القصف الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة

قال محللون ومراقبون إن إسرائيل تسعى من خلال هجومها على قطاع غزة إلى تصدير أزماتها الداخلية، والعمل على خلط الأوراق الفلسطينية لا سيما إفشال السعي نحو تحقيق المصالحة، متوقعين أن تقوم إسرائيل بالتصعيد في هجومها على الفلسطينيين من خلال إمكانيّة القصف بالطائرات.


غزة:قال وليد العوض، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني في اتصال هاتفي مع quot;إيلافquot;: quot;إن جهودا عديدة بذلت من أجل التوصل إلى تهدئة في أعقاب العدوان الإسرائيلي على القطاعquot;.
وأضاف العوض: quot;شهدت الساعات الأخيرة من العدوان الذي استمر أربعة أيام تطورا ملحوظا على صعيد الاتصالات حيث جاء هذا التطور من شقين حمل الشق الأول منه، استعدادا اسرائيليا ملتبسا نقله الوسطاء لوقف التصعيدquot;.

وأردف: quot;لكن الأخطر كان في الشق الثاني وما حملته الاتصالات حيث تمثل في التهديد العنيف بقيام إسرائيل بهجوم شامل فيما لو استمرت عملية إطلاق الصواريخ لما بعد الثانية عشرة من ليلة الاثنين الموافق 12/3/2012.
وكانت إسرائيل شنّت هجوما على قطاع غزة استمر أربعة أيام، وذكرت مصادر طبية هناك أن ستة وعشرين مواطنا قتلوا فيما أصيب نحو تسعين آخرين بجراح مختلفة وتم تدمير العديد من المواقع نتيجة القصف الجوي الإسرائيلي، فيما أعلنت إسرائيل سقوط العشرات من القذائف الصاروخية في بلداتها الجنوبية وأصيب عدد من مواطنيها بجراح مختلفة وحالات من الهلع.

وأكّد العوض، أن إسرائيل استهدفت خلال هجومها على قطاع غزة عددا من قادة لجان المقاومة الشعبية والجهاد الإسلامي وأسيرا محررا مبعدا من الضفة إلى القطاع.
ولفت إلى أن quot;الفلسطينيين اعتادوا أساليب الخداع الإسرائيلية وأنّ ما جرى قد يكون مجرد خدعة إسرائيلية تتطلّب أقصى درجات الحذرquot;

وحول الدوافع التي ساقت إسرائيل لمثل هذا التصعيد على قطاع غزة وأسباب الهجوم، قال العوض: quot;إن هذا التصعيد يعود إلى عدة أسباب منها ما يأتي في إطار المسعى الإسرائيلي لإحباط أيّ جهود لتنفيذ المصالحة الوطنية الفلسطينية واستحقاقاتهاquot;.
وأضاف: quot;يأتي كذلك كمحاولة إسرائيلية خبيثة لخلط الأوراق وقطع الطريق على الخيارات الوطنية الفلسطينية بما في ذلك مواصلة خطة الهجوم السياسي عبر الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة لكسب الاعتراف بالدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس.

ومن بين الأسباب الأخرى التي تحدث عنها عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني، سعي الحكومة الإسرائيلية التي يترأسها بنيامين نتنياهو إلى تصدير أزماتها الداخلية والسعي للبحث عن حصان رابح يمكنه الدخول في سباق الانتخابات الاسرائيلية القادمة في ظل تنافس شديد مع العديد من الخصوم.
وبين العوض، أن إسرائيل تسعى من وراء تصعيد عدوانها الأخير، إلى تقليم أظافر قطاع غزة في ظل الحديث المتزايد عن احتمالية مهاجمة إيران وضرب منشآتها النووية، وذلك نظرا لأن الحكومة الإسرائيلية تخشى أن تتحول غزة إلى جبهة امامية تهدد البلدات الاسرائيلية حال مهاجمة إيران.

ولفت إلى أن هذه العوامل التي كانت خلف التصعيد الإسرائيلي الأخير ما زالت قائمة لذلك، حيث إن مخطط حكومة نتنياهو لشن عدوان واسع يبدأ متدحرجا ولا يلغيه الحديث عن استعداد للتهدئة.
وقال عضو المكتب السياسي لحزب الشعب: quot;إن هذا التوجه الإسرائيلي يتطلب الإسراع في الاتفاق على آليات مواجهة العدوان بشكل موحد والعمل الجاد على توفير مقومات صمود المواطنين في ظلّ التوقعات التي تشير إلى استمرار العدوانquot;.

وأضاف العوض: quot;أنّ مجابهة العدوان تتطلب كذلك ضرورة الإسراع في ايقاف حالة المماطلة والتسويف في تنفيذ اتفاق المصالحة والبدء الفعلي بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه خلال اللقاءات التي عقدت مؤخرا، وأفضت إلى التوقيع على اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة على قاعدة واضحة لا لبس فيهاquot;.
وفي خضم الهجوم على قطاع غزة، بعث المراقب الدائم لفلسطين لدى الأمم المتحدة في نيويورك السفير رياض منصور، رسائل متطابقة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن (المملكة المتحدة) ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول العدوان الإسرائيلي.

وأشار منصور، إلى تنفيذ السلطة الاسرائيلية سلسلة من الضربات والهجمات العسكرية، بما في ذلك عمليات القتل خارج نطاق القانون، ضد المدنيين الفلسطينيين والتي أدت الى وفاة ستة وعشرين مواطنا، من بينهم صبي عمره 12 عاما، وجرح العشرات من المدنيين الآخرين، بما في ذلك النساء والأطفال.
وطالب المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن، أن يفي بالتزاماته ويضطلع بمسؤولياته بموجب الميثاق وبموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، كونها تتعلق بحقوق وحماية المدنيين في الصراعات المسلّحة.

وشدد السفير منصور على ضرورة مساءلة إسرائيل، عن هذه الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، وعلى ضرورة أن يعمل المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن، بشكل فوري لوقف العدوان الإسرائيلي ومطالبة إسرائيل التقيّد بالتزاماتها القانونية بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وبوصفها السلطة القائمة بالاحتلال بموجب اتفاقية جنيف الرابعة.

تهدئة هشة... والمقاومة لن ترضخ

وفي أعقاب التوصل إلى تهدئة بوساطة مصرية، رأى محللون وسياسيون وقادة ميدانيون أنه من الصعب التكهن بصمود وثبات هذه التهدئة في ظل استمرار الخروقات الإسرائيلية.
وأكد المتحدث باسم ألوية الناصر صلاح الدين أبو مجاهد في قطاع غزة، في اتصال هاتفي مع quot;إيلافquot; أنه لا يوجد تهدئة في قطاع غزة، حيث أقدمت القوات الإسرائيلية على مباغتة عدد من المواطنين بعد الساعة الثانية عشرة ليلة الاثنين الثاني عشر من الشهر الماضي وهو الموعد المتفق عليه لوقف إطلاق النار.

وقال أبو مجاهد: quot;إن إسرائيل هي من أقدمت على استمرار هذا التصعيد، منوها بأن المقاومة الفلسطينية وتحديدا ألوية الناصر صلاح الدين وسرايا القدس رفضتا أي حديث عن التهدئة المجانية مع الاحتلال أو أن تكون بشروط الإسرائيليينquot;.
وأضاف: quot;في كل مرة يتكرر السيناريو نفسه حيث يريد الإسرائيليون تهدئة بمقاييسهم تشمل استباحة الدماء الفلسطينية ومن ثم تقديم رسائل بضرورة عدم تحرك الفصائل الفلسطينية ويتم التهديد بشن مزيد من الهجوم إذا أقدمت فصائل المقاومة على الردquot;.

وأردف: quot;أن إسرائيل تعمل بمقاييس القوة وفرض السيطرة، مؤكدا أن فصائل المقاومة لن تسمح للاحتلال بفرض أجندته على الشعب الفلسطينيquot;.
وبخصوص اغتيال الشيخ زهير القيسي الأمين العام لألوية الناصر صلاح الدين، أوضح أبو مجاهد أن إسرائيل هدفت من وراء ذلك إلى تصعيد العدوان حيث حصلت على الضوء الأخضر من أميركا للعمل على ساحة غزة بعد الرفض الأميركي شنّ حرب على إيران.

ولفت إلى أن إسرائيل تفكر في توسيع رقعة الاغتيالات، مبيّنا أنه تم التواصل مع جميع الأطراف لبحث موضوع التهدئة لكنهم quot;لم يقدموا أية ضمانة بعدم اغتيال إسرائيل لأي مواطنquot;.
وقال أبو مجاهد: quot;تحدثت هذه الأطراف دون أية ضمانات، الأمر الذي يعني أن هذه التهدئة ستكون هشّة إذا تمت الموافقة عليها كما هي دون ضمانات وبالتالي يجب أن تدفع إسرائيل الثمن مقابل ذلكquot;.

وأكد أن المقاومة الفلسطينية لديها من العزيمة والإصرار الكثير في الرد على العدوان، مشيرا إلى احتمالية أن يتم توسيع رد المقاومة أكثر من الموجود الآن، وقال: quot;في جعبة المقاومة أوراق لم تستخدم بعدquot;.
وعن احتمالية تصعيد إسرائيلي جديد، توقع أبو مجاهد أن تقدم إسرائيل على تصعيد مباغت من خلال القصف بالطائرات، داعيا إلى ضرورة أن تكون هناك ضمانات ملزمة لإسرائيل وعلى الإسرائيليين أن يشعروا بما يتألم منه الفلسطينيونquot;.

التهدئة غير مستقرة

بدوره، أكّد الكاتب والمحلل السياسي عبد المجيد السويلم، في تصريح لـquot;إيلافquot; أن التهدئة التي تم التوصل إليها بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة قابلة للكسر والخرق في أي لحظة.
وقال السويلم: quot;إذا ما دققنا في مضامينها الحقيقية فربما إسرائيل لم تستكمل أهدافها أو أنها بحاجة إلى المزيد من الاستكشافات وربما هناك تهدئات أخرىquot;.

وأضاف: quot;أعتقد أن إسرائيل هي التي ستحدد متى ستصل بالتهدئة إلى الرسو وهذا مسلسل إسرائيلي متصاعد، لافتا إلى أنها حققت بعض المكاسب في عدوانها في ظل مفهومها للصراع ولن تتردد في استكمال ملفاتها العدوانيةquot;.
وأوضح أن إسرائيل تمكنت جرّاء عدوانها من جرّ الفلسطينيين إلى بعض الدوائر ومنها ما تمثل بأسلوب عنصري بتجريب منظومتها المضادة للصواريخ باعتبار الفلسطينيين حقل تجارب.

وبخصوص صمود وثبات التهدئة التي جرى التوصل لها، قال السويلم: quot;لا اتوقع أن تصمد هذه التهدئة إلا إذا قبلت فصائل المقاومة بالأطروحة الإسرائيلية التي تقول مقابل وقف إطلاق الصواريخ يتم وقف الاغتيالات فقطquot;.
ولفت إلى أن إسرائيل سعت من وراء عدوانها إلى اختبار حركة حماس ومدى تمسكها بالسلطة أو مشروع المقاومة كما حاولت معرفة مدى التدخل الإيراني والعديد من الحسابات الأخرى التي تخصها ضمن هذا الإطار.