الرئيس السوري بشار الأسد مع زوجته أسماء

فيما كان العالم يقف مذهولا إزاء اشد الفصول دموية في حملة النظام السوري لقمع المعارضة في حمص ، كان الرئيس بشار الأسد في دمشق يكتب رسالة الكترونية خاصة الى زوجته ، كما كشفت مراسلات الكترونية من الأسد وزوجته حصلت عليها صحيفة الغارديان.

كان ذلك في 5 شباط/فبراير 2012 ، وفي اليوم السابق عليه دكت مدفعية الأسد المدينة الثائرة بعنف لم تعرفه من قبل واسفر القصف عن مقتل مئات المدنيين وتفجير مستشفى ميداني مؤقت ، بحسب ناشطين في المعارضة. وفي العاصمة تحدثت تقارير عن مقتل نحو 12 مشيعا شاركوا في جنازة بنيران قوات النظام. وكان مجلس الأمن الدولي يبحث سبل التحرك ضد الدكتاتورية.

ولكن مراسلات الأسد الالكترونية مستخدما فيها اسم quot;سامquot; كانت لا تمت بصلة الى حمام الدم في بلده أو المخاطر التي تهدد حكمه. وفي رسالة غريبة من الرئيس السوري بعث الى زوجته كلمات اغنية من اغاني الريف الاميركي ورعاة البقر للفنان الاميركي بليك شيلتون ، مع تفريغ الملف الصوتي من آيتيونز.

ويبدو ان الرسالة المفعمة بكلمات الشفقة على الذات تجسد حياة الانكار المنغلقة التي يعيشها الأسد وأسرته والحلقة الضيقة لنظامه فيما تشتعل سوريا من حولهم. إذ تقول كلمات الأغنية quot;أنا صداع متنقل / خربتُ حياتي / الشخص الذي أناه مؤخرا ليس مَنْ أُريد ان أكون.

وكانت الرسالة واحدة من رسائل كثيرة يقول ناشطون سوريون انها مستلة من البريد الالكتروني للرئيس السوري وزوجته اسماء ، وانها تكشف حياة البذخ التي يعيشها اركان نظامه والمجتمع المخملي لبطانته بمعزل عن المجزرة التي تُرتكب من حولهم.

ويبدو ان المراسلات الالكترونية تبين انفاق عشرات آلاف الدولارات في نوبات من التسوق على الانترنت لشراء اثاث صناعة يد من محلات تشيلسي الفاخرة في بريطانيا. وأُنفقت عشرات آلاف الدولارات الأخرى على شراء مصوغات من الذهب ومجوهرات مرصعة بالأحجار الكريمة والثريات والستائر باهظة الثمن واللوحات لشحنها الى الشرق الأوسط. وفي وقت تهتز سوريا من جنوبها الى شمالها بحملة البطش التي يواصلها الأسد ضد المعارضة فان همَّ حلقته الداخلية الضيقة هو سبل الحصول على نسخة من رواية quot;هاري بوتر والتجاويف المميتةquot; ، الجزء الثاني ، أو مجموعة جديدة من شوكولاته فوندو الجبن.

ومن المؤكد ان تثير تفاصيل هذه الحياة المترفة سخط مزيد من السوريين الذين يعانون أزمات مختلفة في المواد والخدمات الاساسية وغيرها من المصاعب. وكان الغضب على ثروة الحكام وأسرهم وبذخهم سمة ثابتة في ثورات الربيع العربي التي اسقطت حكام تونس ومصر وليبيا.

وتكشف احدى الرسائل ان اسماء الأسد طلبت من قريبتها أمل في 19 تموز/يوليو أن توصي على مجوهرات يصنعها معمل صغير في باريس. وطلبت اسماء اربع قلائد واحدة تركواز بماسات ذهبية صفراء وقلادة أخرى من حجر الكورنالين وثالثة من العقيق اليمني والعقد الرابع من احجار الجمشت الطبيعي بماسات ذهبية بيضاء وتصميم مماثل. وأجابت أمل انها ستقدم الطلب في منتصف آب/اغسطس لتسلم القلائد بحلول منتصف ايلول/سبتمبر. وفي 23 تموز/يوليو 2011 قالت اسماء ان لا ضير في التأخير واعترفت لقريبتها بأنها quot;أمية تماما حين يتعلق الأمر بالمجوهرات الفاخرةquot;. وأنهت رسالتها الالكترونية بالأحرف aaa quot;وقبلات لكما الأثنين ، ولا تقلقوا فنحن بخيرquot;.

ومن المصنوعات التي أُعجبت بها سيدة سوريا الأولى زهرية ثمنها 2650 جنيها استرلينيا. وفي 17 حزيران/يونيو ارسلت التفاصيل الى وكيل أعمال العائلة في لندن سليمان معروف واضافت متسائلة ان كانت الزهرية متوفرة في مخازن هارودز لشرائها مشيرة الى وجود تخفيضات في هارودز وقتذاك. وأجاب معروف بالنبأ السار قائلا انه ابتاع الزهرية بخصم 15 في المئة وسيكون التسليم في غضون 10 اسابيع. وأكد موعد وصول مصباح quot;ارمانيquot; في ذلك اليوم طالبا اعلامه إن كانت سيدة سوريا الأولى تحتاج الى اشياء أخرى.

وتشير الرسائل الى امرأة منهمكة في التسوق ، ولكنها لا تفوت صفقة مربحة إذا كان هناك تخفيض. وحرصت أسماء على استعادة ضريبة القيمة المضافة بعد شراء مصنوعات فاخرة شُحنت الى دمشق ، وشكت لفقدان ارسالية من مصابيح المائدة في الصين. كما تتعلق احدى الرسائل الالكترونية بمصير طاولة أوصت عليها فوصلت بلوحين متماثلين بدلا من لوح لجهة اليمين وآخر لجهة اليسار. وهناك اكثر من 50 رسالة الكترونية الى بريطانيا ومنها ، تتعلق كلها بالتسوق.

واثارت بعض مشتريات اسماء تعليقات مهذبة من صديقاتها. ففي 3 شباط/فبراير 2012 كانت اسماء تتصفح الانترنت بحثا عن احذية فاخرة ، بحسب احدى الرسائل. وكتبت الى صديقات تشاطرهن معلومات عن توفر أحذية جديدة بينها زوج مرصع بالكريستال ذو كعب علوه 16 سنتم بسعر 3795 جنيها استرلينيا. وسألت أسماء quot;هل هناك ما يلفت الانظار ، فهذه القطع لا تُصنع للجمهور العامquot;. وأجابت احدى الصديقات بلهجة جافة quot;لا اعتقد انها ستكون مفيدة في أي وقت قريب لسوء الحظquot;.

واشد ما يثير السخط المناسبات التي كان أفراد أسرة الأسد يتسوقون أو يتبادلون النكات فيها على الانترنت مستخدمين في احيان كثيرة اسماء مستعارة فيما كان العالم يتابع اهوال العنف واراقة الدماء. ويبدو ان المستشارة لميس عمر اعترفت بأن الأسد وزوجته يخاطران بالظهور وكأنهما غير مكترثين بما يجري ، وأرسلت الى الأسد رابطا الى مقال في مجلة بزنيزويك الاميركية يتحدث عن حياة الرئيس السوري quot;داخل شرنقةquot;.

وتوقِّع أسماء الأسد رسائلها الالكترونية عادة بالأحرف AAA في اشارة الى quot;أسماء الأسدquot; كما يُكتب الاسم الثنائي بالانكليزية ، أو عالية كيالي وهو اسم سكرتيرة الشركة التي يعتقد ناشطون ان أسماء كانت تختفي وراء هويتها. والتوقيع باسم عالية هو السائد في المراسلات مع متاجر في باريس ولندن.

وفي تموز/يوليو أوصت quot;عاليةquot; على شمعدانات وطاولات وثريات بقيمة 10 آلاف جنيه استرليني لشحنها من مصمم في باريس عن طريق شركة عامة في دبي. وفي اوائل تشرين الثاني/نوفمبر ، فيما كانت الاحتجاجات مستمرة ، تلقى تاجر لوحات فنية في لندن رسالة تسأل عن توفر اعمال فنية سعر كل منها يتراوح بين 5000 و35 الف جنيه استرليني. وفي اواخر كانون الثاني/يناير تسلمت quot;عاليةquot; طاولتين توضعان جنب السرير من معمل في تشيلسي ولكنها اكتشفت ان خطأ حدث ، وشكت من وصول الأدراج بألوان مختلفة.

وفي بريطانيا قالت شركات تجهيز ان لا علم لها بأن المرأة التي تختفي وراء حساب quot;عاليةquot; هي في الحقيقة سيدة سوريا الأولى. فان توني كاربنتر الذي يملك شركة لصنع الأثاث حسب الطلب في جنوب انكلترا باع الى quot;عاليةquot; طاولة فاخرة كلفت 6257 جنيها استرلينيا. وقال كاربنتر لصحيفة الغارديان انها اعطته عنوانا في لندن وان الأثاث شُحن الى دبي.

ولم تكن قوائم التسوق دائما تتسم بالبذخ بل كانت تشير احيانا الى تأثير الأحداث على حياة الأسرة الحاكمة. ففي 30 كانون الأول/ديسمبر حين كان المحتجون يتظاهرون في حلب وحماة ودمشق ودرعا ، أرسلت اسماء الأسد الى زوجها خيارات لاستعمال ملابس واقية من الرصاص على شكل سترة ، ورابطا الى الشركة المنتجة ـ quot;في آي بي ارمورquot;.

ودأب الأسد نفسه على إدامة سيل من رسائل المحبة الى زوجته مستخدما العناوين المموهة ليكشف في بعض الأحيان عن موقفه الحقيقي من الاصلاحات التي وعد بها البلاد في وقت سابق من العام الماضي.
ففي تموز/يوليو حين كتبت اسماء انها ستفرغ في الساعة الخامسة بعد الظهر أجاب زوجها الذي بدا مسرورا بالقول quot;ان هذا أحسن اصلاح يمكن ان يناله أي بلد ، أن تقولي لي أين ستكونين ، وسنعتمده بدلا من زبالة قوانين الأحزاب والانتخابات والاعلامquot;.

وكان الأسد يبحث احيانا عن أشرطة فيديو نالت اعجابه. وفي احدى المناسبات ارسل اليها شريط فيديو من برنامج quot;اميركا لديها مواهبquot; يظهر فيه ساحر يستخدم خداع البصر بقطع شخص الى نصفين بمنشار ثم يعيده كما كان.

كما ترسم الرسائل صورة علاقة تحت ضغط شديد. وقالت اسماء لزوجها في رسالة الى زوجها في اواخر كانون الأول/ديسمبر quot;إذا كنا أقوياء معا فاننا سنتغلب على هذا معا... أُحبكquot;.

وتكشف رسائل الأسد عن مخاوفه وظنونه الداخلية. ففي 16 تشرين الأول/اكتوبر حين دعت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الانسان نافي بيلاي الى تحرك دولي لتفادي اندلاع حرب أهلية شاملة في سوريا ، عمم الأسد من كومبيوتره اللوحي آيباد مقالة على قائمة من المتلقين الذي لم تُعرف هوياتهم. وتذهب المقالة الى ان السفير الاميركي في دمشق روبرت فورد مسؤول عن quot;تجنيد فرق موت عربية من وحدات تنتمي الى القاعدة في افغانستان والعراق واليمن والشيشان للقتال ضد الجيش السوري والشرطة السوريةquot;.

وبعث الأسد بمقالة أخرى الى زوجته في 23 تموز/يوليو تصف روبرت مردوخ مالك امبراطورة نيوز كوربوريشن الاعلامية بأنه يهودي ومواطن اسرائيلي وشيطان.

وتسلط الرسائل الالكترونية ضوء على حلقة المستشارين الشباب المحيطين بالأسد ، وهم يتبادلون النكات والكليبات التلفزيونية والمقتطفات الصحفية عن الأزمة مع الرئيس على نحو منتظم ويخاطبونه بدون تكلف. ويشير المستشارون الذين غالبيتهم من النساء الى الرئيس الأسد بلقب سيدي أو سيادة الرئيس ، وفي احدى المناسبات ، في رسالة لم يكن المقصود ان يراها ، ولكنها أُرسلت اليه ، سُمي quot;الأنيقquot;.

وتولت شهرزاد الجعفري ابنة السفير السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري دور المستشار الاعلامي. وتبين الرسائل الالكترونية انها أخذت على عاتقها تنظيم المقابلة التي اجرتها شكبة أي بي سي مع الأسد. وفي مناسبة أخرى بعثت اليه بصورة فوتوغرافية يظهر فيها نيكولا ساركوزي واقفا على صندوق بجانب جورج بوش مع تعليق من كلمة واحدة: quot;مضحكquot;.

وتحدث المستشارة الأخرى هديل العلي في احدى الرسائل عن رد فعل مجموعة من الأصدقاء الذين تابعوا خطاب الرئيس في كانون الثاني/يناير ملخصة مشاعرهم ونظرتهم اليه وكأنه نجم من نجوم البوب: quot;نحبه كثيرا!! ونحن فخورون به وبقوته وحكمته وسحره ، وبالطبع بجمالهquot;.