غالباً ما يحرر طلب المال المرء من الاعتبارات الأخلاقية

ربما كان الاعتقاد السائد هو أن الفقراء، في سعيهم الى حياة أفضل - يضربون بالقيم والأخلاق عرض الحائط. لكن دراسة أكاديمية أميركية تشير الى العكس، وأيضا الى أن الأزمة المالية العالمية جاءت جزئيا كناتج لجشع الأثرياء.


لندن: أبناء الطبقات الرافلة في اليسر ورغد العيش ذوو قابلية للكذب والخداع وانتهاك القانون تفوق تلك الموجودة لدى الأقل حظا منهم في الحياة، وهذا ايضا صحيح عندما يتعلق الأمر بمراعاة التأدب والشفافية في التعامل مع الآخرين.

هذا هو ما خلصت اليه دراسة أجراها باحثونفسانيونفي جامعة بيركلي الأميركية، كاليفورنيا، الذين قالوا إن الأمر يستند الى دعائم علمية. وقالوا ايضا إن النتائج تساعد على فهم الأسباب وراء أزمة المالية ومسالك البنوك الصادرة حول العالم. والرابط المباشر على هذا المستوى هو نوع الثقة المفرطة التي يتمتع بها المصرفيون (ميسورو الحال بطبيعة وظائفهم) والتي تدفع بهم الى مغامرات مالية يمكن بسهولة تصنيفها في خانة laquo;الطائشةraquo;.

ونقلت الصحافة البريطانية عن الدكتور بول بيف، الذي ترأس فريق الباحثين، أنه طُلب الى متطوعين من مختلف فئات المجتمع تأدية عدد من المهام كان الغرض منها هو التعرف إلى خصال عدة مثل الأمانة والرفق بالآخرين. وطُلب ايضا الى كل منهم الإجابة على أسئلة تتعلق بتعليمهم الأكاديمي وخلفياتهم الاجتماعية ومستوياتهم المعيشية ونظرتهم الى المال، بهدف تصنيفهم في فئات محددة.

وشملت المهام الموكلة الى كل من المتطوعين تخيل أنه مخدِم يجري معاينة مع متقدم للحصول على وظيفة، وغرضه هو معرفة ما إن كان هذا الأخير يكذب أو يلتف على أسئلة صعبة من أجل تحسين فرصه في نيل راتب أفضل. وقيل للمتطوع إنه يعلم أن هذه الوظيفة ستكون موقتة لا تتعدى ستة أشهر، ولكن تُرك له الباب مفتوحا لإخفاء هذه الحقيقة - إذا أراد - عن المتقدم لها.

ثم أتيح لفريق من المتطوعين المقامرة بلعبة على الإنترنت ترتفع قيمة جوائزها على علو ما يأتيه به النرد، وطلب الى كل منهم تسجيل أرقامه بعدما طُمئن الى أن لا أحد سيتوثّق مما يسجله. واُخضع فريق آخر من المتطوعين لتجربة اعطي فيها كل منهم laquo;سيناريوraquo; لموقف معين في مكان عمله يتخلله تصرف لا أخلاقي. ثم طلب اليه ما إن كان هو نفسه سيتصرف على نحو مماثل لو أن هذا السيناريو حدث له.

وسجل الباحثون ايضا ملاحظاتهم في ملتقى طرق معين في مدينة سان فرانسيسكو وقيّموا الطريقة التي يتصرف بها السائقون (فريق المتطوعين الثالث)، وهذا بعين على خلفياتهم الاجتماعية وطرازات السيارات التي يقودونها إضافة الى أشياء أخرى مثل أعمارهم.

وبشكل عام فقد لاحظ الباحثون، كما قالوا، بعد كل هذه التجارب أن نتائجها تشير الى أن اولئك الذين يتمتعون بيسر الحال أو الثراء يميلون الى الطمع والجشع والكذب لتحقيق مآربهم. وخلصوا الى أن laquo;للمكانة الاجتماعية العالية، سواء أكانت موروثة بالميلاد أو مكتسبة، رابطاً لا تخطئه العين بالسلوك واتخاذ القرار على أسس لا ترتكز بالضرورة الى الأخلاقياتraquo;.

ويقول الدكتور بيف إن سمو المكانة الاجتماعية يقود صاحبه على الأرجح الى أنماط سلوكية أنانية وإغفال لمشاعر الناس بشكل يزيد كثيرا عما لدى الآخرين أصحاب المكانة الأدنى.

ويضيف قوله إن نتائج الدراسة تعزز في ما يبدو تعاليم أرسطو وأفلاطون والأديان القائلة إن الطمع هو جذر السلوك اللا-أخلاقي.

أرسطو: الطمع جذر السلوك اللا- أخلاقي

ويقول هذا الباحث إن المنطق البسيط يقول إن عيش الفقير في جو يتسم بقلة الموارد والمخاطر والمستقبل المعتم يدفعه بشكل طبيعي نحو التحرر من قيود الأخلاق حتى ينطلق الى وضع أفضل مما لديه. لكن الدراسة تثبت العكس تقريبا، وهو أن الموارد الكبيرة والحرية وغياب الحاجة للاعتماد على الآخرين لدى الثري تدفع به نحو التركيز على نفسه وطلب المزيد من هذا الوضع المريح إن لم يكن الأفضل منه. ومن هنا يبدأ الطريق نحو التخلي الحقيقي عن الوازع الأخلاقي.

ويخلص أخيرا الى أن الدراسة تفسر على نحو ظاهر مظاهر عدة أبرزها أن الأزمة المالية الحالية إنما هي في جزء كبير منها نتاج لطمع الأثرياء وسعيهم اللاهث وراء المزيد من رغد العيش. ويضيف قوله إن الأديان على تعددها لم تكن على خطأ عندما طمأنت أصحاب الحاجة الى أن الفقر من ممهدات الطريق الى الجنة.