يعاني العراقيون البرد القارس بسبب شحّ النفط الأبيض، الذي يعتبر رأسمال المدافئ في فصل الشتاء، ولا يجد الكثير من العائلات حلولاً أمام هذا المناخ سوى الالتحاف بالملابس الثقيلة والارتماء تحت الأغطية السميكة.


عراقيون في طابور للحصول على وقود

بغداد: يشعرمعظم المواطنين العراقيين هذه الأيام بالبرد، نعم.. بالبرد، وليست لديهم وسائل متعددة أو خيارات عديدة للتحصن منه، لا سيما داخل البيوت، التي تشكو شحًّا واضحًا من النفط الأبيض، الذي هو رأسمال المدافئ النفطية، بعدما غابت الوسائل الأخرى بفعل الظروف، وخاصة مع غياب الكهرباء المستمر، لذلك فالتحصن بالملابس الثقيلة لم يعد ممكنًا طوال أوقات اليوم، كما إنه ليس من الممكن أن يعطِّل الإنسان عمله، ليرمي جسده تحت الأغطية السميكة بحثًًا عن الدفء.

فالبرد اشتد منذ أسبوعين، ولايزال مستمرًا، ما جعل الناس تتشتت في البحث عن النفط الأبيض من أجل التدفئة، الذي هو العامل الوحيد المساعد في التدفئة، لاسيما مع توقعات هيئة الأنواء الجوية بـquot;أن يتأثر العراق بموجة برد تسبب انخفاضاً ملحوظاً في درجات الحرارة، وستسجل درجات حرارة صغرى دون الصفر في أماكن متعددة من المنطقتين الوسطى والشماليةquot;.

من خلال هذا الطقس يمكن رسم مشهد معيّن لبغداد، إذ باتت الشوارع خاوية، والحركة قليلة في النهار، وفي الليل تهبط درجات الحرارة إلى تحت الصفر، ربما مصحوبة برياح، لديها القدرة على أن تجمد الأطراف في دقائق، لمن يقف تحت أجنحتها، وليس من الصعب أن تجد العديد من المواطنين، لاسيما الذين يعملون في الشارع، ومنهم عناصر الجيش والشرطة، يشعلون النار، ولا تسمع من الناس سوى أنهم اختبأوا في بيوتهم للحماية من هذا البرد القارس، ولكن كيف يمكنهم الحصول على الدفء؟.

هناك بالتأكيد وسائل عديدة، ولكن في العراق تكون الخيارات معدومة، فمثلاً هناك المدافئ الكهربائية، وهذه شبه معطّلة، لعدم وجود الكهرباء أصلاً إلا لساعات قليلة، لا يمكن معها الشعور بالدفء داخل الغرفة الواحدة، وهذه المدافئ لا تعمل على المولدات الكهربائية الصغيرة أو الأهلية الكبيرة، لأنها تحتاج (أمبيرات) كثيرة، وهذا غير ممكن لغلاء هذه الأمبيرات، إذ إن سعر الأمبير الواحد يبلغ (10) آلاف ينار عراقي، أي أكثر من 8 دولارات.

يقول المواطن سمير شهاب: quot;نسينا شيئًا اسمه المدفئة الكهربائية، بل إن هناك ما يسمّى بـ(هيترات) كهربائية، لكن أين الكهرباء، التي يمكن أن نشغِّل بها هذه quot;الهيتراتquot;؟، حيث إن المولدات الكهربائية البيتية لا تستطيع أن تشغلها، لأنها تحتاج أمبيرات أكثر من الاعتيادي، كما إن المكيفات الهوائية لا يمكن أن تعمل إلا بوجود الكهرباء الوطنية، لذلك أنا شخصيًا في هذه الأيام الباردة جدًا لا أجد حلاً إلابالدخول إلى الفراش، وتغطيةجسميبعدد من البطانيات!quot;.

أما الوسيلة الأخرى فهي الحطب، وهذه غير متوافرة في المدن حاليًا لعدم وجود الخشب كما في السابق، فضلاً عن أن ضررها أكثر من فائدتها، لأنها تبعث الدخان الخانق.

تقول المواطنة أم بشار: quot;كنا في السابق، أيام زمان يعني، نشتري الحطب، الذي هو خشب ونضعه في (منقلة) صغيرة، إلى أن يصبح جمرًا ونتدفأ به، لكنه يترك لنا رمادًا كثيرًا، وأحيانًا الدخان (يعمينا)، والأطفال لا يتحملونه، وأذكر أن زوجي رحمه اللهكان يعمل في السكك، ويجلب لنا قطعًا من الخشب، يسمّونه quot;سكاجquot;، ويغنينا عن النفط والغاز، لكن الآن لا يوجد نفط يكفينا لنتدفأ من هذا البرد، إنهم يعطوننا حسب البطاقة النفطية 50 لترًا، وتنتهي بخمسة أيام أو أقل، لأن quot;الصوباتquot; تشتغل كلها طول النهار والليل، لكون هذا البرد لا يحتمل، ويخترق العظامquot;.

أما وسيلة المدافئ النفطية، التي هي تتصدر مشهد الشتاء، فتحتاج نفطًا أبيض، والنفط هذا عند وزارة النفط، التي اتبعت طريقة في التوزيع باسم (البطاقة الوقودية)، التي تعطي حصة شهرية لكل عائلة مقدارها (50) لترًا، لكن هذه الحصة لا تكفي إطلاقًا مع انخفاض درجات الحرارة، وعدم توافر الكهرباء، فضلاً عن وجود أكثر من مدفأة في بيت العائلة الواحدة.

ويقول محمد شامي: quot;لم استطع أن أحصل على هذه الحصة، رغم انقضاء شهور من الشتاء، وذلك لصعوبة الحصول على هذه الحصة من محطات الوقود نظرًا إلى الزحام الكبير هناك. حاولت أكثر من مرة أن أقففي طابور طويل، ولكن في كل مرة كنت أشعر بالتعب من الفوضى، فأعود إلى البيتquot;.

ويضيف quot;حاولت أن أبحث عن باعة النفط في السوق السوداء، فلم أجدهم، ويبدو أن هؤلاء يخافون من الظهور، كما إننا افتقدنا باعة النفط بالعربات، التي تجرها الخيول، التي كانت تدور في الشوارع، وتضرب لنا صوتًا بآلة حديدية أو بصراخ (نفط.. نفط)، هذا المشهد الآن غائب، وأنا الآن (يقتلني) البرد، وليس لديّ سوى (اللحاف) لاحتمي به، فـ (اتلفلف)، أنا وأطفالي ليدفئ بعضنا بعضًا!!quot;.

وكانت وزارة النفط قد أعلنت عن إنجاز طباعة quot;البطاقة الوقوديةquot; في بغداد، وبكلفة تجاوزت المليار دينار عراقي، وبحسب تصريح لمدير توزيع المشتقات النفطية في بغداد علي الموسوي، فإنه: تم إنجاز طباعة البطاقة الوقودية في بغداد من قبل شركة توزيع المنتجات النفطية التابعة لوزارة النفط، والتي تجاوزت كلفتها المليار دينار عراقي (حوالى مليون دولار)، وبواقع مليون ونصف مليون بطاقة على عدد عوائل بغداد.

هذه الوسيلة هي الرائجة، لذلك تكمن المعاناة الشديدة للمواطنين عبرها، إذ إن على المواطن أن ينتظر شهرًا كاملاً ليحصل على الحصة القليلة من النفط، وحسب نظام إطلاق البطاقات، وحين إطلاقها يهرع المواطنون لحاجتهم الماسة إلى النفطنحو محطات الوقود، لكن الزحام يعوق الوصول إلى المضخّات، كما إن هناك معتمدين لبيع النفط للناس، وكل واحد من هؤلاء لديه سيارة حوضية أو عربات ذات حمولة بسيطة، لكنهم يتقاضون مبالغ تصل إلى ضعف المبلغ المحدد، وحتى هؤلاء لديهم عملاء خاصون، ولا يبيعون للمواطنين كافة.

يقول فريد شكري: quot;لديّ عربة لبيع النفط، استلم بها النفط من المحطة التي يعرفني أفرادها، ولكنهم يعطونني كمية، حسب ما لديّ من بطاقات، أي إنني أحصل على حصة المواطنين، لكنني أبيعها لهم بسعر يحقق لي أرباحًا، لكوني أنا الساعي إليهم في ذلكquot;.

أما المواطن أبو إبراهيم فيوضح: quot;معاناتنا في الشتاء مثل معاناتنا في الصيف، ورحم الله الذي قال لا صيفنا صيف ولا شتاؤنا شتاء، ففي هذه الأيام الباردة نجد أنفسنا صغارًا أمام أبنائنا، الذي يلوذون بنا من البرد، نسمعهم يشكون من البرد، ولا نستطيع أن نفعل لهم شيئًا، البرد زمهرير، وليس لدينا ما نتدفأ به، وبصراحة البرد قاس هذا الشتاء، ولأنليس لدينا من نفط، وحصصنا منه عبر البطاقة النفطية قد نفد، فأنني استسلمت للبرد، لكن المشكلة في أولادي، فذهبت إلى منطقة (الكرادة)، واشتريت 20 لترًا بعشرين ألف ينار، وهذه الكمية لاتكفي لأكثر من يومينquot;.

في حين تصف سعدية صعب المشهدquot;والله يحزنني منظر الناس، الذين يعيشون في بيوت غير مقفلة، بيوت مكشوفة أو مبنية من مادة (البلوك)، ولا أعرف كيف يحتملون هذا البرد، وأعطف على أبنائهم الصغار، خاصة مع عدم وجود نفط، ولا أريد أن أقول إن بعضهم بلا (صوبات). أما أنا فأحاول أن اقتصد بالنفط، الذي نحصل عليه، ولا نشغِّل المدفأة إلا في ساعات الليل أو البرد الشديد، أو نتغطى بأغطية ثقيلة وننام، فماذا بوسعنا أن نعمل؟.. المهم ألا يشعر أولادنابالبرد خوفًا من المرض عليهم.