فتيات وفتيان عرب في مدرسة سويدية

تنتشر في أوروبا ظاهرة خطف العرب لبناتهن وإعادتهن إلى البلد الأم بكثرة، وخاصة في السويد، حيث يثير الموضوع غضب السيدات وحتى باحثي علم الاجتماع. ويعود سبب الخطف إلى عدم القدرة على التعايش مع الاستقلالية التي تقدمها الدول الأوروبية للفتاة في اختيار حياتها.


ستوكهولم: تحولت قضيةُ quot;خطفquot; بعض المهاجرين العرب في أوروبا، بناتهم وأخواتهم، وإجبارهنّ على العودة الى بلدانهنّ الأصلية، الى ظاهرة مقلقة لمنظمات حقوق الإنسان، ومادة للنقاش في الصحافة والبرامج التلفزيونية الأوروبية. وعبّر ناشطون أوروبيون عن غضبهم من استفحال هذه الظاهرة التي ازدادت مع تزايد أعداد المهاجرين، وبروز فئات رافضة الإندماج بالمجتمعات الجديدة، فتقوم بارتكاب هذه الجرائم اعتقاداً منها أنها تحمي quot; شرف العائلة quot;!

معظم القصص تحدث صيفاً. فالوالد يدعو العائلة الى زيارة الأهل في البلد الأم خلال العطلة الصيفية، وهناك quot; يقع الفأس في الرأسquot;، كما يُقال. الجوازات تختفي، أو تُحرق، والقرار الأبوي يصدر: quot;لا عودة بعد الآن، سنعيش هناquot;!! والحجة متشابهة سواء كان أبطالها عراقيين، سوريين، أو لبنانيين وغيرهم.
هناء محمد، وهو اسم وهمي، اختارته لنفسها أم عراقية تعيش في السويد منذ 9 سنوات، فُجعت قبل حوالى ثلاث سنوات، بقيام زوجها بخطف ابنتيها بخداعهما واستدراجهما الى منطقة تكاد تكون شبه نائية جنوب العراق، رافضا قبول عودتهما الى الدراسة في السويد، بحجة quot; الخوف عليهما من الإنحرافquot;! الأولى عمرها 16 عاما، والثانية عمرها 14 عاما.

تقول هناء لـ quot; إيلافquot; : quot; هربنا من العراق عام 2003 عند وقوع الحرب، زوجي كان من أشد المتحمسين للهجرة، لكنه صُدم في السويد، بعد أشهر من وصولنا اليها، وفشل في تعلم اللغة الجديدة، ولم يكلف نفسه حتى محاولة تقبل المجتمع الجديدquot;.
تضيف: quot; لم أكن أتوقع منه أن ينجح هنا، لكن لم يخطر ببالي يوماً وهو الذي كان يرفض العنف، أن يلجأ الى هذه الطريقة الخسيسة في خطف ابنتيّ، وإخفائهماquot;. هناء فشلت رغم كل الشكاوى لدى الشرطة والسفارات في معرفة مكان ابنتيها. وتعتبر quot;أن منظومة القيم الإجتماعية التقليدية التي ينحدر منها زوجها، وتقاعس وفساد الأجهزة الأمنية هناك، تحول دون معرفة مكانهماquot;.

منى عبد الرحمن، هو اسم وهمي آخر، لسيدة سورية تعيش في مالمو منذ حوالى 15 عاما، قصتها تشبه قصة هناء، وإن اختلفت التفاصيل. لكن الملفت في رواية منى فجيعتها، هذا الكم الكبير من quot;الخداع والمراوغة والكذب quot; الذي مارسته عائلة زوجها حسب قولها وذلك لإخفاء ابنتها البالغة من العمر 16 عاماً، في سوريا.
قصص الخطف، رغم أنها منتشرة أكثر وسط الجالية العراقية، كونها أكبر جالية عربية في السويد، يصل عددها الى 170 الف شخص، لكن مهاجرين عربا من فلسطين ولبنان وسوريا والصومال لهم قصصهم أيضا.
وكانت السويد طردت قبل عدة سنوات القائم بأعمال السفير السوري في السويد أيمن علوش، وذلك لمحاولته اختطاف ابنته التي كانت تبلغ 18 عاما الى سوريا، بحجة وجود علاقة عاطفية لها مع شاب سويدي.

أرقام مخيفة!

قصص الخطف ازدادت في السنوات القليلة الماضية، وتحدث عادة بسبب رفض الوالد أو الأخ اندماج ابنته أو أخته في المجتمع الجديد، الذي يُتيح لها، التمتع بكامل حقوقها، خصوصا الحق في اختيار طريقة الحياة، والشريك، والاستقلال الاقتصادي، وهي أمور تلاقي رفضا ذكوريا مسبقا.
وبما أن القوانين الأوروبية، خصوصا الاسكندنافية منها، وتحديداً السويد، تتعامل بحزم مع من يتعرّض لهذه الحقوق، لذلك تلجأ شابات كثيرات الى البوليس والمؤسسات الاجتماعية التي تقدم الحماية لهنّ من تهديدات العائلةـ التي يأتي أغلبها عند إقامة الفتاة علاقة حب مع شاب من ديانة مختلفة عن ديانتها، أو قوميتها. هذه التهديدات تصل في أحيان عديدة الى القتل، كما حدث للشابة التركية فاطمة، والفتاة الكردية بيلا الأتروشي، والفلسطيني الذي قتل ابنته 18 عاما، بعد رفضها الزواج من الشخص الذي اختاره لها، وقصص كثيرة غيرها.

ويُثار في البرلمان السويدي حاليا جدل كبير حول هذا الموضوع، حيث تعكف لجان على دراسة إمكانية سنّ قانون جديد يتعامل مع ما بات يُطلق عليه هنا، بـ quot; زواج الأطفالquot;. وتتجه النية الى تجريم هذا الفعل ومعاقبة مرتكبيه أو المتسببين به.
الصحف السويدية اهتمت بالأرقام التي كانت المحكمة الإدارية السويدية قد نشرتها في إطار دراسة لها قالت فيها إن ما يصل الى 1500 شابة تتعرض سنوياً الى عنف يندرج في إطار ما بات يُطلق عليه بـ quot;جرائم الشرفquot;، وان 10 % يتعرضن الى تهديدات حقيقية، فيما تذهب المنظمات النسوية الى ذكر أرقام فلكية تصل الى 15 ألف امرأة، هنّ اللواتي يتعرّضن الى العنف مباشرة، إضافة الى المحيطين بهنّ من الذين يتأثرون بهن.

الضحايا يتسترون والمنظمات تستنكر!

نجلاء عبد الأمير، باحثة إجتماعية سويدية من أصل عراقي، عملت عدة سنوات في مشاريع حكومية لحماية النساء من العنف، تقول لـ quot; إيلاف quot;: quot;هناك بدون مبالغة المئات من القصص الفظيعة لهذه الممارسات التي يعتبرها القانون هنا جرائم، لكن من الصعب عليك في أوساط الجاليات العربية، أن تجد من يتحدث عنها علنية، خصوصا الأمهات، خوفاً من الانتقام، وquot; الستر quot; على شرف العائلةquot;. كما يُقال.
نجلاء لم تستطع إقناع عدد من الشابات اللواتي تعرضّن في فترات سابقة الى عنف منزلي من الحديث الى quot; إيلاف quot; لخوفهّن من تكرار استهدافهن مجدداً.

أما الدكتور سمير عون أخصائي الأمراض النفسية في ستوكهولم، يقول quot; : إن مرتكب هذه الجرائم، هو مريض نفسي، يحتاج الى علاج فوري، لان أغلب من يمارسون عمليات الخطف، ينحدرون من فئة المهاجرين الفارين من الحروب والقتال، الذين يعانون تراكماتها ومخلفاتها على صحتهم النفسية، لذلك تراهم يفشلون أو يجدون صعوبة بالغة جداً في الاندماج بالمجتمع الجديد، ولايجدون القابلية او الطاقة للتعلم من جديد، فيحاولون بكل قوة التمسك بقيمهم القديمة التي يرفضها المجتمع الجديد، وهي عادة تكون قيمًا تنبذ حق المرأة في المساواة والعمل واتخاذ القراراتquot;.
تقول نادية نهاد السليم من منظمة مانويل السويدية، إن quot; قتل الفتيات وإجبارهنّ على الزواج المبكر، يدخل في إطار التضارب الحضاري والاجتماعي بين منظومتين من القيم لاعلاقة بينهما، فالفتاة التي يجري إجبارها على الزواج وفق العرف العشائري، تُعتبر طفلة قاصرًا في أوروباquot;! وتعتبر السليم، أن هذه الأساليب هي غاية في التخلف.

وتوضح أن العراق مثلا لم يكن يشهد في السابق مثل هذه الممارسات مثلما يحدث الآن. وتنتقد نادية بشدة إجبار الفتاة على الزواج المبكر، وتقول إن ذلك يحمل في طياته مخاطر كبيرة على الفتاة نفسها.
وتعتقد أن من الأفضل quot; دعم وتشجيع الفتيات على الإندماج في هذه المجتمعات، وتدخل فيه، وتتفوق في الدراسة والتحصيل العلمي والتكنولوجي، وتبني شخصيتها وفق المعايير الحضارية بما يضمن حقها المشروع في اختيار شريك حياتها بالشكل الذي يناسبهاquot;.
وتناشد نادية المنظمات المدافعة عن حق المرأة محاربة هذه الجرائم بقوة، والضغط على الدول التي تحدث فيها الى سن قوانين تعاقب مرتكبيها.

رأي مخالف

لا تجد أعداداً من المهاجرين العرب حرجا في الدفاع بشكل أو آخر عن الممارسات التي تحدث ضد الفتيات في آوروبا، وذلك بدرجها تارة ضمن quot; تقاليدنا وعرف ديننا quot; كما يقول محمد العبيدي، من مالمو، وتارة آخرى، في إطار quot; العرف العشائري، وأن تقاليد المجتمع الأوروبي لا تنسجم مع تقاليدنا الشرقيةquot;، كما يقول صديقه عبد الله النعمان. لكن أحدا لا يقدم سببا مقنعا لتمسك مثل هؤلاء بالعيش في هذه البلدان، واستلام المساعدات المالية الإجتماعية منها، رغم أنها quot; تتضارب مع قيمهم quot; التي يدّعونها!