تقول تقارير إن النظام السوري أدرك أهمية وسائل الإعلام في الثورات، ولهذا السبب يعمل حالياً على استهداف الصحافيين وقتلهم، كي لا يتمكن العالم من معرفة حقيقة ما يجري على الأرض. لكن هذه الاستراتيجية لن تؤدي إلى أي نتائج إيجابية على المدى البعيد.


المصوّر الفرنسي ريمي أوشليك

أدى مقتل مراسلة صحيفة الـ quot;صنداي تايمزquot; البريطانية ماري كولفين والمصوّر الفرنسي ريمي أوشليك في حمص، إلى زيادة الضغوط الدولية على نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

quot;المركز الإعلاميquot; في حي بابا عمرو في مدينة حمص ليس أكثر من منزل أسرة يتألف من أربع طبقات، مزود بصحن لاقط للأقمار الصناعية على السطح. واضطر الصحافيون والمصوّرون على الانتقال إلى هناك، بعد الهجوم السابق الذي تعرّض لهم مقرهم السابق.

قبل أسبوعين، تحوّل الجزء العلوي من المنزل إلى أنقاض خلال زيارة قام بها طاقم تلفزيون quot;سي إن إنquot;، الذي وضع الأطباق الخاصة به على سطع المبنى لبثّ لقطات حية. لكن المقر تعرّض لهجوم، لم يتوقف، حتى تم تدمير أجهزة الإرسال والصحون اللاقطة.

في هذا السياق، تحدثت صحيفة الـ quot;غارديانquot; عن المخاطر التي يتعرّض لها الصحافيون والمراسلون في سوريا، مشيرة إلى أن النظام السوري استمر في مهاجمة الصحافيَين كولفين وأوشليك، إذ أظهرت لقطات على شاشات التلفزيون الحكومي يوم السبت صوراً لرفاتهما، متهمة إياهما بأنهما quot;جواسيسquot;.

تعلّم نظام الأسد دروساً مستفادة من الربيع العربي، وتحديداً ما يتعلق بالتعامل مع وسائل الإعلام، سواء مع الصحافيين الأجانب أوالمحليين على حد سواء. وأشارت لجنة حماية الصحافيين في تقرير صدر منها عام 2011، إلى أن النظام سارع إلى فرض تعتيم إعلامي قسري بمجرد بدء الاحتجاجات في آذار/مارس الماضي.

وانتهج النظام السوري سياسة اعتقال وطرد الصحافيين الدوليين والمراسلين المحليين الذين حاولوا تغطية الاحتجاجات.

إضافة إلى ذلك، عمد النظام إلى تعطيل الهواتف النقالة، والهواتف الأرضية، والكهرباء، وشبكة الانترنت في المدن، التي اندلعت فيها الاحتجاجات، واستخدمت العنف ضد الصحافيين، للحصول على كلمات السر لمواقع وسائل الإعلام الاجتماعية، من أجل السماح للجيش السوري الإلكتروني، وهو مجموعة موالية للحكومة عبر الانترنت، لاختراق المواقع ونشر التعليقات المؤيدة للنظام.

وتابع تقرير لجنة حماية الصحافيين: quot;في أبريل/نيسان، أغلقت قناة الجزيرة مكتبها في دمشق، بعدما تعرّض العديد من الصحافيين العاملين فيه لمضايقات وتهديداتquot;.

كما إنه بعد ثلاثة أيام من الإعتداء الوحشي على رسام الكاريكاتير السوري الشهير علي فرزات في آب/أغسطس، أصدرت الحكومة قانونًا إعلاميًا جديدًا quot;يحظّرquot; اعتقال وسجن الصحافيين، ويسمح بقدر أكبر من حرية التعبير.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، كان المصوّر فرزات جربان أول صحافي يقتل في سوريا أثناء أدائه عمله. وقتل المصوّر الفرنسي جيل جاكيه، في مدينة حمص في كانون الثاني/يناير، بينما كان في رحلة صحافية برعاية الحكومة، التي ألقت اللوم على مقاتلي المعارضة، ليتبين في ما بعد أن الجنود المرافقين له نصبوا له فخاً، وفقاً لما قاله زميلان سويسريان كانا ضمن الرحلة.

ووفقاً للنهج الذي اعتمده النظام تجاه الصحافيين، اعتبر التلفزيون السوري أن الصحافيين، الذين يدخلون حمص بشكل غير قانوني quot;جواسيسquot;، ومن ضمنهم أنطوني شديد، مراسل صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot;، الذي انهار ومات في سوريا قبل أيام قليلة.

وحذر النظام السوري المراسلين، الذين يدخلون معاقل المعارضة بشكل غير قانوني لتغطية التظاهرات، بأنهم سيتعرّضون للقتل.

وفي الأسبوع الماضي، ظهر العديد من الدلائل التي تشير إلى أن النظام نفذ ما توعّد به، وذلك بعدما تعرّضت مجموعة من الصحافيين الأجانب في حمص إلى هجوم، إضافة إلى رامي السيد، وهو صحافي مواطن، كان يصوّر التظاهرات في حي بابا عمرو، الذي يعتبر في طليعة الاهتمام الدولي.

وأشارت الـ quot;غارديانquot; إلى أن الثورة في سوريا لم تعد مجرد صراع بين نظام وحشي، وأولئك الذين يريدون إسقاط الحكم، بل تحولت أيضاً إلى حرب على المعلومات ووسائل الإعلام: رغبة محسوبة في تدمير مراكز المعارضة وتمزيقها ومحو كل من يحاول التحدث عن الأمر أو نقل الأحداث.

يوم الجمعة، تحدث خافيير أسبينوزا من صحيفة quot;أيل موندوquot; الإسبانية عن صعوبات المراسلة من حمص في سلسلة من الرسائل على quot;تويترquot;، بعدما نجا من هجوم أدى إلى مقتل وجرح أربعة من زملائه، بما في ذلك كولفين، في الأسبوع الماضي.

وقال أسبينوزا: quot;أتمنى إجراء مقابلة مع الشخص الذي يطلق قذائف الهاون في الوقت الراهن، وأود أن أسأله عمّا لديه ليقوله، وهو يطلق آلاف الأطنان من الشظايا التي تقتل الناسquot;.

حرب الأسد على وسائل الإعلام وعلى الشعب السوري لن تؤدي إلى أي نتيجة إيجابية على المدى البعيد. وعلى الرغم من أنها دفعت الصحافيين إلى الخروج من سوريا، إلا أنه من المؤكد أنهم سيعودون أكثر تصميماً لنقل ما يحدث إلى العالم أجمع.

ومع وفاة مراسلة الـ quot;صنداي تايمزquot; ماري كولفين والمصور الفرنسي ريمي أوشليك في حمص خلال الأسبوع الماضي، يرتفع عدد القتلى من الصحافيين في سوريا في هذا العام وحده إلى ستة أشخاص.

وفي عام 2011، قتل ما لا يقلّ عن 66 صحافيًا في أنحاء العالم كافةأثناء أداء مهمتهم، أي بارتفاع نسبته 16% عن العام السابق، مع 17 حالة وفاة بين الصحافيين الذين يغطون انتفاضات الربيع العربي.

ومن هذه الأرقام، 10 قتلى في باكستان، و5 في ليبيا، من بينهم المصور والصحافي البريطاني الحائز جائزة تيم هيثرنغتون، ومصوّر قناة الجزيرة علي حسن الجابر.

إلى جانب هذه الأحداث المؤسفة في العالم العربي، أشارت صحيفة الـquot;غارديانquot; إلى أن روسيا تعتبر أيضاً مكاناً خطراً بالنسبة إلى الصحافيين، بسبب الحدود القصوى المفروضة على حرية التعبير. وقتل تسعة وأربعون شخصاً منذ العام 1992، بما في ذلك معارضة الكرملين آنا بوليتكوفسكايا، التي قتلت رمياً بالرصاص في العام 2006.

أما الدولة الأكثر دموية بالنسبة إلى الصحافيين في السنوات العشر الماضية فهي العراق، حيث قتل فيها151 صحافياً منذ عام 1992، لتأتي الفلبين في المرتبة الثانية حيث قتلفيها 72 صحافياً.

وتشير هذه هذه الأرقام إلى أن العمل الصحافي بهدف تغطية انتهاكات حقوق الإنسان بات مهمة خطرة ومميتة، أكثر من تغطية الجرائم والحرب والفساد.

وأدت الاحتجاجات في الشوارع في بلدان أخرى، مثل اليونان، وروسيا البيضاء، وأوغندا، وتشيلي، والولايات المتحدة،إلى موجة من الاعتقالات، من 535 صحافياً في العام 2010 إلى 1044 في عام 2011، وفقًا لمنظمة مراسلون بلا حدود.

وتعرّضت أثيوبيا لانتقادات في العام الماضي على خلفية سجن اثنين من الصحافيين السويديين لتغطية التمرد على حدودها مع الصومال. وتسبب هذه الدولة قلقاً دولياً متزايداً بسبب سياساتها القاسية تجاه الصحافة.

وقتل تسعة صحافيين عاملين عبر الانترنت في عام 2011، بما في ذلك المراسلة المكسيكية ماريا إليزابيث ماسياس كاسترو، التي عثر على جثتها مقطوعة الرأس قرب نويفو لاريدو، مع رسالة أشارت إلى أنها قتلت عقاباً على نقلها الأخبار على مواقع وسائل الإعلام الاجتماعية.