حتى وإن توحدت الحركة الأمازيغية المغاربية في العديد من أهدافها، فهي تختلف في الوسائل، كما أن مكاسبها تتنوع من بلد إلى آخر، بحسب واقعها في دول المنطقة. علمًا أن الأمازيغية هي لغة سكان شمال أفريقيا منذ أقدم العصور لكنها بسبب تباعد الأمصار والمناطق تفرّعت إلى لهجات عديدة.


مظاهرة في ليبيا الجديدة في طرابلس تطالب بحقوق الأمازيغيين

بوعلام غبشي من باريس: يؤكد الباحث والناشط الأمازيغي محمد عصيد أن الدستور الجديد وضع الأمازيغية في المغرب في موقع متقدم مقارنة مع واقعها في باقي بلدان المنطقة المغاربية، وبالتحديد في الشق quot;القانونيquot;، مفسرًا ذلك بكون quot;هذه البلدان لا تعترف بوضعية quot;اللغة الرسميةquot; للأمازيغيةquot;.

quot;ففي الجزائرquot;، يقول عصيد في تصريح لـquot;إيلافquot;، quot;تعتبر الأمازيغية في الدستور مجرد لغة وطنية، وهو وضع لا يلزم أيًا من المسؤولين باستعمال الأمازيغية داخل المؤسسات، بينما في المغرب يقرّ الدستور بضرورة وضع قانون تنظيمي، يحدّد كيفية إدراج الأمازيغية في كل مناحي الحياة العامة، وهذا هو معنى اللغة الرسميةquot;.

أما في تونس وليبيا، يضيف عصيد، فـquot;الأمازيغية ليس لها بعد، أي موقع يذكر، حيث ما زال النقاش جاريًا بعد الثورات من أجل وضع دساتير ديموقراطية لهذين البلدين، ويعمل الفاعلون الأمازيغيون هناكعلى الضغط بشتى الوسائل السلمية من أجل التذكير بمطالبهم، في حين تعود المواقف المتشدّدة باسم quot;العروبةquot; أو باسم الإسلام، لكي تحاول اعتراض تحقيق هذا المطلب، من أجل الحفاظ على اللغة العربية كلغة وحيدة للدولة، والإستمرار في التعامل مع لغة وثقافة الأمازيغيين على اعتبارهما دونيتينquot;.

يعتبر عصيد ذلك quot;استمرارًا في تكريس التمييز اللغوي والثقافي ضدّ الأمازيغيين، الذين هم السكان الأصليون لشمال أفريقيا، والذين ما فتئوا يطالبون بالمساواة في إطار المواطنة مع غيرهمquot;.

العناصر المشتركة
وعن العناصر المشتركة فيها بين دول المنطقة المغاربية، يقول عصيد إن الأمازيغية، quot;هي لغة سكان شمال أفريقيا منذ أقدم العصور، وقد ورد ذكرها في العديد من المصادر التاريخية القديمة، لكنها بسبب تباعد الأمصار والمناطق والأقطار تفرّعت إلى لهجات عديدة تتباعد أو تتقارب حسب المناطق والقبائل، ولكن الأساسي هو أن لدى السكان الأمازيغيين، الناطقين بهذه اللهجات، شعوراً بالإنتماء إلى الهوية الأمازيغية الواحدة، وهذا ما جعلهم موحّدين ومتضامنين في نضالهم المشترك ضدّ التمييز اللغوي والثقافي وضدّ السياسات العمومية التي تمّ اتباعها من قبل الأنظمة الإستبدادية التي ترسّخت في هذه المنطقة.quot;

ليصل إلى القول: quot;إن لكل بلد خصوصياته في الأمازيغية نفسها، لكن هذا لا يعني عدم وجود عناصر مشتركة، فأمازيغيو ليبيا يستعملون مفردات عديدة نجدها لدى الشاوية في الجزائر ولدى أهل الريف في شمال المغرب، كما أن معجمًا غزيرًا يتقاطع بين منطقة القبائل في الجزائر ومنطقة سوس المغربية، ويعمد العديد من الباحثين اللسانيين إلى استلهام معجم quot;الطوارقquot; الذين هم أمازيغيو الصحراء، نظرًا إلى غناه وحفاظه على الكلمات التي انقرضت في بعض اللهجات المستعملة في البلدان المغاربيةquot;.

ويزيد متابعًا:quot;نجد أن تجربة تدريس اللغة الأمازيغية قد اعتمدت في المغرب معاجم تكميلية من منطقة القبائل الجزائرية، واعتمد الليبيون معجم الأستاذ محمد شفيق من المغرب، كما يكتبون الأمازيغية بعد الثورة بحرف تيفيناغ، الذي أرساه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في المغرب، وفي تونس يعتمد المناضلون الأمازيغيون في انبعاثهم كل ما أنتجه العمل الثقافي الأمازيغي في البلدان المجاورة على مدى العقود المنصرمةquot;.

كما يشير إلى quot;أن أمازيغية جزر كناريا التابعة لإسبانيا، التي تعرف صحوة أمازيغية مهمة تستلهم بدورها من أمازيغية المغربquot;، مؤكدًا أن quot;هناك المشترك وهناك التنوعات، وهو أمر طبيعي بالنسبة إلى لغة ظلت على مدى قرون رهينة الشفاهة مع بعض الكتابات القليلةquot;.

الحركة الأمازيغية: الشكل والأداء
أوضح عصيد إن كانت المنهجية التي تسير عليها الحركة الأمازيغية في المنطقة المغاربية قادرة على أن تقودها إلى المزيد من المكتسبات، quot;لا شك في أن التطورات الأخيرة بعد الثورات الشعبية تطرح على الحركات الأمازيغية تحدّي تطوير أساليب عملها النضالي، من أجل المزيد من التقارب. فإضافة إلى وجود الجمعيات والمنظمات الأمازيغية داخل كل بلد، أسس الأمازيغيون منظمتهم الدولية التي تجمعهم على المستوى العالمي منذ 1996.

وquot;كانت طبيعة الأنظمة القمعية في كل من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب ومصر وموريتانياquot;، بحسب ضيفنا، quot;تشكل حواجز حقيقية ضدّ التواصل المطلوب بين الأمازيغيين، بسبب أنّ هذه الأنظمة، كانت كلها، إما تستلهم النموذج الفرنسي الاختزالي في موضوع اللغة والهوية (النموذج اليعقوبي)، أو أنظمة عسكرية استبدادية ذات إيديولوجيا قومية عربية، كما هو شأن نظام القذافي في ليبياquot;.

ويرى عصيد أن quot;سقوط هذه الحواجز اليوم يخلق أمام الحركات الأمازيغية مجالاً خصبًا للعمل والتنسيق في ما بينها، بهدف رئيسي هو إقامة ديموقراطيات، قوامها العدل والحرية والمساواة، وأساسها فصل السلط والتدبير العقلاني للتنوع، وليس مسموحًا لأي كان في الظرف الراهن العودة إلى الوراءquot;.

الأمازيغيون واللغة العربية
يؤكد هذا الباحث أنه quot;بالنسبة إلى اللغة العربية، فالأمازيغيون كما هو معلوم يكنّون الكثير من الاحترام لهذه اللغة، ولا يعتبرونها لغة أجنبية أو غازية، لكن إيديولوجيا القومية العربية أدّت خلال القرن العشرين إلى كوارث كثيرة، كان من بينها إيقاظ الشعور الهوياتي الأمازيغي في مواجهة مخططات الإبادة الثقافية واللغوية، التي كانت تستهدف الهوية الأمازيغية لهذه البلدان، من أجل أن تنتشر العربية، وتحيا وحدها، على اعتبار المغارب جزءًا من quot;الوطن العربيquot;، حسب هذه الإيديولوجياquot;، يقول عصيد.

الباحث والناشط الأمازيغي محمد عصيد

وهو quot;منظور إقصائيquot;، بحسبه، يرفضه، معتبرًا quot;أن اللغتين العربية والأمازيغية يمكن أن تتعايشا بأمن وسلام وتنهضا معًا وتتطورا لأن ماضيهما مشترك ومستقبلهما أيضًا مشترك، وقد آلمنا أن نرى بعض دعاة العربية يجتمعون في سوريا قبل عامين، ويُصدرون بيانًا يقولون فيه إن الخطر الذي يتهدّد العربية هو quot;صعود العاميات واللهجات، التي توضع لها القواعد والمعاجمquot;، وهم يقصدون بذلك الأمازيغية تحديدًاquot;.

ويخلص الباحث والناشط الأمازيغي إلى القول: quot;نحن لا ننظر إلى الموضوع بهذا الشكل الصدامي، وكثيرًا ما خلط الناس بين موقفنا الرافض للقومية العربية بوصفها إيديولوجيا عرقية غير مقبولة، والتعريب المطلق على اعتباره مخططًا للإبادة اللغوية ولمحو الهوية الأصلية، وبين موقفنا من اللغة والثقافة العربيتين واللتين نعتبرهما ملكًا مشتركًا لنا جميعًاquot;.

الحركة الأمازيغية المغاربية والربيع العربي

يرى الناشط الأمازيغي مازيغ بوخزار أنquot;طريقة التعامل مع خطاب الهوية الأمازيغية لبلاد تمازغا ما زالت تحتاج الكثير من كل الجوانبquot;، وذلك، بحسب رأيه، بسبب quot;تواجد تيارات إسلامية عروبية تحاول اختزال منطقة بلاد تمازغا في قوقعة ما يسمى بالوطن العربيquot;.

ويعتبر، في تصريح لـ إيلاف، أن quot;محاولة جعل مفهوم الثورات القائمة في بلاد تمازغا تحت مسمى الربيع العربي إقصاء لنا وتجاهل كامل لمنطق الواقع ومنطق التاريخ، إن بلاد تمازغا هي أمازيغية الهوية والتاريخ والثقافة (مع اكتساب ثقافات أخرى في محيطها الأفرومتوسطي)quot;، بحسب تفسيره.

ويقول الناشط الأمازيغي الليبي، الذي سبق أن وضعه نظام القدافي وراء القضبان، عن النظام السياسي الجديد في بلاده: quot;لنكن واقعيين، إننا لم نرَ بعد في ما يسمّى بالحكومة المؤقتة أو المجلس الانتقالي في ليبيا أي بادرة لرد الاعتبار إلى اللغة والهوية الأمازيغية لليبياquot;.

وهو يعتقد أن quot;من وجهة نظره أن كل دول تمازغا أعطت الكثير للنضال من أجل اللغة والهوية الأمازيغية، وقدمت أكثر من نموذج من النضال، وتبقى ثورة الربيع الامازيغي في 80 من بلاد القبائل في الجزائر (مدينة تيزي وزو) هي الشعلة قبل اندلاع ثورات الربيع 2011quot;، بالنسبة إليه.

وتنخرط الحركة الأمازيغية الليبية في دينامية quot;نضالاتquot; الحركة مغاربيًا، حيث يقول مازيغ إن لها quot;حضورًا وعملاً مشتركًا مع باقي الحركات الأمازيغية في بلاد تمازغا. وهذا النضال المشترك سيستمر حتى رد الاعتبار للغة والهوية الأمازيغية في تمازغاquot;، على حد تصريحه.

الحركة الأمازيغية المغاربية في أوروبا
لا يلمس الناشط الأمازيغي، رشيد أفقير، التنسيق المفروض بين مكونات الحركة الأمازيغية في أوروبا، موضحًا أن quot;ائتلاف أمازيغ فرنسا من أجل التغيير الديموقراطي في المغرب اتخذ بادرة في هذا الاتجاه مع رفاقنا في بلجيكا وهولندا، حيث الجالية الأمازيغية تتواجد بكثافة هناك، وغالبية أفرادهامن الريف، لتقريب وجهات النظر وتبادل التجارب التي يعيشها الفاعلون الجمعويون في مختلف البلدان الأوروبيةquot;.

ويعتقد أفقير، وهو ناشط أمازيغي مغربي مقيم في باريس، كما جاء في ردوده على أسئلة إيلاف، أن quot;تجربة من هذا النوع على الساحة الأوروبية والوطنية الفرنسية، على سبيل المثال، تبدو لي صعبة، لكنها ليست بالمستحيلةquot;.

وإن كان يرى هذا التنسيق ممكنًا، فلأن quot;العناصر التي هي بالطبع الانترنت والشبكات الاجتماعية، خصوصًا الفايسبوك، تسمح بتواصل المناضلين والمتعاطفين في ما بينهم لتبادل الأفكار حول quot;تيماتquot; معينة، لا تخص الهوية الأمازيغية وحدها، وإنما كل الموضوعات يمكن مناقشتها، وبذلك تقصر المسافات المادية في ما بين الجميع نسبيًاquot;، يقول أفقير.

بفضل هذا الأمر، يتابع موضحًا: quot;نظم العديد من السفريات في أوروبا لأجل إطلاق نقاش حول هذا التنسيق، الذي يجب أن ينخرط فيه الأفراد والجمعياتquot;.

الأهداف المشتركة التي تتوحد حولها الحركة الأمازيغية المغاربية في أوروبا، يقول عنها أفقير، هي quot;تناضل ضد التثاقف الذي كان على حساب الهوية الأمازيغية من كل الزوايا، وهذا منذ قرون، وبحماسة لإعادة نشرها في الفضاء العامquot;.

يستدرك هذا الناشط في ائتلاف أمازيغ فرنسا قائلاً: quot;لكن جميع أعضاء الحركة الأمازيغية ليست لديهم الوسائل نفسها لتحقيق ذلك. كلّ يرى الأمر من زاويته، وتجارب مختلفة تعاش اليوم، في الجزائر في القبائل مثلاً، في المغرب على المستوى الوطني، الريف، الأطلس المتوسط وسوس...quot;.

كما لا يرى أن مكونات هذه الحركة في أوروبا تتقاسم التوجهات نفسها،quot; وليست هناك رؤية واحدة للأشياء. الأمازيغيون ليسوا متجانسين في تطلعاتهمquot;، وذلك في إطار رده إلى من ينادون من هذه الحركة بالاستقلال الذاتي، كما هو شأن جزء منها محسوب على منطقة القبائل الجزائرية.