تتفشى في المجتمع العراقي، لا سيما بين الشباب، العديد من الظواهر المقلقة، حيث أدى الإحباط من الواقع الى اللجوء لخيارات اخرى، تبدأ بالتشبه بالغرب في الشكل والسلوك، ولا تنتهي بالدعارة والحبوب المخدرة، في وقت تدنت نسبة الملتحقين بالتعليم الثانوي الى 21 في المائة فقط.


شابان عراقيان

بغداد: ابتعد اهتمام العراقيين لاسيما الشباب والمراهقين، عن متابعة أخبار السياسة والتطورات الأمنية، بل انه لم يعد حتى يتابع وسائل الإعلام السياسي، صابا جلّ اهتمامه على متابعة المسلسلات التلفزيونية والأحداث الرياضية.

واعتبر الشاب باسم هادي (18) ان اغلب أصدقائه وزملائه يجدون في الندوات التلفزيونية حول الواقع السياسي في العراق quot;قصصا متشابهة ومملة، وأحاديث يجترها المحللون والسياسيون والنواب، من دون فائدة. ويتابع: quot;ما إن تظهر حوارات أطراف الكتل السياسية في العراق فان تحويل التلفزيون نحو قناة أخرى أمر لابد منهquot;.

ودعا الى quot;عدم السخرية من دور الشباب والمراهقين في المجتمع ولاسيما انهم الذين فجروا الثورات في تونس ومصر وليبياquot;، مضيفاً quot;اذا تابعت اخبار مصر فإن المحرك الاول للأحداث هم فتيان بين الخامسة عشرة سنة والعشرينquot; .

وبحسب بيان برنامج الأمم المتحدة الانمائي عام 2011 ، فإن العراق يعد واحداً من اكبر دول العالم من حيث فئة الشباب فيه، اذ يبلغ عدد السكان دون سن التاسعة عشرة حوالى نصف مجموع سكانه البالغ عددهم 30 مليوناً، وتصل نسبة البطالة بين الشباب العراقيين الى 30 في المئة.

بعيدا عن السياسة

ومن جهته، الناشط في قضايا الشباب سعد فياض، أكد ان هناك quot;بالفعل استياء جمعيا من مسار السياسة في العراق، لكن الحديث عن الشباب والمراهقين في العراق، يجعلنا نخوض في اهتماماتهم التي تسبب بابتعادهم عن قضايا بلادهمquot; .

ورأى ان quot;اجترار المشهد السياسي في العراق وعقم العملة السياسية برمتها - وهو امر متفق عليه بين الصغار والكبار ndash; ليس سببا في اللامبالاة التي يبديها المراهقون لقضايا بلادهم، بل إن هناك اسبابا اقتصادية واجتماعية وسياسية لها دور في ذلك .

وتابع: quot;بشكل عام، فإن المراهقين في العراق من كلا الجنسين شأنهم شأن المراهقين في البلدان الأخرى يسعون الى تأكيد ذواتهم عبر الكثير من الممارسات والفعاليات ، في سعي إلى لفت الأنظار، عبر تأكيد الاستقلالية في ممارسات مثل التدخين وترك مقاعد الدراسة بغية العمل في مهنة معينة ، لتوفير مصدر رزق معين ، إضافة إلى اتباع موضات مستوردة مثل رسم الوشم quot;التاتوquot;، و ارتداء الملابس الملفتة للانتباهquot;.

ويقصد بالمراهق في علم النفس الفئة العمرية التي تقع بين 15 ndash; 17 عاما .

ويقول الباحث الاجتماعي أمين العاملي إن الشاب العراقي معرض اليوم أكثر من أي وقت مضى الى الضغوط الاجتماعية والنفسية، بسبب الانفتاح الاقتصادي والإعلامي والاجتماعي على العالم .

ويعترف العاملي أن بعض الأسر تعجز عن السيطرة على توجهات أبنائها بسبب ذلك، وفي نفي الوقت فانها لا تستطيع تلبية كل متطلباتهم .

وعلى يد المراهقين العراقيين ، تجد quot;موضاتquot; غريبة طريقها إلى المجتمع، حيث تشغل لمياء صالح (20 سنة) نفسها بعدما تركت مقاعد الدراسة في تقليد ما ترتديه الممثلات في المسلسلات التي أدمنت عليها الى درجة أثارت حنق أهلها.

ورغم ارتداء الحجاب بين الفتيات المراهقات الا ان ذلك، بحسب الناشطة الشبابية هيفاء حسن، quot;أسلوب لمظهر معين وليس نتاج التزام ديني ، بل ان مراهقات بدأن يتفنّن في ارتداء حجاب عصري يستجيب للموضة أكثر من استجابته لمتطلبات الشرع والدينquot;.

مؤشرات تدعو للقلق

وأشار تقرير تحليلي أعدته جامعتا بغداد والرافدين بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان العام 2011 الى ان مؤشرات تنمية الشباب تدعو للقلق حيث تصل نسبة الملتحقين بالتعليم الثانوي 21 في المائة فقط ومعدلات الأمية والبطالة بينهم مرتفعة حيث تجاوزت نسبة البطالة بين الشباب الذين تراوحت أعمارهم بين 15 و29 عاما نحو ستين في المائة.

وفي سعيها إلى تسخير طاقات الشباب والاستفادة من اوقات الفراغ لديهم، تخطط وزارة الشباب والرياضة العراقية لافتتاح نحو خمسين من المنتديات لتنمية المهارات والإمكانات الذاتية للشباب .

ومن جهة أخرى، يرى الشاب بكر هاشم (19 سنة ) ان التدخين بالنسبة له امر يتعلق بشخصيته، لانه دليل على استقلاليته واعتماده على النفس. ويتابع : quot;لا يمكن وصف التدخين ضمن العادات السيئة لان والدي يدخن، واذا حاول منعي فان عليه ان يتوقف عن التدخين اولاquot;.

ويسرّح هاشم شعره وفق ستايل غربي بطريقة quot;سبايكيquot;، محاولا لفت الأنظار الى أسلوبه في الحياة.

وفي منحى أكثر خطورة، يتناول سعد حسن (17 سنة) الحبوب المخدرة حتى في أوقات الدوام المدرسي، وفي الوقت ذاته فان بعض أصدقائه يقبلون على المشروبات الكحولية بين الفينة والأخرى بعيدا عن أعين الناس .

وما زال التحصيل الدراسي والمصاريف الشخصية موضع خلاف دائم بين حسن ووالده، الذي لا يسمح له بتجاوز الخطوط الصارمة التي وضعها له .

وبين سعي المراهق الى اقتناء التقنيات الحديثة مثل الموبايل الحديث الطراز، والملابس التي تتماشى مع الموضة، اضافة الى متطلبات أخرى، فان بعض الأسر تجد في ذلك نوعا من الترف الزائد، وتسعى الى اضطهاد الابن للكف عن متطلباته الكثيرة هذه ، وفي الوقت ذاته تسعى الى الضغط عليه لإجباره على العمل أو الدراسة .

الدعارة

ورصد الباحث الاجتماعي سليم حسن أكثر الظواهر خطورة بين المراهقين وهي الدعارة .

وأوضح انه على الرغم من انها ظاهرة محدودة وتجري في نطاق ضيق وبسرية كبيرة لكنها مرشحة للانتشار بسبب وسائل الإعلام، والانفتاح الاجتماعي، متمثلاً بانتشار الدعارة بين فتيات مراهقات في بيوت الدعارة والملاهي والنوادي الليلية .

ولفت إلى ان الظاهرة برزت كثيرا في سوريا حيث تعمل الكثير من المراهقات العراقيات في هذا المجال الا انها تزدهر اليوم بسرعة في العراق عبر فعاليات جنسية سرية .

وتتحدث الفتاة هناء حنا ( 22 سنة ) عن رحلة اهلها الى سوريا منذ خمس سنوات حيث اضطرتها الظروف المادية الصعبة الى جانب صديقات عراقيات حيث اضطرت إلى العمل في ملهى ليلي .

لكن اضطراب الأوضاع في سوريا اضطرها الى العودة الى العراق حيث تأمل في إكمال دراستها الثانوية.

وتقول هناء وهي تضع السيكارة في فمها ان الوقت يمضي سريعا بالنسبة لها بعدما قضت سنينا في عمل تصفه بالشائن . وتسعى هناء الى ترك مهنتها السابقة والعودة مجددا لممارسة حياة طبيعية بعيدة عن سهرات الليل . لكن هناء تعترف ان الضغوط الاقتصادية عامل حاسم في تحديد قدرتها على الصمود بوجه الإغراءات التي تقدم لها من قبل أصحاب النوادي الليلة ومتعهدي الحفلات.

وفي سياق متصل، يعد العراق اقل الدول المجاورة له في أعداد حمل المراهقات، لكن المعدل ازداد بشكل طفيف منذ العام 2003 و وصل إلى ذروته في العام 2005 لكن انخفض في السنتين الأخيرتين ، بحسب الطبيب سعيد كامل الذي له بحوث ميدانية في هذا الشأن .

لكن حالات الإجهاض في العراق استمرت على الوتيرةذاتها منذ التسعينات بين المراهقات، وهي ما زالت حالات قليلة مقارنة بأعدادها في دول العالم.

أصحاب سوابق

وبسبب ترك بعض المراهقين العراقيين للدراسة، فانهم يلجأون الى الشارع كمكان رئيس لقضاء يومهم اما عبر ممارسة اعمال معينة تجلب لهم قدرا من المال او عبر مرافقتهم لأصدقاء السوء .

وبسبب ذلك تحول الكثير من المراهقين والشباب الى أصحاب سوابق، ويروي سعد لفتة (18 سنة) كيف ان سبل العيش ضاقت به فاضطر الى سرقة بيت أودع على أثرها السجن، وفي الوقت ذاته يتحدث سعد عن أصدقاء له لم يتجاوزوا العشرين من العمر يمتلكون مئات الالاف من الدولارات .

ويرى الأخصائي في علم النفس كريم حسين ان اغلب الآباء في العراق يتصرفون مع أبنائهم المراهقين بصورة متعالية ، ولا يجيدون تبادل الحوار معهم .

وأشار الى ان البعض منهم لا يطيق الجلوس للحظات للاستماع الى مشاكل وأفكار الأبناء المراهقين.

وتابع: quot;اسأل بعض الآباء ممن يعانون منذ شذوذ أبنائهم المراهقين فيما اذا كانوا قد نظموا جلسات حوار معهم ، لكن النتيجة دائما سلبيةquot;.