مصير الرئيس السوري بشار الأسدما زال غامضا، ومن الخيارات التي ستكون متاحة أمامه، إما الهروب من دمشق إلى الخارج، أو ترك العاصمة والتوجه إلى معاقل الطائفة العلوية، أو البقاء في دمشق ويواجه الموت على يد شعبه.

يقبع رئيس النظام السوري بشار الأسد في قصره الجبلي حيث وصل مدّ الحرب الى المنحدرات التي تمتدّ تحته. وهناك التقاه مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الابراهيمي في محاولة عاجلة لحلّ النزاع المستمر منذ نحو عامين.
ويرى مراقبون أن ردّ الأسد على ما قاله الابراهيمي يعتمد على تكوينه النفسي الذي نشأ حصيلة إحساس ورثة من والده وسلفه صاحب القبضة الحديدية حافظ الأسد بأنه صاحب رسالة ، وعلى ما يقوله اقرب مستشاريه الذين يؤكد مؤيدون للنظام انهم قادة أمنيون مخضرمون متشددون كانوا يشكلون طاقم والده ، وتقديرات الأسد التي لا يعرفها إلا الأسد وحده بشأن ما ينتظره إذا بقي في سوريا ، ولكنها على الأرجح تنحصر بين تصميمه على النصر أو الموت على يد شعبه.
ومن قصره على قمة الجبل يستطيع الأسد ان يطل على بدائل متعددة أخرى تحدد شكل مستقبله.
إذ يقع شرقي القصر مطار دمشق الدولي وامكانية الرحيل منه الى المنفى ، وهو طريق يقول البعض ان والدة الأسد وزوجته اتخذتاه فعلا. ولكن الطريق مسدود الآن ، لا بأيدي مقاتلي المعارضة فحسب وانما بقناعة ، يقول موالون للأسد انه يتفق فيها مع مستشاريه ، بأن الفرار سيكون خيانة لبلده ولوصية والده.
ويستطيع الأسد ان يبقى في دمشق ويتشبث بمطامح والده في الزعامة على المسرح الاقليمي والدولي وفرض النظام الذي في تصوره بل والموت من أجل هذه المطامح.
أو انه يستطيع ان يتوجه شمالا الى المعاقل الجبلية الساحلية لطائفته العلوية متنازلا عن باقي سوريا للانتفاضة التي تقودها الأغلبية السنية. وسيعني ذلك تراجعا كبيرا ، والعودة الى مكانة جده المتواضعة ، شيخا من شيوخ أقلية مهمشة همهما الحفاظ على وجودها.
وكان الابراهيمي بخيلا في تصريحاته عن وقائع اللقاء الذي اجراه مع الأسد ولكنه حذر في الاسابيع الأخيرة من ان سوريا ، من دون حل سياسي ، تواجه الانهيار كدولة وسنوات من الحرب الأهلية التي ستكون اهوالها أكبر بكثير مما سبّبه النزاع من دمار ومعاناة حتى الآن ، بما في ذلك مقتل اكثر من 40 الف سوري.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن دبلوماسي عمل في دمشق أن الأسد بصرف النظر عن النفي الرسمي quot;يدرك تماماquot; ان عليه ان يرحل وانه quot;يبحث عن مخرجquot; رغم ان الجدول الزمني لهذا الرحيل ليس معروفا. وقال الدبلوماسي الذي غادر سوريا الآن quot;ان متنفذين في الحلقة العليا للنخبة الحاكمة في دمشق يشعرون بضرورة ايجاد مخرجquot;.
ولكن آخرين قريبين من الأسد وحلقته الضيقة يقولون إن أي تراجع سيصطدم بنظرة ذاتية دفينة الى دوره كزعيم وبرغبات قادة الأجهزة الأمنية الذين وصفهم احد اصدقاء الرئيس بـquot;اصحاب الرؤوس الحارةquot;.
وقال المحلل السياسي اللبناني جوزيف ابو فاضل الذي يؤيد الأسد والتقى مسؤولين في دمشق مؤخرا إن رئيس النظام السوري يعتقد quot;انه يدافع عن بلده وشعبه ونظامه وعن نفسهquot;.
ويرى محللون في روسيا ، أهم حلفاء النظام على الساحة الدولية ، ان مقاتلي المعارضة يحاولون تطويق دمشق وقطع طرق الهروب عبر محافظة حماة الى الساحل وان المزاج في قصر الأسد يسوده الذعر ، كما يتضح من التخبط في استخدام الأسلحة مشيرين الى استخدام صواريخ سكود المصممة للحرب ضد جيوش وليس ضد حركات مسلحة ، وإلقاء الألغام البحرية من الجو بدلا من زرعها في البحر.
ولكن حتى إذا أراد الأسد ان يهرب فان من غير المعروف ما إذا كان القادة العسكريون وقادة الأجهزة الأمنية سيتيحون له الرحيل على قيد الحياة ، بحسب المحللين الروس ، لأن هؤلاء القادة يعتقدون انهم إذا القوا السلاح سيُقتلون مع عائلاتهم العلوية في اعمال انتقامية ، وأنهم يحتاجونه لتعبئة رجالهم.
وقال الخبير الروسي بشؤون الشرق الأوسط سميون باغداسروف لصحيفة نيويورك تايمز quot;إذا تمكن الأسد من الاقلاع بطائرة من دمشق فان هناك ايضا مفهوم المسؤولية امام الشعب ـ شخص خان ملايين القريبين منهquot;.
وما زال كثير من السوريين يشاركون الأسد الاعتقاد بأنه يحمي الدولة السورية ، ومن شأن هذا ان يساعد في تفسير تمكنه من البقاء حتى الآن. وعلى مأدبة عشاء باذخة أقامها سياسي لبناني خارج بيروت في ايلول/سبتمبر تحدثت شخصيات لبنانية علوية وسنية ومسيحية تدعم الأسد ، بين اقداح مترعة بالويسكي ، عن رئيس النظام السوري بوصفه quot;رمز سوريا حديثة متعددة المذاهبquot;.
ولكن احد اصدقاء الأسد ابتعد عن الآخرين ليتحدث بصراحة قائلا لصحيفة نيويورك تايمز ان مستشاري الأسد quot;اصحاب رؤوس حارةquot; يقولون له quot;أنت ضعيف ويجب ان تكون قوياquot;. واضاف quot;انهم ينصحونه بالامعان في الضرب ، بالطائرات ، بأي طريقة يمكن التفكير فيهاquot;. وقال الصديق quot;انهم يتحدثون عن مقاتلي المعارضة بوصفهم كلابا إرهابيين اسلاميين وهابيين. ولهذا السبب سوف يستمر حتى النهايةquot;.
وتابع هذا الصديق ان الأسد رغم حديثه احيانا عن الحوار يريد ان يكون بطلا يصد اعتداء خارجيا. quot;انه يفكر في النصر ـ ولا شيء غير النصرquot;.
وكان الأسد رفض دعوات الاصلاح بعد اندلاع الانتفاضة التي بدأت حركة سلمية في آذار/مارس 2011 ، بما في ذلك دعوات موالين له ودعوات مسؤولين اتراك أمضوا سنوات في إقامة علاقات طيبة معه وحتى دعوات حركات مسلحة دعمها زمنا طويلا مثل حماس وحزب الله ، عرضت وساطتها بينه وبين المعارضة ، كما قالت حماس.
بدلا من ذلك، سار الأسد على نهج والده الذي سوّى أحياء كاملة مع الأرض لإخماد انتفاضة اسلامية في الثمانينات. ويقود الابن الآن حملة تحوّلت الى حرب اهلية قتلت أضعاف من قتلهم والده.
وفي نظام اصبح حتى اشد تكتما وسرية يتعذر ان يعرف احد كيف يتخذ الأسد قراراته. ويقول البعض انه كان يريد الاصلاح ولكن جنرالات والده وقادة الأجهزة الأمنية وشقيقه معهم اقنعوه بأن الإصلاحات تعني نهايتهم.
وقال الصحافي الالماني يورغن تودنهوفر الذي أجرى مقابلة مع الأسد في تموز/يوليو quot;ان هناك بشارين ، بشارًا هادئا لا يحب عمله ويريد الخروج وبشارا يريد ان يُري عائلته والعالم quot;انا لست ضعيفاquot;.
ويقول آخرون ان نزعات الأسد الاصلاحية كانت دائما مناورة للحصول على بضائع ترفية ونيل رضى الغرب.
وقالت رنا قباني ابنة دبلوماسي عرف ابناء الأسد منذ الطفولة ان والدهم واعمامهم واخوالهم ربوهم على الاعتقاد بأنهم quot;اشباه آلهة وسوريا ضيعتهمquot;.
ويتذكر مسؤولون اتراك ان الأسد خلال احاديث كثيرة معه في الأشهر الأولى من الانتفاضة كان يستمع بهدوء لانتقاداتهم ويتحمل شخصيا المسؤولية عن اعمال النظام ويتعهد البحث عن حلول.
وقال مسؤول تركي تحدث لصحيفة نيويورك تايمز طالبا عدم الكشف عن هويته ان الأسد quot;إما كذاب محترف أو انه لا يستطيع تنفيذ وعودهquot;.
الآن يواجه الأسد ( 47 عاما ) خيارات أحلاها مرّ. فإن الفرار ليصبح قائد ميليشيا علوية مستبعد على الأرجح وهو الذي نشأ في دمشق وصاهر النخبة السنية وتعرض حتى للسخرية في قرية اجداده بسبب لهجته الدمشقية ، كما لاحظ جوشوا لانديس الباحث المختص بالشؤون السورية في جامعة اوكلاهوما الأميركية.
ويُعتقد ان الأسد كان لفترة طويلة يتلقى المشورة من والدته وشقيقه ماهر قائد الفرقة الرابعة المرهوبة ، وصهره آصف شوكت واولاد خاله من آل مخلوف. ولكن يُعتقد ان والدته غادرت سوريا في الاسابيع الأخيرة. وكان شوكت قُتل في الهجوم على مبنى الأمن القومي في تموز/يوليو. ويُعتقد ان آل مخلوف يقومون بتهريب الأموال الى الخارج ، وتردد ان ماهر فقد احدى ساقيه في القتال ولكنه ما زال يقود قوات موالية.
ويتفق محللون اتراك وروس وسوريون ولبنانيون على ان مستشاري الأسد الآن هم المتشددون الذين عملوا في ظل والده وقادة ميليشيات الشبيحة.
وإذا وجد ذات يوم معتدلون في النظام قد يدفعون الأسد الى تسليم مقاليد الحكم الى شخصية يمكن ان تحافظ على بقاء الدولة السورية فان هذا الخيار يبدو الآن بعيدا بصورة متزايدة.
وقال المحلل الروسي باغدارسوف quot;ان كثيرا من الدماء سُفكت ومن المتعذر حدوث ذلكquot;.
وذهب رجل اعمال علوي من المناطق الساحلية يقول انه يعرف حلقة الأسد الضيقة ان الشخص الذي قد يكون قادرا على اقناع الأسد بالرحيل هو زوجته ولكنها بلا دور يُذكر في الأزمة. وهي إما غادرت مع اطفالها أو منعها ماهر من المغادرة أو أصرت على البقاء مع زوجها ، حسب الشائعة المتداولة في دمشق التي يعيش اهلها حياة من الترقب والأعصاب المشدودة.