الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى القارة الأفريقية أظهرت نية الأخير الانخراط في فهم جديد للعلاقات التاريخية التي ظلت تربط باريس بأفريقيا، علاقات لم تكن بالمستوى الذي تتوق إليه النخبة الأفريقية، لكونها ظلت تراعي مصالح فرنسا شمالاً ومصالح أنظمة فاسدة وزعمائها فقط جنوبًا.


باريس: مطمح النخب الأفريقية في تعاون حقيقي بين الضفتين كان على مرمى حجر من التحقق بوصول الرئيس السابق نيكولا ساركوزي إلى الإليزيه، إلا أن سياسته تجاه القارة التي أكدها خطاب دكار الشهير زادت من خيبة هذه النخب، وتوجهت بذلك نحو المستقبل في خدمة بلدانها معتمدة على شركاء جدد فرضوا أنفسهم كمنافسين جديين لباريس على امتداد القارة الأفريقية.

خطاب دكار هذه المرة، بلغة هولاند، جاء مفارقًا لما حمله الرئيس السابق في ذات المدينة عند زيارته للسينغال، والذي اختار انطلاقًا منه أن يمرر رسالة مقروءة وقاسية، في رأي البعض، وجريئة وواقعية من وجهة نظر البعض الآخر، فيما حمل خطاب سيد الإليزيه الاشتراكي قراءة جديدة لوضع القارة تفادى بموجبها أن يتقمص دور الوصي أو الأخ الأكبر.

خطاب ساركوزي كان محشوًا quot;بالدروسquot; ما جر عليه وقتها انتقادات كثيرة من طرف شخصيات سياسية وثقافية أفريقية لما رأوا فيه من quot;إهانة للإنسان الأفريقيquot; ولمجهوداته اليوم في اعتناق الديمقراطية بمفاهيمها الكونية.

والسينغال كما قدمها الرئيس الفرنسي الحالي نفسه، نموذج لهذا التطور الديمقراطي المهم، كما أن أفريقيا اليوم، وهو أمر يعيه هولاند جيدًا، أصبحت نقطة مهمة في النمو الاقتصادي العالمي الذي يجذب إليه الكثير من القوى الاقتصادية.

نفس جديد

تعهد الرؤساء الفرنسيون بإعادة النظر في سياسة باريس المعتمدة تجاه أفريقيا.

ويقول الباحث في العلوم السياسية كريم أملال في حوار لـ إيلاف، quot;منذ عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، كل الرؤساء المنتخبين يعلنون في أول سفر إلى أفريقيا نهاية ما يسمى بـ quot;فرنسا أفريقياquot;، يعني التحالف المبني على الوساطة والمصالح بين رؤساء الدول الأفريقية والمقاولات الفرنسية ومحيط رئيس الجمهورية. وهذه التصريحات لم تكن متبوعة بما هو عمليquot;.

يعود أملال إلى خطاب دكار الشهير لساركوزي ليوضح أن quot;ولاية ساركوزي وصمت بدورها بنفس التعامل ونفس الصفقات مثلا قضية روبير بورجيquot;، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن هذا الخطاب quot;أكد على هذه المنهجية في التعاطي مع القارة السمراء، إذ أن ساركوزي لم يقم إلا بمتابعة سياسة التواطؤ مع بعض زعماء الدول، وانخرطت سياسته بهذا الشأن في إيديولوجيا تجعل من أفريقيا قارة خاضعةquot;.

ويتابع في السياق ذاتهأن quot;هذه المنهجية تريد أن يقطع معها فرانسوا هولاند. خطابه في دكار كان جواباً لساركوزي وخاصة الأفارقة. الرئيس الحالي له وجهة نظره الخاصة حول أفريقياquot;، ومن هذه الزاوية quot;يمكن أن نتحدث أن خطوته حملت نفساً جديداً لهذه العلاقات الفرنسية الأفريقية، ولو أنه الآن يجب متابعة الوسيلة التي سيتم بها ذلك على الميدانquot;، بحسب أملال.

لكن النقطة الأخيرة التي يراها مهمة، وقد تكون، بالنسبة له بمثابة عنصر هام في تغيير حقيقي، quot;هي أن هولاند لا يعرف جيدًا أفريقيا وليست له علاقات خاصة مع أي من الزعماء الأفارقة عكس الرئيس السابقquot;.

أفريقيا تتطور ديمقراطيًا

يؤكد مؤسس موقع quot;سطان ألون ميدياquot; أن من quot;مصلحة فرنسا أن تغيّر سياستها تجاه أفريقيا، لأن الديمقراطية تتطور في هذه القارة، مثال quot;ماكي صالquot; في السينغال مؤشر مهم، لكن ليس هو الحالة الوحيدة. هذا التطور يلمس في أفريقيا الشرقية الناطقة باللغة الإنجليزية، جنوب أفريقيا، وفي عدد من بلدان غرب أفريقياquot;.

و يزيد قائلا أن quot;هذه الديمقراطية التي تشهدها القارة الأفريقية وهذا التجديد في النخب السياسية يسيران جنبًا إلى جنب مع انتهاء العادات البالية في السياسة المحليةquot;، مبرزاً أن quot;الزعماء الأفارقة الذين انتخبوا حديثًا يريدون القطع مع رموز الأنظمة السابقة الفاسدة، والتي كانت تدعم من طرف القوى الخارجيةquot;.

من quot;فرنسا أفريقياquot; إلى quot;الصين أفريقياquot;

هذا بالنسبة للشق السياسي أما الشق الاقتصادي في المسألة، يشرحه صاحب كتاب quot;مارسوا علي التمييزquot; أن quot;أفريقيا هي القارة الجديدة للنمو الاقتصادي. وتطورها الاقتصادي، الذي مازال غير عادل ويعرف بسوء توزيعه، هو حقيقة مذهلة. فآفاق النمو قوية. وهذا من طبيعة الحال يغذي شهية قوى اقتصادية أخرى كالصين والهند والبرازيلquot;.

وعلى خلفية ذلك ظهر مفهوم جديد في علاقة أفريقيا مع هذه البلدان، إذ يقول أملال بهذا الخصوص quot;إننا نتحدث اليوم عن quot;الصين أفريقياquot; على غرار ما ظل معروفاً quot;فرنسا أفريقياquot;، ما يعني للروابط التي تجمع الطرفين، أي الصين المستثمر الأول في القارة من جهة ومجموعة من بلدانها من جهة ثانية quot;قوة خاصةquot;.

وفي هذا السياق، لا يعتقد الباحث في العلوم السياسية quot;أن الطريقة الصينية في غزو الأسواق الأفريقية لا تسجل عليها أية عيوب، لكن ما هو مؤكد منه أن الدول الأفريقية اليوم لها محاورون اقتصاديون آخرون وليس فقط الدول الغربية ونادي باريسquot;.

ويلفت أملال إلى أن البلدان الأفريقية quot;بعد أن تراجعت مديونياتها مع مرور السنوات، تتجه اليوم نحو شركاء يعرضون شراكة أهم من حيث الثمن، التنافسية، نقل التكنولوجيا وغيرها، وليس لاعتبارات سياسية أو تاريخية. وحتى تحافظ فرنسا على حصصها في الأسواق، عليها أن تتعامل كشريك فعال جاد وليس كملقنة دروس أو وصيquot;.