نشطت هديل العلي في ترويج مقالات موالية للنظام، بصخب دعائي أحيانًا، وبلغة رصينة أحيانًا أخرى. وتكشف رسائلها الخاصة إلى الأسد الذي تسمّيه quot;الأنيقquot; في عن التزام سياسي ثابت بدعمه والعمل من أجل بقائه. يضاف إلى ذلك أن العلي هي القناة التي تصل نصيحة إيران عبرها إلى الرئيس.


أصدقاء هديل العلي يصفونها بالذكية والناعمة والمثيرة جنسيًا

إعداد عبد الإله مجيد: في 27 تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي بعثت شابة طموح برسالة إلى مديرها في البريد الالكتروني. وتضمنت الرسالة رابطًا واحدًا إلى quot;قطعةquot; لمراسل بي بي سي بول وودز. وكان وودز هُرِّب إلى مدينة حمص وسط سوريا، وقدم تقريره من المدينة شهادة حية على الانتفاضة، التي كانت مشتعلة فيها، ثُم أُخمدت بعد شهرين في هجوم شرس شنته قوات النظام.

كانت تلك الشابة هديل العلي، التي درست في الولايات المتحدة، ومديرها هو الرئيس السوري بشار الأسد. بُعثت الرسالة إلى حساب خاص يستخدمه الأسد للتواصل مع زوجته أسماء وغيرها من أفراد العائلة، وحفنة من المستشارين الموثوقين. وحصلت صحيفة الغارديان على نحو 3000 رسالة الكترونية سرّبتها إليها المعارضة السورية. وتكشف هذه الرسائل عن أسرة حاكمة منقطعة عن الدراما الدموية التي تعيشها سوريا وشعبها.

ويبدو أن رسالة هديل تحديدًا إلى رئيسها تبيّن أن الأسد أُبلغ شخصيًا عن وجود صحافيين أجانب في حمص تسللوا إلى المدينة عن طريق معبر خطر من لبنان. ولدى النظر إلى الوراء يتضح الوجه الكالح لهذا الموقف. ففي شباط/فبراير قُتلت ماري كولفن مراسلة صندي تايمز والمصور الفرنسي ريمي أولشيك في حمص حين استهدفت القوات السورية، متعمدة على ما يبدو، المنزل الذي كانا فيه.

من الجوانب اللافتة للرسائل المسرّبة تجاهل الأسد مستشاريه الذكور واعتماده المتزايد على فريق من المغتربين السوريين الشباب المقيمين في الغرب، مع انزلاق سوريا نحو مزيد من إراقة الدماء. وغالبية هؤلاء المستشارين الإعلاميين الشباب هم من النساء، وفي مقدمتهم هديل العلي وصديقتها شهرزاد الجعفري، التي عملت متدربة في شركة براون لويدز جيمس للعلاقات العامة في نيويورك.

ومن بين الاثنتين فإن رصيد شهرزاد من العلاقات هو الأكبر، لأن والدها سفير سوريا لدى الأمم المتحدة، ولديه خط ساخن مع الرئيس في دمشق. لكن سيرة حياة هديل وصفحتها المغلقة الآن على فايسبوك، تقدمان مفاتيح إلى صعودها السريع. فهي تنتمي، مثلها مثل الأسد والعديد من أركان نظامه، إلى الطائفة العلوية، ونشأت في بلدة قرداحة الساحلية ذات الغالبية العلوية.

يقول أصدقاء إنها ذكية، وناعمة، وجذابة جنسيًا. وبحسب أحد الأصدقاء فإنها quot;كانت دائمًا بارعة في مجال الإعلام والعلاقات العامة، ومن الواضح إنها وظفت قدراتها الفكريةquot;. وخلال الفترة الواقعة بين 2006 و2008 درست هديل العلي العلوم السياسية في جامعة ولاية مونتانا في مدينة بوزمان ذات الجبال الخلابة.

تتذكر هديل أيام الدراسة متحدثة عن quot;الجبال البديعةquot;، وكيف أنها كادت تكسر ساقها وهي تتعلم التزلج على الجليد. كما تكتب عن ارتدائها جزمة رعاة البقر وقبعتهم وشعورها بأنها quot;واحدة من أهل البلدquot;، وحضورها كلمة الرئيس أوباما ومصافحته. وتقدم الصور الملتقطة في تلك الفترة شابة في ريعان الصبا، لكنها واثقة بنفسها على نحو لافت، ذات وجنة عالية وشعر أسود.

بعد الدراسة الجامعية عادت هديل إلى سوريا، ودرست الأدب الانكليزي في جامعة دمشق. كما مارست تدريس الانكليزية كلغة ثانية في الجامعة الدولية العربية، وتطوعت للعمل في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة واليونسيف.

وتنقل صحيفة الغارديان عن صديق من تلك الفترة أن هديل كانت quot;اجتماعية، ومتفوقة، وساحرةquot; معترفًا بإعجابه نحوها. وتظهر هديل العلي وشهرزاد الجعفري في الصور التي نُشرت على صفحتها التي اختفت الآن على فايسبوك، تتجولان أثناء الإجازة في أسواق إيران وتتنزهان في مدينة اللاذقية على الساحل السوري.

لكن ذلك كله تغير بعد الانتفاضة. فسرعان ما نشطت هديل العلي في ترويج مقالات موالية للنظام، بصخب دعائي أحيانًا، وبلغة رصينة أحيانًا أخرى. وهجرت هديل الأصدقاء، الذين كانوا باعتقادها متعاطفين مع المعارضة. وتكشف رسائلها الخاصة إلى الرئيس السوري الذي تسمّيه quot;الأنيقquot; في إحدى الرسائل، عن التزام شخصي وسياسي ثابت بدعمه والعمل من أجل بقائه.

وفي 20 تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، أرسلت هديل إلى الأسد صورته طالبًا بذقن لم يُحلق. وكتبت أنها صورة لطيفة قائلة quot;أفتقدُكquot; بحرارة. وبعد خمسة أيام حوَّلت إليه مادة من صفحة ناشط سوري معارض على فايسبوك مع تعليقات نقدية عن الرئيس. وأوضحت قائلة quot;آسفة، إن بعضهم أجلاف جدًا، ولكننا نستطيع أن نعثر على الأسماء، رغم أن غالبيتها أسماء مزورةquot;.

وإذ تفاقمت الأزمة السورية يبدو أن هديل العلي رفضت وظيفة عُرضت عليها في جامعة وارسو في أيلول/سبتمبر الماضي، لكي تبقى إلى جانب الرئيس. وكانت تمده مع شهرزاد الجعفري بسيل منتظم من ردود الأفعال، التي تعبّر عن رأي أنصاره بخطاباته. وكانت تنقل إليه طلبات لإجراء مقابلات صحافية معه من صحافيين يُعتبرون مقبولين بنظر النظام، وروايته القائلة إن الثوار quot;إرهابيونquot; ومتطرفون إسلاميون.

وفي أواخر كانون الأول/ديسمبر قدمت هديل العلي نصيحة إلى الأسد بشأن أحد خطاباته، وحثته على أن يذكر أن quot;معاداة إسرائيلquot; يجب أن تكون فكرة أساسية في أذهان السوريين، وطالبته بأن يبدو quot;متوازنًا وعقلانيًاquot; حين يطرح quot;إصلاحاتهquot;.

وبعد الخطاب الذي ألقاه الأسد في كانون الثاني/يناير أصبحت لهجة هديل العلي أكثر حميمية، وأثنت على اختياره الطقم المناسب وملامحه المتعافية. وكانت فخورة بـquot;قوته وحكمته وكاريزميتهquot;.

يضاف إلى ذلك أن هديل العلي هي القناة التي تصل نصيحة إيران عبرها إلى الأسد. وفي باب النصح يأتي قول حسين مرتضى مدير قناة العالم الفضائية المدعومة إيرانيًا إن ليس من مصلحة النظام أن يُحمِّل تنظيم القاعدة مسؤولية سلسلة من التفجيرات. كما تحدث مرتضى عن علاقاته بحزب الله وطهران. وكانت هديل العلي هي التي نقلت رسائله الالكترونية إلى الرئيس مستخدمة حساب الأسد السري باسم سام [email protected].

ولا شك في أن هديل العلي وشهرزاد الجعفري صُعقتا بتسريب مراسلاتهما الخاصة. ولكنهما التزمتا الصمت منذ انكشاف سرهما. بيد أن تربيتهما الليبرالية في الولايات المتحدة لم تُترجم إلى تعاطف مع خصوم الأسد، بل ربطت الشابتان مصيرهما بالأسد، الذي يبدو في الوقت الحاضر على الأقل منتصرًا بلا رحمة على أعدائه، بحسب تعبير صحيفة الغارديان.