في حوار خاص مع quot;إيلافquot; يتحدث الناشط السوري عبد الحميد سليمان عن تجربة اعتقاله قبل خروجه من البلاد. ويقول سليمان إن الهجوم على الزبداني كان متوقعاً بسبب صمود أهلها، مؤكداً أن النظام استغلّ الالتزام الديني في المجتمع، وصوّره كوحش نائم يهدّد استقرار البلاد حتى قبل بدء الحراك الثوري.


عبد الحميد سليمان... مهندس معماري، متخرج من جامعة دمشق، عمل متطوعاً في دير مارموسى مع الأب بوالو ديلايلو، ويعمل في مجال التوثيق والترميم والتصميم المستدام، رسام شارك في مجموعة ورشات عمل خارج سوريا، ويحضر لمعرض عن الثورة السورية.

شارك في الاحتجاجات ضد النظام السوري منذ اليوم الأول للثورة، واهتم بالتظاهر وسط الشام، وكان حاضراً في احتجاجات عرنوس والشعلان والقيمرية، وقبل انتشارها في الشام، شارك في مظاهرات الريف في حرستا والقدم خاصة.

قاد الهتافات في أول تحرك خرج في الميدان من جامع الحسن في الجمعة العظيمة، ثم اضطر للخروج خارج البلاد بعد اعتقاله، ومن ثم استدعائه إلى خدمة الجيش، وهو يحدثنا اليوم عن تجربته الشخصية، بوصفه أحد شباب الثورة، وهو الأناركي اللاديني، كما يصف نفسه.

عبد الحميد سليمان، شاب دمشقي المولد ومن الزبداني في الأصل، كيف كان شعورك عندما علمت بالمعارك المستعرة في الزبداني؟ وانتصار أهلها والجيش، بعد مفاوضات لتأمين انسحاب الجيش النظامي منها؟

كنت على اتصال وثيق مع النشطاء في الزبداني من قبل الحملة الأخيرة، وكنت على دراية بالاشتباكات التي شهدتها المدينة منذ أكثر من أربعة شهور، وكان معظمنا قد تنبأ سلفاً بأن الزبداني ستكون عصيّة على نظام الأسد، والسبب الرئيس لذلك هو الطبيعة الجغرافية لها بشكل أساسي، إضافة إلى خبرة الأهالي في التعامل مع محاولات النظام للسيطرة عليها، والتي امتدت طوال فترة حكم الأسد بحجة مكافحة التهريب والإرهاب، وكانت هذه الحملات تنال نصيبها من التعتيم، مع العلم أن آخرها كان في عام 2008 عندما أراد النظام معاقبة أهالي مضايا بالاستيلاء على أراضي كروم مضايا وتحويلها إلى مركز تحلية مياه الصرف، مما كان سيؤدي إلى تدمير الثروة النباتية في كل المنطقة، لكن لا يخفى على أحد أن كتائب الأسد، لو أرادت تسخير كل قوتها لاحتلال الزبداني، ستستطيع بالطبع، ولكنها ستتكبد خسائر كبيرة.

من الجدير بالذكر أنه منذ انطلاقة حركة الاحتجاجات في الزبداني، قامت كتائب الأسد بإجراء مناورات تدريبية هناك، وحاولوا التنقل بالدبابات بين الأحياء لإرهاب الأهالي مع تجربة وإمكانية مدرعات الجيشمن التنقل في المرتفعات، وأذكر أنهم جاءوا بدبابة وحاولوا الصعود بها إلى طلعة quot;السيلانquot;، وأخذت الدبابة بالانزلاق على الأسفلت، ولاحقاً جاءوا ببلدوزر لتخريم الزفت، وفشلت المحاولة، ومنذ شهور عدةانزلقت مدرعة على هذا الطريق، ودمّرت كلياً من دون أي مقاومة.

النصر الذي تم تحقيقه في الزبداني نصر في معركة، لا نصر في مجمل الحرب، وقد يؤدي هذا النصر إلى ازدياد حنق النظام على الزبداني، خاصة بعد تصريحات أوغلو الأخيرة، التي أشارت إلى أن من لا يستطيع مواجهة الزبداني، لن يستطيع مواجهة تركيا.

حدثنا عن رؤيتك للثورة في سوريا والحراك الشعبي فيها، وأنت الناشط في قيادة المظاهرات، وقدت أول تظاهرة في الميدان في قلب دمشق؟

لقد أعاد الحراك الثوري في سوريا الاعتبار والهوية إلى المواطن السوري المسلوب الكرامة على مدار خمسة عقود، في ظل حكم حزب البعث، فلطالما شعرت بالذل أثناء سفري إلى الغرب، عندما كنت أخبر أحدهم بأنني من سوريا، كنت أواجه بالاستغراب من هذا البلد، وبعد محاولاتي العديدة لشرح موقع بلدي على الخريطة، كنت دائماً ما أواجه نظرة ساخرة تردف بجملة (آه سوريا هي تلك البلد الذي مات فيها الرئيس، فورثه ابنه).

ومنذ انخراطي بالحراك في الثورة من اليوم الأول، اكتشفت وجهاً آخر لمعنى كلمة سوريا، اكتشفت الوجه الذي كان مطمورًا بالتراب، ومحفوراً عليه معنى الكرامة. أثناء نشاطي في دمشق وريفها تعرفت إلى معظم الناشطين فيهما، واكتشفت أن مناطق، كالحجر الأسود والقدم، هي معقل الأحرار، بعكس الصورة التي حاول ترسيخها إعلام النظام عن مناطق كهذه.

تعرفت إلى أطياف سورية لم أكن لأحتك بها من قبل، لا بل لم أحتك بأحد كما احتكيت بها أصلاً، كنا نمشي تحت الرصاص من دون أي تمييز، لأن الرصاص لا يميّز بين طائفة أو دين أو توجّه فكري أو جنس.

أعدت اكتشاف العديد من أصدقائي، وحتى إنني في الفترة التي كنت فيها مطلوباً ومتخفياً أقمت في منزل صديق سلفي رحَّب بي، على الرغم من معرفته بأنني شخص لا ديني، لا بل وكان يشاركنا العمل مع مختلف الشباب والصبايا، الذين ما كانوا ليلتفوا حول طاولة واحدة لولا الثورة.

إن المكسب الأهم من الثورة تم تحقيقه منذ اليوم الأول عبر التفاف السوريين حول بعضهم البعض، وتطور المستوى الفكري السوري، فبعدما كانتغالبية اهتمامات الشباب السوري منصبّة حول نشاطات متفرقة، بعضها كان غير مرغوب فيه، أصبح الشاب السوري ناشطاً ومتظاهراً وإعلامياً ومحللاُ ومسعفاً وبطلاً وشهيداُ ومعتقلاً، بعدما كان التركيز الأولي للشباب السوري هو التفكير في الهجرة إلى خارج الوطن.

هل تعتقد أن وصف النظام في سوريا للثورة بأنها ثورة quot;سلفيينquot; وquot;حزب الإخوان المسلمينquot;، والإسلاميين بوجه عام، ينكر حضور بقية التيارات غير الإسلامية على وجه التحديد فيها؟

المجتمع السوري بطبعه مجتمع محافظ وملتزم دينياً، لذلك وجد النظام الالتزام الديني شماعة ما انفكفيالمبالغة فيها، لجعلها وحشاً نائماً، يهدد استقرار البلاد، حتى قبل بدء الحراك الثوري، وازدادت سفاهة النظام باتهام الإسلاميين منذ اليوم الأول للحراك، وعزز محاولاته المستمرة للاستفادة من الالتزام الديني في تأجيج الوضع الطائفي في سوريا، وعلى الرغم من ذلك، كان جلياً أن النظام السوري فشل في هذه quot;البروباغنداquot; بالمجمل، والتفّ مختلف أبناء الشعب السوري حول الثورة، بغضّ النظر عن توجههم الديني، وفي المقابل من يجد أن الحراك السوري حراك إسلامي، فهذه أفضل حجة ليبرر جبنه من التضحية في سبيل الوطن.

الآن ونتيجة تجاهل المجتمع الدولي للقضية السورية، ازداد تمسك الثوار بالله بشكل عام، ولكن للأسف، بدأ بعض الانتهازيين، خاصة في الخارج، بمحاولة quot;أسلمة الثورة السوريةquot; من أجل مصالح شخصية، طمعاً في اغتصاب السلطة، خاصة بعد نجاح المدّ الإسلامي في معظم الدول التي طالتها رياح التغيير. مع ذلك، فمعظم النشطاء أدركوا أن الفقر والتصحّر السياسي سيؤديان إلى محاولات قطف ثمار الثورة قبل نهايتها، وأعتقد أن طول فترة الثورة ستزداد الخسائر من كل النواحي، ما سيسهم في فرز الانتهازيين، شيوعيين أو إسلاميين، أوأيًا كانوا.

كيف ترى مشروع الحل في سوريا كشاب سوري وفنان تشكيلي؟

يبقى تغليب لغة العقل على العاطفة في الوضع في سوريا هو الحل الأنسب، خاصة أن الأمور قد بلغت ما بلغته من التعقيد، ومن الطبيعي لأي حراك شعبي أن يرتكب أخطاء. أعتقد أنها كانت في سوريا أقلّ من الحد الأدنى، وهذا يدعو إلى التفاؤل، وأنا هنا لا أتكلم عن ردود الفعل، التي قد تحصل، أو حصلت على الأرض، ولكن من الواجب تحليل الأمور بمنطق وموضوعية بعيداً عن الانفعال والانسياق وراء الرغبات، فأنا بطبيعتي شخص quot;أناركيquot; ذو توجّه إنساني، لا أرى أن الدم سيكون حلاً، لكنني أدرك تماماً أن آلة القتل الأسدية لن تسقط إلا بالقوة، وأن ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة، ولكنني أيضاً أدرك وأحاول التوعية بأن الكفاح المسلح له سلبيات، يجب علينا تلافيها.

فبالنظر إلى تجربة المناضل quot;تشي غيفاراquot; نجد أنه على الرغم من حسن نيته، إلا أنه تسبب في تأسيس ملكية كوبا الجمهورية، التي تقع في ذيل ترتيب الدول، وأيضاً بالنظر إلى تجربة أسامة بن لادن، نجد مثالاً مشابهاً، ومن ناحية أخرى، نجد تجربة quot;هوشي منهquot; في فييتنام، وتجربة البوسنيين في حربهم مع سلوبودان ميلوسوفيتش، وغيرها من التجارب التي أدت إلى نصر حقيقي بعيد المدى.

حدثنا عن تجربة الاعتقال والخروج من البلد بعد ذلك

بدأت ملاحقتي من قبل فرع الأمن العسكري 215 في سوريا منذ بداية الشهر الخامس، وقد أتوا إلى منزلي الواقع في مشروع دمّر أكثر من مرة، وازدادت رغبتهم في اعتقالي، خاصة بعد مظاهرة الشعلان في 8 حزيران/يونيو، حيث انكشف أمر كل من شاركوا في المظاهرة، خاصة أنني ساعدت فدوى على الهروب من موقع المظاهرة، بعدما تعرّضت للإهانة من قبل الشبيحة.

بعدها بيومين مرّوا على المنزل، ولم أكن موجوداً، فاعتقلوا والدتي ووالدي كرهائن، كي يجبروني على تسليم نفسي، وفعلاً هذا ما حصل، وفور وصولي إلى الفرع، بدأ التحقيق معي، وقد أدركت أنهم يعرفون عني أكثر مما يجب، وأن لديهم تقارير وافية عن نشاطي، ومراقبة كاملة لمكالماتي الهاتفية، وضعت أول يومين في غرفة منفردة وحدي، وبعدها ضموا إليّ ثلاثة معتقلين لمدة أسبوع، كان المعتقلون من دمّر وبرزة ومحجة من درعا، اعتقلوا من مظاهرة في الميدان، كانت رفقتهم ممتعة جداً.

كان التعامل في هذا الفرع جيدًا نسبياً مع كل المعتقلين، ومعي بشكل خاص، كنت أستدعى إلى المحقق أكثر من 3 مرات يومياً، بينما لم يحققوا مع غيري أكثر من مرتين طول فترة اعتقالهم، وكان التحقيق معي ودياً، لأنهم كانوا يعرفون أنني شخص لا ديني، وكان المحققون دائماً ما يعاتبونني ويرون أنه يجب أن أكون في صفهم ضد الإسلاميين، حتى أثناء التحقيق كانوا يسمحون لي بالجلوس، ولمتكبّل يداي أو عيناي على خلاف الآخرين، لكن لم يخل الأمر من الإزعاجات الجماعية من قبل السجانيين، حتى إن أحد السجانيين كان لا يسمح لنا بالتبوّل إلا حتى نشهد أن لا إله إلا بشار، وأول مرة طلبت من هذا السجان الخروج لدورة المياه، سألني: quot;مين ربكquot;، وكان ينتظر مني ألا أقول quot;بشارquot; حتى ينهال عليّ بالضرب، فقلت له: لا رب لي، فكفّ عن مضايقتي.

أطلق سراحي مع باقي المعتقلين إلا الدرعاوي في منتصف الليل، ولم يسلمونا البطاقات الشخصية، وأعطونا رقم هاتف أحد العناصر، وقال لنا المحقق: quot;غداً مسيرة رفع أكبر علم في المزة، إنزلوا إلى المسيرة، واتصلوا بالعنصر أبو أحمد ليسلمكم هوياتكمquot;، وفعلاً في اليوم الثاني نزلنا إلى المسيرة ووقفنا جانباً من دون أي مشاركة، وثم اقتادونا إلى الفرع، وسلمونا الهويات.

بعدها اضطررت إلى تغيير كل شكل نشاطي، ولزمت الحيطة دائماً، وعلى الرغم من استدعائي للتحقيق مرات عدة، بمعدل مرة كل أسبوع، لم يتمكنوا من الحصول على أي دليل، وأثناء التحقيق كنت أنكر أننيما زلت معارضاً، لكنهم كانوا مدركين أنني لا أزال ناشطاً، وهنا هددوني بالسوق إلى خدمة العلم، مع أنني مؤجّل دراسياً حتى اليوم، وبعدما تم تبليغي رسمياً للالتحاق بخدمة العلم، آثرت الخروج من البلد على الخدمة العسكرية الأسدية، وخرجت بالتعاون مع أحد الضباط الشرفاء عن طريق حدود الأردن البرية، حيث إن اسمي كان معمّماً على الحدود، ومن الأردن قدمت فوراً إلى مصر.

ما رسالتك إلى المعارضة السورية، والمجلس الوطني السوري تحديدًا؟

معظم المعارضين السوريين من أصدقائي ومعارفي، منهم من أعرفه قبل الثورة، ومنهم من تعرفت إليه بعد وصولي إلى مصر، وأنا أوجّه إليهم رسالتي يومياً، وجهاً لوجه، للشرفاء منهم: بأن يكفّوا عن التبذير في الإنفاق فيالفنادق والطائرات، وأن يحوّلوها إلى الداخل السوري، فبحسابات بسيطة، نلاحظ أن رحلاتهم ومؤتمراتهم تكلف ما يزيد على المليون دولار شهرياً. أما المتاجرون فأطالب فضحهم بالسرعة القصوى، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر، أنس العبدة، الذي حصل على 6 مليون دولار تبرعات من الولايات المتحدة من بداية الثورة، والتي أثبتت بوثائق ويكيليكس، وادّعى الأخ أنس أنها لدعم قناة بردى العشوائية، وأخذ ينفقها مع جماعته على حملتهم الاننتخابية في جولاتهم حول عواصم العالم، عوضاً من أن يرسلها إلى عائلته، التي تعاني في مضايا وغيره الكثير من الأمثلة.