تحوّلت الانتخابات المحلية الأخيرة في الجزائر من حل إلى مشكلة داخل البلديات، جرّاء الصعوبات التي ترافق عملية تنصيب رؤساء المجالس، حيث دخلت حسابات متعددة في تأطير التحالفات بين المنتخبين وبين قيادات الأحزاب، البعض يحمّل مسؤولية ذلك إلى وزارة الداخلية، في حين يعتبر البعض الآخر أن ضعف الثقافة الحزبية وطغيان المعيار المالي في الترشح وفي تقسيم المناصب هو ما زاد من حجم الانسداد، وحوّله إلى ظاهرة مزمنة، معالجة الآثار التي ولّدتها عمليات بيع وشراء قوائم الترشيحات، وما صاحبها من فساد مالي وتجوال سياسي وغياب البرامج، أنجبت مئات المجالس البلدية وحتى الولائية المهدّدة دومًا بالانسداد وعدم الاستقرار.


بودهان ياسين: وزارة الداخلية والجماعات المحلية في الجزائر حثت الولاة ومسؤولي المحافظات على الاحتكام إلى القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات في مادته رقم 80 بدل قانون البلدية، لفضّ النزاعات القائمة حول المجالس المحلية، التي لم يحسم أمر رئاستها بعد، ويعتقد أن الوزارة بدعوتها إلى الاحتكام إلى المادة تحاول إبعاد القوائم التي تتنازع البلديات عن الاحتكام لقانون البلدية، الذي يقول إنه يعلن رئيسًا للمجلس البلدي متصدر القائمة التي تحصلت على الغالبية المطلقة.

مواطنو بعض البلديات لم يتعرفوا إلى رئيسهم
يأتي تدخل وزارة الداخلية بعد أسبوع من إجراء الانتخابات المحلية، التي أفرزت فوز جبهة التحرير الوطني بغالبية نسبية من مقاعد المجالس البلدية والولائية، حيث لم يتعرف المواطنون في بعض البلديات إلى ''رئيسهم''، ذلك لأن الاقتراع في تلك المناطق لم يفرز فائزًا بنسبة 35 في المئة من الأصوات المعبّر عنها، والتي تخوّله قيادة البلدية، وزاد من حدة هذا الانسداد، المشاورات الحثيثة التي تقوم بها التشكيلات السياسية الفائزة في هذه الحالة، والتي تحاول نسج تحالفات بناء على معايير ''خاصة''.

تنص المادة في إحدى فقراتها: ''في حال عدم حصول أية قائمة على خمسة وثلاثين في المئة على الأقل من المقاعد، يمكن لكل القوائم تقديم مرشح، على أن يكون الانتخاب سريًا، ويعلن رئيسًا للمجلس المترشح الذي تحصل على الغالبية المطلقة للأصوات، وفي حال عدم حصول أي مترشح على غالبية مطلقة، تقول المادة، يجري دور ثانٍ خلال الساعات الـ48 التالية بين المرشحين الفائزين بالمرتبة الأولى والثانية، ويعلن فائزًا من يحصل على غالبية الأصوات. وفي حال تساوي المرشحين يعلن الأصغر سنًا فائزًا.

1100 بلدية مصيرها غامض بسبب سياسة التحالفات
وأصدرت حركة مجتمع السلم بيانًا أكدت فيه أنquot; 1100 بلدية مازال مصيرها غامضًا بسبب سياسة التحالفات، وبات المنتخبون يخضعون للابتزاز والمساومة واستخدام المال السياسي وشراء الذمم، لانتزاع رئاسة البلدياتquot;.

واعتبرت حركة مجتمع السلم quot;حمسquot; أن ''ذلك كان نتيجة تعويم الإصلاحات السياسية، والتي أفرزت تركيبة هجينة لـ80 في المئة من المجالس البلدية، سيحكمها الانسداد وتعطيل مصالح المواطنين''.

حالاتزبونتية جديدة وفساد إداري
الدكتور بوحنية قوي أستاذ علوم سياسية وعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة ورقلة وفي إفادته لــ quot;ايلافquot; اعتبر أن quot; قانون البلدية ترك المجال واسعًا امام تحالفات غير مسبوقة لوجود ثغرات قانونية ترتبط بفقرة ضرورة حصول القائمة على نسبة 35 في المئة، لتتمكن من الحصول على رئاسة البلدية، ولذلك نجد أن بعض البلديات ذات التركيب العشائري تحالفت قوائمها بشكل اقصى مع القوائم الفائزة نسبيًا، وهو ما يوسع المجال لظواهر زبونتية جديدة وفساد إداري محلي اكثر تطوراً.

تنازلات.. وظواهر مرضية
وفي بعض الولايات اتفقت بعض القوائم على اسناد الرئاسة بشكل توافقي بأن تتنازل لي عن رئاسة البلدية واتحالف معك لأتنازل لك عن رئاسة المجلس الولائي؟. إنها ظاهرة مرضية جديدة ــ يقول الدكتور ــ يعاقب فيها الناخب الذي قدم قناعته عبر صناديق الاقتراع لأشخاص تحصلوا على مراتب اولى، ليجدوا انفسهم بخفي حنين، وعليه فتقوية الولاء الحزبي ومحاربة الانتقال والترحال السياسي ــ حسب الدكتور بوحنية ــ اصبح ضرورة ملحّة، وامام القضاء الاداري قضايا كثيرة يجب النظر فيها في هذا الصدد تمهيدًا لتنقية الاجواء الادارية المحلية من فساد جديد؟.

النائب مسعود شيهب،رئيس المجلس الشعبي الوطني، ورئيس اللجنة القانونية والإدارية في المجلس الشعبي الوطني سابقًا، اعتبر أن quot;الانسداد الحاصل الآن في المجالس البلدية، يعود إلى الأسس الهشة التي أقيمت عليها التحالفات بين الأحزاب في اختيار رئيس البلديةquot;.

مصالح حزبية ضيقة
وأضاف أن quot;غالبية هذه التحالفات مبنية على المصالح الحزبية الضيقة، والتي تدور في مجملها ـ بحسبه ـ حول تقاسم مناصب المسؤولية على مستوى المجلس، فضلاً عن الحسابات المتعلقة بانتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمةquot;.

وشدد على أن المشرع الجزائري كان بإمكانه تفادي مثل هذه الحالات والصراعات، من خلال تفتيت المواد المتعلقة بهذا الجانب، خاصة المادة 80 من القانون الانتخابات، وكذا المادة 65 من قانون البلدية، بشكل لايترك مجالاً لأي غموض في تطبيقها على أرض الواقع، وتضمن الاستقرار للمجالس المنتخبة من دون اللجوء إلى التحالفات، التي قال بشأنها إنها معرّضة للانسداد أثناء تنصيب الأعضاء، وكذلك أثناء عملها طيلة العهدة الانتخابية.

مشيراً إلى الاختلاف بخصوص اختيار رئيس المجلس البلدي بين المادة 80 من قانون الانتخابات والمادة 65 من قانون البلدية، حيث الأولى تؤكد على الغالبية المطلقة، والثانية تكتفي بذكر غالبية الأصوات.

ويتوقع صدور مذكرة تفسيرية من وزير الداخلية والجماعات المحلية، حول الطريقة التي يجب اعتمادها لتوحيد نمط انتخاب رؤساء المجالس الشعبية البلدية، بدلاً من أن تترك للاجتهاد والمصالح الحزبية الضيقة، ورجّح أن تضم المذكرة التفسيرية منح الحرية لكل القوائم الفائزة في الانتخابات تقديم مترشحين باسمها لرئاسة المجالس البلدية، بعد استنفاد كل النصوص الواردة في المادة الـ80 من قانون الانتخابات.

المادة 80 من قانون الانتخابات لا تقدم حلولاً للاختلالات
يجزم رئيس اللجنة القانونية السابق في المجلس الشعبي الوطني، حسين خلدون أن المادة 80 من قانون الانتخابات لا تقدم حلولاً للاختلالات المسجلة حاليًا في انتخاب رؤساء المجالس البلدية، متوقعًا شللاً كثيرًا، والمسؤول عن هذا الواقع حسب خلدون هو المشرّع، فما كان ليحدث هذا لو احترمنا إجراءات التشريع، لأن انتخاب رئيس البلدية يخضع لأحكام قانون البلدية، وليس لقانون انتخابات، كما فرضته الحكومة في العام الماضي.

يضيف quot;هناك ما يعرف بالقوانين الخاصة، وأشرح هنا: مثلما يخضع انتخاب رئيسي المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة لأحكام النظامين الداخليين للمجلسين، يخضع انتخاب المجلس الشعبي البلدي لأحكام المادة 65 من قانون البلدية التي تنص على تعيين رئيس للمجلس الشعبي البلدي متصدّر القائمة التي تحصلت على غالبية أصوات الناخبين، وفي حال تساوي الأصوات، يعلن رئيسًا المرشحة أو المرشح الأصغر سنًاquot;.

ويؤكد أن المادة 80 من قانون الانتخابات الحالي التي جرى الاعتماد عليها غير سليمة، ولم تعالج أصل المشكلة، بل عقدتها، حيث تنص على حق القائمة الفائزة بالغالبية المطلقة الاستئثار بمنصب رئيس البلدية. وهنا نتساءل ــ يضيف قائلاً ـــ quot;ماذا لو انقلب عليه زملاؤه يوم التصويت؟، هناك فراغ قانوني هنا.

وينسحب هذا أيضا على نظام 35 في المئة، فالذين وضعوا هذا النظام كانوا يتوقعون اقتصار المنافسة على قائمتين فقط، لكن النتائج أفرزت واقعًا غير ذلك، لقد كرّست أحكام المادة المذكورة ظاهرة الانقلاب على الشرعية الشعبية وإرادة الناخبين، كما وضعـت المجالس المحلية رهينة لإرادة الأقلية، وفتحت الباب أمام كل أنواع الفساد، والرشوة، والمال السياسيquot;.

ودعا الى ضرورة إلغاء المادة 80 والعودة إلى أحكام قانون البلدية والولاية، وإدراج حق الأعضاء في سحب الثقة، مع وضع ضوابط في القانون الداخلي للمجلس المحلي، أي في حال الخطأ الجسيم، كما هو معمول به في فرنسا.