جزم خبراء أنّ التدخل السريع والفعّال للجيش الجزائري في موجة الصقيع التي ضربت البلاد في الأسبوعين الأخيرين، منع حدوث مأساة وطنية، وشدّد متخصصون في تصريحات خاصة لـquot;إيلافquot; على أنّ المؤسسة العسكرية عوّضت غياب الحكومة، بينما تعمّقت الهوة بين الشارع وحكامه.


تدخل الجيش

الجزائر: وسط تنامي مزاعم السلطة بشأن نجاح سياساتها التنموية وارتقائها بالأرياف والقرى، عانت ما لا يقلّ عن 32 ولاية كاملة الأمرّين بفعل ضعف الخدمات وشبكة الطرقات، حيث صارع قطاع واسع من السكان المحليين، لا سيما في المناطق الداخلية، الموت مع نفاذ المؤونة وندرة الإمداد بالغاز في بلد مصنّف بين كبار الدول النفطية.

إلا ان مدير الاتصال بوزارة الزراعة والتنمية الريفية، جمال برشيش فنّد ما تداولته مراجع محلية، معتبراً إنّ بلاده quot;لم تخسر الكثيquot;ر والأضرار ليست quot;بالضخامةquot; التي سعى البعض لتصويرها، رافضا إعطاء أي أرقام بحجة quot;أنّ الجهات المعنية لا تزال في مرحلة التقييم والمتابعةquot;.

وأكد برشيش إنّ اجهزته لم تبقى مكتوفة الأيدي خلال أزمة الثلوج، وقامت بتجنيد 250 فرقة متحركة نهضت بعمل جبار على مستوى عموم المناطق الريفية والجبلية، مثلما أنشأت خلايا يقظة عبر ولايات بجاية، البليدة، سطيف وغيرها، كما قامت بتدخلات سريعة ومهمة.

ولفت إلى أنّ الأضرار اقتصرت على عدد من مربي الدواجن والنحل والمزارعين بفعل تأثر الأشجار المثمرة مثل أشجار الزيتون بسبب كثافة الثلوج.

وطمئن المتحدث باسم وزارة الزراعة ان بلاده تمتلك مخزونا كبيرا من القمح بنوعيه والشعير، فضلا عن الخضروات سيما البطاطا، وهي مخزونات تستخدم في أوقات الأزمات.

الطرقات والجسور المنكوبة

quot;عجزquot; الحكومة

ومن جهة أخرى، رأى الخبير الدولي د.عبد الرحمان مبتول إنّ ما وقع أظهر مجدداً quot;عجز الحكومة وفشل منظومة تسيير بكاملهاquot;، معتبراً quot;أنّ بلاده ليس لديها حاليا حكومة، والدرس المُستخلص يرتسم على ثلاثة مستويات: لا وجود للحكومة، لا وجود للجمعيات، لا وجود للأحزابquot;.

وفي تقديره لحجم الخسائر، حدّد مبتول أنّها quot;تربو عن عشرات المليارات بفعل ما طال الزراعة والصيد البحري وسائر المرافق العامة كما الأملاك الخاصة، وما أفرزه تضاؤل ساعات العمل من أضرار بفعل عجز كثير من مستخدمي الإدارات والمصارف وغيرها بمزاولة وظائفهم على نحو منتظم لقرابة النصف شهر، بجانب إغلاق 2300 مدرسةquot;.

وأشار مبتول إلى quot;أنّ تسخير قوات عمومية من درك وأمن ودفاع مدني لفك الخناق عن الطرقات والمدن يعني رصد أموال كثيرة، تبعا لارتفاع موازنات الطوارئ والتدخل السريع واتساع موازنة قطاع الصحة، في وقت بدا جليا أنّ ندرة غاز البوتان ومحدودية الربط بغاز المدينة تحيل إلى انتفاء سياسة للطاقة في الجزائر، وهو أمر غير مفهوم بالنسبة لبلد أنفق أربعمائة مليار دولار على خطط التنمية خلال العقد الأخيرquot;.

وخلُص مبتول إلى أنّه quot;لولا تدخل الجيش كانت ستقع مأساة وطنيةquot; (الكارثة واقعة فعلا بنظر مراقبين)، مرجحاً أنّ الشارع كان quot;سينقلب على الحكومة والرئاسة لولا الدور الايجابي للجيشquot;.

ازمة توزيع الغاز

الإنعكاسات الإقتصادية

وبدوره لاحظ الخبير الإقتصادي بشير مصيطفى أنّ أثر التقلبات الجوية على النشاط الاقتصادي في بلاده كان واضحا، quot;إذ تراجع العرض والطلب في أسواق الاستهلاك، ويتعلق الأمر بتموين سوق الاستهلاك بالمواد الزراعية والغذائية بسبب التوقف الجزئي للنشاطات، ومصاعب واجهت الزراعة والصيد البحري وأدت إلى احتباسهما، تماما مثل السوق المالية وأسهم الشركات المدرجة في القطاعات المتأثرة بالاضطرابات الجويةquot;.

ورأى الخبير ان هذا الوضع quot;ضغط على الطلب نحو الارتفاع بسبب سلوك العائلات نحو التخزين، وسلوكهم في زيادة الطلب على المواد المعنية بالاضطرابات مثل أجهزة التدفئة وكذا الغاز، وهو ما حرّك أيضا التجارة في تلك السلع وسمح بتحقيق أرباح بالنسبة لقطاع من الشركات وتجار التجزئة، لكن في الوقت نفسه زادت من أسعار التجزئة وشجّعت السوق الموازية في الجزائر على منوال الاقتصاديات غير المنظمةquot;.

وربط مصيطفى تأثر البنى التحتية والاتصالات والمواصلات بفعل ما طال النقل والطرقات والموانئ والملاحة البحرية، ما كبّد quot;المتعاملين الاقتصاديين خسائر هامة جراء التعطلات، وكذلك الشركات التي خسرت جراء غيابات العمال

وتراجع ساعات العمل الانتاجي الفعلية، وسط انتعاش قطاع النسيج والقفازات وأحذية الشتاء وتجارة الوقود وزيادة الطلب على العمل الموسميquot;.

ومن جانبه، انتقد د.عمار يزلي أداء الدوائر الرسمية، ورأى أنّ السلطة القائمة، لا تعمل بذهنية quot;الدولةquot;، بل بمنطق quot;الحكومة المؤقتةquot; التي عليها مهام تسيير الأزمات إلى حين تعيين حكومة جديدة أو إطالة مدتها.

ورأى يزلي أنّ الدولة تتصرف بعقلية quot;الأجيرquot; أو العامل اليومي، لا بعقلية المالك، مضيفاً: quot;هذا بسبب عدم وجود ثقافة الدولة وهذه مأساة! حتى أنه لا أحد في السلطة يقول أنه مسؤول عن شيء محدد يدخل في اختصاصه مباشرة! الثلوج، وقبلها الجفاف، وقبلها الزلازل وقبلها وبعدها الفيضانات وبعدها وقبلها وأثناءها وما بينها..أزمات ندرة بعض المواد الأساسية..ومواد البناء..وانقطاع الكهرباء والماء والغاز في بلاد الغاز والوقود..الذين هم عليه قعود..كلها تؤكد أن مسؤول كل قطاع إنما يعمل بعقلية quot;الحتميةquot; والمفاجأة والتعامل مع الحدث، يكون بالتبرير غير المبرر في العادة!quot;.

وتابع يزلي: quot;نحن من سلالة لا نتهم أنفسنا أبدا! وعندما لا نجد في من نلصق التهمة نخلفها إلى الغير (الطبيعة وسوء الأحوال الجوية.)، فإن لم يكن الغير موجودا، نحملها لغير الغير إلى أن نصل إلى الاستعمار!quot;.

وأكد ان quot;هذه ميزة نختص بها نحن فقط! الخسارة، باهظة، تضاف إلى الخسائر التي تسبب فيها الفساد المالي وسوء التسيير وثقافة النهب الشاملquot;.

الأوضاع المأساوية تحت الثلوج

تأثير الأزمة على الإنتخابات المقبلة

وعن إنعكاس ما حدث على تعاطي المواطنين مع الانتخابات التشريعية المزمعة في العاشر من آيار/مايو القادم، رأى مبتول إنّ ما حصل quot;من تردي سيُفاقم المقاطعة أكثر، ما سيجعل الأخيرة هامة جدا إلا إذا اضطرت الحكومة كالعادة لتعبئة الصناديق، بشكل يتناقض رأسا مع إرادة الجزائريين الفاقدين للثقة في حكومة غير محايدة بمنظور الكثيرين، وعدم استجابة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للأصوات المطالبة بتعيين حكومة جديدةquot;.

وأشار مبتول إلى أنّ quot;الحجم الحقيقيquot; للأصوات التي حصلت عليها أحزاب الائتلاف الحاكم في تشريعيات 17 آيار/مايو 2007، لم يتعدّ 13 بالمائة من مجموع المسجلين في القوائم الانتخابية، وهو ما يبيّن وزن هذه الأحزاب المهيمنة على السلطةquot;.

وأضاف: quot;هذا الأمر ليس بخاف عن السفارات الغربية المهتمة بالنسبة الحقيقية للمشاركة في اقتراع الربيعquot;.

بينما اعتبر يزلي أنّ الانتخابات المقبلة إن quot;كانت شفافة، فإنها، مع ضعف المتنافسين بفعل التغييب القسري لعناصر المعارضة الراديكالية الدينية واللائكية على حد سواء، ستخرج المارد من قمقمه من جديد، على ضعفه هو الآخ، لكن هذه المرة، الكل فهم وحفظ الدرس، ولكن من غاب ليس كمن حضرquot;.