أثار قرار لجنة تحكيم عرفية طرد 8 أسر قبطية وأسرة مسلمة من قرية في محافظة الإسكندرية، على خلفية وجود علاقة جنسية بين شاب مسيحي وفتاة مسلمة، الكثير من الغضب بين نواب برلمانيين ونشطاء قبطيين. معتبرين أن هذه القرارات جائرة على الأقباط، وتزيد من إحتقانهم، فضلاً عن أنها تعدّ إهداراً لسيادة القانون، التي قامت الثورة من أجل تثبيتها، مطالبين بأعمال القانون، وتجاهل الجلسات العرفية، التي كان النظام السابق يتبعها في التعامل مع الملف القبطي.


تهجير جماعي لأقباط يثير غضب أوساط مصرية

صبري حسنين من القاهرة: بدأت الأحداث في قرية شربات في مدنية العامرية في محافظة الإسكندرية، تزامناً مع إحياء المصريين الذكرى الأولى لثورة 25 يناير، عندما تداول بعض أهالي القرية مقاطع فيديو على الهواتف النقالة، يظهر فيها شاب مسيحي مع فتاة مسلمة في أوضاع غير لائقة.
سرعان ما تطورت الأحداث، فهاجم الآلاف من الأهالي منزل أسرة الشاب، وأحرقوه، كما أحرقوا محالاً تجارية عدة مملوكة لثلاث أسر مسيحية أخرى، بعد تدخل كبيرهم بإطلاق النيران من سلاح ناري آلي، ما أدى إلى إصابة أربعة مسلمين بجروح خطرة، حيث تلقى أحدهم رصاصة استقرت في العنق، وآخر أربع رصاصات استقرت في الكبد والطحال والفخذ، ومازالوا يتلقون العلاج في المستشفيات.

تهجير 8 أسر مسيحية
تدخل محافظ الإسكندرية والقيادات الأمنية وعدد من القيادات القبطية والإسلامية، لاسيما القيادات السلفية في الأزمة، وعقدت جلسة صلح عرفية، إنتهت إلى تهجير أسرة الشاب والفتاة إلى خارج القرية، وإجبارهم على بيع منازلهم وممتلكاتهم، وعدم العودة إليها مرة أخرى.

شملت قرارات التهجير ست أسر قبطية، هم أعمام وأخوال الشاب القبطي، إضافة إلى أسرة التاجر المسيحي، الذي أطلق النيران أثناء الأحداث، فأدت إلى إصابة المسلمين الأربعة.

أحكام سلفية
ووفقاً لحنا فوزي عضو إتحاد شباب ماسبيرو في الإسكندرية، فإن الجلسة العرفية تمت برعاية قيادات السلفيين، مشيراً إلى أنهم هم من أصدروا الأحكام بتهجير الأسر المسيحية، بحجة الخوف على حياتهم وممتلكاتهم.

وأضاف فوزي لـquot;إيلافquot; أن الأقباط يرفضون مغادرة قريتهم، التي عاشوا فيها لسنوات طويلة، فضلاً عن أنهم يشعرون بالظلم الشديد، لأنهم يُعاقبون بطريقة جماعية على جرم هم منه أبرياء، إضافة إلى أن المتهم في القضية سلّم نفسه إلى الشرطة، ويحاكم حالياً أمام القضاء.

وأوضح فوزي أن الأزمة الأخطر هي أن منازل ومتاجر الأقباط تعرّضت للحرق والنهب، وقدرت الخسائر بنحو ثلاثة ملايين جنيه، ولكن لم يصدر حكم من الجلسة العرفية بتعويضهم، ولم يتم القبض على من أحرقوا تلك الممتلكات، ولم يقدموا إلى المحاكمة.

وفجّر فوزي مفاجأة بالقول إن المسلمين الأربعة المصابين بالرصاص لم يصابوا نتيجة إطلاق النار من المسيحيين، ولكن نتيجة إطلاق نار من تاجر مسلم أصابهم بطريق الخطأ، ورغم أنه مطلوب القبض عليه، لكنه مازال حراً.

غضب في الأوساط السياسية والقبطية
أثارت تلك القرارات موجة من الغضب في الأوساط القبطية والسياسية، وإنتقد بيان مشترك لـ11 منظمة وحزب سياسي تهجير أهالي القرية من الأقباط، وإحراق، ونهب منازلهم ومحالهم التجارية. وطالب البيان بضرورة إعمال القانون بصرامة، والكفّ عن الجلسات العرفية، التي كانت سائدة في عهد مبارك، وإلزام الجناة بإصلاح ما أفسدوه.

وقالت الأحزاب: إننا نتضامن مع الأهالي الرافضين لترك بيوتهم بغير سند من القانون، وندعو كل القوى السياسية الداعمة للدولة المدنية الحديثة القائمة على سيادة القانون والمساواة بين المواطنين إلى مساندة هؤلاء المواطنين الأبرياء، الذين يعاقبون بغير ذنب.

وحمّلت القوى السياسية، وفي مقدمتها حزب المصريين الأحرار، الذي أسّسه رجل الأعمال القبطي نجيب ساويرس، المجلس العسكري ووزارة الداخلية، المسؤولية عن الأحداث، وقالت: نحمّل المسؤولية كاملة للمجلس العسكري، الذي لم يرسل أي قوات أو قيادات لاحتواء الموقف، ووزارة الداخلية التي وقفت ساكنة عند اندلاع الأحداث، ثم أسهمت إسهامًا مباشرًا في تبديد حكم القانون، حين فتحت مقارها لإتمام جلسة صلح عرفية.

البرلمان يرفض
قدم نائب قبطي في البرلمان بيانًا لمناقشة القضية، وإلزام الجهات الرسمية في الإسكندرية بإيقاف تنفيذ قرارات اللجنة العرفية، وإعمال القانون، ولكن لم يناقش، بدون إبداء أسباب، غير أن النائب القبطي عماد جاد يفسّر تجاهل مناقشة القضية في البرلمان بأنها موافقة ضمنية من الإخوان والسلفيين، الذين يشكلون الغالبية، على سياسة العقاب الجماعي وتهجير الأقباط.

تصاعدت وتيرة الحديث عن الأزمة، بعدما قرر عدد من نواب البرلمان التصدّي لها، وقال النائب عمرو حمزاوي، في صفحته على موقع تويتر: quot;إن عشرين نائبًا سيقدمون للدكتور سعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب، طلبًا لتشكيل لجنة استطلاع ومواجهة بشأن تهجير أسر مسيحية وتعديات مختلفة على بعض المواطنين المسيحيينquot;.

وأضاف إن quot;لجنة حقوق الإنسان في المجلس تبحث الآن قضية تهجير أسر العامرية، وتكرار حوادث الاعتداء على المواطنين المسيحيينquot;.

حقناً لدماء المسيحيين
فيما أعلن النائب في البرلمان أحمد جاد عضو اللجنة العرفية، التي أصدرت قرارات التهجير، عن رفضه لها، ورفضه لسياسية العقاب الجماعي أو التهجير بشكل عام، لكنه أشار إلى أن القرار جاء درءًا للفتنة، وحماية وحقناً لدماء الأقباط، لاسيما أن الكثيرين من شباب المسلمين في القرية كانوا يسعون إلى إشعال نيران الفتنة، ويتربصون بهم لقتلهم أو إحراق منازلهم وممتلكاتهم.

إستمرار العقاب الجماعي
فيما أشار المستشار نجيب جبرائيل محامي الكنيسة إلى أن سياسية العقاب الجماعي للأقباط مستمرة منذ سنوات، وقال لـquot;إيلافquot; إن تلك السياسة ظهرت واضحة في أحداث محافظة قنا، عندما نشر شاب مسيحي رسوماً على صفحته على فايسبوك، إعتبرها المسلمون مسيئة إلى الرسول محمد، مشيراً إلى أنه تم إحراق منازل أسرة الشاب، إضافة إلى ثلاثة منازل مملوكة لأقباط، وأجبروا على الهجرة بعيداً عن قريتهم التي كبروا وترعروا فيها.

ولفت جبرائيل إلى أن سياسية التهجير أو العقاب الجماعي مرفوضة، وتتناقض مع مبادئ الدولة الحديثة، كما تتناقض مع مواثيق حقوق الإنسان الدولية، وتتنافى مع الشريعة الإسلامية. وشدد جبرائيل على ضرورة إعمال القانون في الملف القبطي، والكفّ عن الجلسات العرفية، التي تزيد الإحتقان لدى الأقباط، لاسيما أنها تهدر حقوقهم.