثرفي تركيز الناخب ليختار من يمثله في المجلس التأسيسي، فهذا المجلس يتمثل دوره في صياغة الدستور واختيار الحكومة وبالتالي ليس لذلك علاقة ببرامج الأحزاب والانتخابات ستتم على أساس معرفة المواطن بالمترشح والحزب الذي ينتمي إليه بقطع النظر عن برامجه فطبيعة انتخابات المجلس التأسيسي لا تؤكد على معرفة الناخب لبرامج الحزب والمسألة ستكون أكيدة عندما يتعلق الأمر بالانتخابات الرئاسية والتشريعيةquot;.

آراء مواطنين

المواطن وهو يستمع إلى المحللين يريد أن يكون له رأي في اختياراته حتى يمنح صوته في انتخابات 23 أكتوبر إلى الحزب الذي يعبر عن طموحاته وتطلعاته.

المواطن التونسيّ العادي لاحظ التشابه في برامج الأحزاب السياسية، والأرقام تشير إلى أنّ ثلثا الناخبين لم يحسموا خياراتهم بعدُ

الحبيب السباح ( تفقد تعليم ابتدائي) يرى أنّ الأحزاب تلتقي معظمها في التأكيد على بناء مجتمع ديمقراطي والقطع مع منظومة الاستبداد والفساد والعمل على تكريس مبدأ الفصل بين السلطة واستقلالية مؤسسة القضاء والحدّ من تغوّل مؤسسة الرئاسة وتتلاقى أيضا حول بناء مجتمع يحافظ على هويته العربية والإسلامية في إطار المعاصرة إلى جانب إيلاء قضية التشغيل الأولوية المطلقة، و أضاف السباح أنّ ما يميز برنامج حركة النهضة أنه جاء متميزا بواقعيته ورؤيته الإستراتيجية ووفق خطة منهجية ارتكزت على تشخيص للواقع بتحديد نقاط القوة والضعف بتحليلها واقتراح البدائل وتحديد الأهداف الإستراتيجية وفق رؤية تضع الإنسان أداة أساسية فاعلة وهدفا وغاية في التنميةquot;، على حدّ تعبيره.

ويشير المعلم خليل بوشيبة إلى أنّ quot; المتتبع لبرامج الأحزاب السياسية يجد برامج انتخابية لا تعدّ أن تكون وعودا واهية للشعب حيث تفتقد في أغلبها إلى الموضوعية و الواقعية...على هذه الأحزاب أن تتوخى الواقعية والصدق في برامجها وأطروحاتها وتقدم البدائل الحقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية و السياسيةquot;.

فرحات بوعجيلة يقول إنه لم يطلع على برامج الأحزاب، و لكنه رغم ذلك سيكون في الموعد يوم 23 أكتوبر ليمنح صوته لمن يستحق وهو لم يقرر ذلك إلى حدّ الآن.

أما خالد بالسنون فقد بيّن أنّه وإن لم يطلع على برامج كل الأحزاب لأن ذلك غير ممكن اعتبارا إلى العدد الضخم من الأحزاب، فإنه قد قرر بعد لمن سيعطي صوته بعد اطلاع على برامج بعض الأحزاب والتعرف إلى الشخصيات التي تمثلها.

ويؤكد البشير غرغار أنه لم يقرر إلى حدّ الآن لمن سيمنح صوته وذلك بحكم quot;التشابه بين برامج الأحزاب وكثرتها حتى فاقت المائة حزب ولكن الأكيد أنّ موعد 23 أكتوبر / تشرين الأول سيجعلني جاهزا من اجل المشاركة الفاعلة و لواعية لمصلحة تونسquot;.

ويختم عمر بونمشة قائلا إنّ quot;المشهد لايزال ضبابيا نظرا للعدد الكبير للأحزاب وتعامل وسائل الإعلام مع هذه الأحزاب وفق أجندة غير واضحة، و رغم ذلك أعتقد أن التونسي قادر على التمييز بين الغث والسمين و بين الرؤية الصادقة و الضحك على الذقونquot;، على حدّ تعبيره.