ظاهرة الزواج العرفي تنتشر بين الطلاب في تونس

انتشرت أفكار جديدة وسط الشباب التونسي خاصة بعد ثورة 14 يناير ساهمت في شيوع ظاهرة الزواج العرفي بين طلاب الجامعات، حالة اعتبرها البعض شرعية فيما أنكر آخرون شرعيتها، مع الإشارة إلى أن ما ساهم بتغلغلها هو وجود التيار السلفي في صفوف الشباب.


تونس: اجتاحت ظاهرة الزواج العرفي الجامعات التونسية واقتحمت صفوف طلبة يعتنقون أفكاراً جديدة انتشرتبعد ثورة 14 يناير 2011 وزاد في تغلغلها انتشار التيار السلفي في صفوف الشباب.

ولعل أبرز حادثة زواج عرفي حصلت مؤخراً بين بعض المعتصمين في كلية الآداب في محافظة منوبة (الشمال الشرقي للبلاد التونسية) المدافعين عن ارتداء النقاب في الجامعات والكليات التونسية على اعتبار أن ارتداء النقاب لم يكن منتشراً من قبل في الشارع التونسي أو المؤسسات التعليمية والإدارات.

طالب أحدهم برفع النقاب عن وجه المنتقبة الراغب في الزواج منها فقالت له :quot;لا يجوزquot; فأجابها quot;جائز للتقليبquot; مصطلحات وممارسات غريبة جداً عن المجتمع التونسي الذي طغىعليه الطابع الحداثي.

وحول quot;الزواج العرفيquot;، قال عثمان بطّيخ، مفتي الديار التونسية، في تصريح أدلى به لإحدى وسائل الإعلام،quot;إن هذا النوع من العلاقات ليس سوى زنا و خناء لغياب أركان الزواج الصحيحة وشروطهquot;، مؤكّداً على براءة الإسلام من إباحة هذا النوع من العلاقات ومتأسّفاً على وقوع الفتيات في فخّ هذه العلاقات التي تضرّ بصحتهنّ وسمعتهنّ.


أليس الزواج العرفي حلاً

quot;في مجتمعنا التونسي الحب والارتباط للفتاة مسموحان لكن في الخفاء حتى لا يقال عنها أنها تعدّت حدود التقاليد والعادات، لكن ماذا لو تطور هذا الحب إلى درجة quot;الخطيئةquot;، تلك الجريمة التي يغفرها الله سبحانه وتعالى بالتوبة لكن لا يغفرها المجتمع أبداً ويحكم فيها على الفتاة بأنها خائنة ومخطئة ولا يجب أن تفلت من العقاب، وبذلك تتحول من فتاة عفيفة إلى امرأة لها ماضٍ وتقع تحت رحمة من لا يرحم من بشر ومجتمع، فهل تقبل بالزواج من هذه المرأة؟ أليس الزواج العرفي حلاً؟quot;

هذا ما ورد على إحدى صفحات الفيسبوك تحت عنوان quot;نطالب بالزواج العرفي في تونسquot;، صفحة ضمت تعليقات مختلفة واقتراحات متعددة تحت طائلة العفة والشرف ودعاة الشريعة الإسلامية ومن سبقونا إلى الأرض من الأئمة والأتقياء .

وهو كلام لم ينفِه الشاب بدر الدين أو quot;حامي الإسلامquot; كما يسميه بعض أصدقائه، حيث أكد أنه متزوج منذ سنة تقريباً، وهو من المؤيدين للزواج العرفي لأنه حسب رأيه يحفظ الزوجين من الخطيئة ويشرع علاقتهما ويمنح للزوجة حقها في ممارسة حياة زوجية شرعية، ولا يكتفي الشاب بالزواج من واحدة بل ينتظر أن يتخرج ليتزوج من ثانية وربما ثالثة ورابعة طالما أن الزواج غير مكلفٍ، وهو مشروع وحق من الحقوق التي تضمنها الشريعة الإسلامية.

انتشر الحديث عن الزواج العرفي (خاصة على خلفية تصريحات وزيرة شؤون المرأة في حكومة الترويكا التي أحدثت ضجّة مماثلة بقولها quot;إن الزواج العرفي حرية شخصيةquot;) بين صفوف الطلبة والمراهقين واستحسنتها بعض الفتيات ممن فاتهنّ قطار الزواج فلم يجدن حلاً إلا اللجوء إلى الزواج العرفي لممارسة علاقة عاطفية مع رجل متزوج تحت غطاء الشرعية المنكرة، ولإقامة علاقة يرفضها المجتمع والتقاليد.

في تصريح أدلى به الأستاذ عبد الفتاح مورو،أحد أبرز الوجوه القيادية في حركة النهضةلوسائل الإعلام، قال فيه،quot;إن الزواج العرفي ليس سوى محاولة لإعطاء شرعية وهمية لعلاقات جنسية خارج quot;إطار مؤسسة الزواجquot;، مضيفاً:quot;احذروا لأن علاقات الزواج التي تدّعون إقامتها تحت مسمّى quot;العرفيquot; هي علاقات غير شرعية وباطلة وفيها اعتداء على حرمة الفتيات اللواتي يقع التغرير بهنّ والإيحاء لهنّ بأن مجرّد إبرام quot;عقدquot; شفوي يحضره شاهدان كافٍ لتشريع علاقات جنسية وحياة دائمة بين الرجل والمرأة رغم عدم توفّر بقية أركان الزواجquot;.

نموذج جديد للزواج

في تصريح خص به quot;إيلافquot;، يقول الدكتور بلعيد أولاد عبد الله، أستاذ وباحث جامعي ورئيس الشبكة التونسية للاقتصاد الاجتماعي، إن المجتمع التونسي لم يكن بمنأى عن التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، حيث عرف أنماطاً من مؤسسات الزواج انطلقت من الزواج بـquot;الكلمةquot;، من دون توثيق بل بمجرد اتفاق بين عائلتين، إلى الزواج القائم على تعدد الزوجات، وقد قدمت مجلة الأحوال الشخصية التونسية نموذجاً جديداً للزواج يمنع تعدد الزوجات ويحدد الحقوق والواجبات، ورغم هذه التحولات الاجتماعية الثقافية الضاربة في القدم، والتي كرست ثقافة مؤسسة الزواج، يشهد المجتمع التونسي - خاصة بعد الثورة- بعض المحاولات لطرح أفكار وإيديولوجيات جديدة أو متجددة حول مؤسسة الزواج ومنها الزواج العرفي.

وحول تفسيرات تزايد هذه الظاهرة، يشير الدكتور بلعيد في حديثه لـquot;إيلافquot; إلى تعطش المجتمع التونسي للحوار الثقافي والسياسي والتوجه الديموقراطي، والحقوقي الشامل الذي يفسح المجال لكل طرف بتقديم آرائه و تصوراته إما داعماً للزواج العرفي أو رافضاً له. ويقول إن البعض يبرر ذلك بطرح فكري ديني والآخر يرفضه لأجل تعارضه مع مبادئ حقوق الإنسان وخاصة المرأة .

أما من الناحية الاجتماعية، فيعتبر محدثنا أن مسالة طرح الزواج العرفي في المجتمع التونسي فكرة غير متناغمة مع التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، التي عاشها هذا المجتمع وخاصة الخصائص السوسيوديمغرافية لسكان هذه البلاد، قد يتصور البعض ndash; غير المختصين- أن الزواج العرفي قادر على القضاء على العنوسة، التي تثبت الدراسات أنها تستهدف النساء والرجال على حد السواء، بل إن المنطق العلمي يدعو إلى تشخيص العوامل الرئيسية وراء هذه الظاهرة وخاصة الآثار على مستوى الحقوق والواجبات وإثبات النسب وغيره.

وفي نهاية تصريحه يقول الباحث، إن طرح الزواج العرفي في المجتمع التونسي خاصة والمجتمعات العربية والإسلامية عامة، يعكس مدى حاجة هذه المجتمعات إلى الدراسات الاجتماعية العلمية والى البرامج الاجتماعية والتواصلية بهدف التوعية والإرشاد والتوجيه.

الشرعية الدينية

الزواج العرفي حسب ما أكده الأستاذ في القانون والمحلل السياسي ماجد البرهومي لـquot;إيلافquot; فهو quot;باطل مجرّم في القانون التونسي حيث جاء في القانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرخ في غرة أوت 1957 والمتعلّق بتنظيم الحالة المدنية وتحديداً بفصله الحادي والثلاثين، بأن عقد الزواج في تونس يبرم أمام عدلين أو أمام ضابط الحالة المدنية بمحضر شاهدين من أهل الثقة، ويبرم عقد زواج التونسيين بالخارج أمام الأعوان الدبلوماسيين أو القنصليين التونسيين أو يبرم العقد طبق قوانين البلاد التي يتمّ فيهاquot;.

وحسب تصريح الأستاذ البرهوميفقد جرم القانون المشار إليه بفصله السادس والثلاثين الزواج بخلاف الصيغ المشار إليها. فإضافة إلى بطلان الزواج الذي لا يبرمه من تمت الإشارة إليهم يعاقب الزوجان بالسجن مدة ثلاثة أشهر، وإذا استأنف أو استمرّ الزوجان في المعاشرة رغم التصريح بإبطال زواجهما يعاقبان بالسجن مدة ستة أشهر.

فمن حق الدولة أن تضبط في سجلات الحالة المدنية الزيجات المتعلقة بمواطنيها فمثلما للبشر سجل، للعقارات أيضا سجل وكذلك السيارات وغيرها.

ويقول إن الدول التي تحترم نفسها وتحترم مواطنيها لا بد أن تحفظ هذه المسائل في سجلات تكون مراجع لإثبات النسب أو للمطالبة بالحقوق وهي ميزة من ميزات البلدان المتحضرة. لذلك فالكتاب المحرر من قبل من تمت الإشارة إليهم ضروري لصحة الزواج من الناحية القانونية.

ويؤكد الأستاذ البرهومي أن الزواج بحسب الصيغ القانونية يحفظ للمرأة حقوقها وللأطفال نسبهم.

فلو فرضنا أن زواجاً أبرم بخلاف الصيغ القانونية أي ما يسميه إخواننا المشارقة الزواج العرفي، وتوفي الشاهدان إن كان هناك شاهدان أصلاً، وأنكر الزوج أية رابطة له بالمرأة المتزوج بها وحملت هذه المرأة، فما مصير هذا الجنين؟ حتى وإن تمكن من إثبات نسبه بقضية قد يتم فيها اللجوء إلى التحليل الجيني، فإنه سيصبح في نظر القانون إبناً طبيعياً والإبن الطبيعي لا يتمتع بحقوق الإبن الشرعي كاملة، فهو محروم من الميراث مثلاً هذا من دون الحديث عن نظرة المجتمع إليه.

فالزواج العرفي ظلم للأبناء وللمرأة على حد سواء، وكذلك بالنسبة إلى الرجل. لذلك حرص المشرع على تنظيم مؤسسة الزواج من خلال ضبط صيغ شكلية لا بد من إتباعها وجرّم من يخالف هذه الصيغ وأقرّ لجرمه عقوبة سالبة للحرية، حفاظاً على الأسرة بالدرجة الأولى.

ويقول الأستاذ البرهوميإن من ينادون اليوم بعدم تجريم الزواج العرفي من التيارات الدينيةوجب عليهم أن يفهموا بأن الزواج بحسب الصيغ القانونية الذي أقره المشرع التونسي غير منافٍ للشريعة الإسلامية ومستوحى منها، وهو زواج تام يتضمن الرضا والقبول والإشهار والتثبت من خلو كلا الزوجين من الموانع الشرعية وغيرها إلا أنه يفرض شكلية الكتب وتحرير العقد من المختصين وإيداع الكتب بسجلات الحالة المدنية للبلاد.