بغداد: أوصال العاصمة العراقية مقطعة، التدابير الامنية فيها تفوق الوصف، ولا شيء يعكر صفو مياه دجلة الا دوريات شرطة النهر التي تامل ان يمر يوم الخميس بسلام. انها اجواء القمة العربية التي تستضيفها بغداد بعد 22 عاما من الانقطاع عن quot;الحضن العربيquot;، متعالية على جراح خلفتها سنوات العنف الطائفي الاخيرة.

وبالرغم من تأجيل قمة بغداد سنة كاملة، لم تنته الاعمال في كثير من المرافق التي تستضيف الوفود الرسمية اضافة الى 1500 اعلامي من الخارج.

اكثر من مئة الف رجل امن مدججين بالسلاح ينتشرون في شوارع المدينة التي ما زالت تحمل ملامح الحرب والعنف و اثار الانفجارات، وذلك لمنع المجموعات المسلحة من تعكير صفو القمة التي تريد الحكومة العراقية ان تشكل رمزا لاستعادة دور العراق الاقليمي.

فقبل اسبوع فقط، تمكن تنظيم القاعدة من تنفيذ سلسلة هجمات اسفرت عن مقتل خمسين شخصا، بينها هجوم بسيارة مفخخة قبالة وزارة الخارجية. اغلب الجسور مقطوعة والحواجز الامنية الكثيفة المنتشرة في كل شارع، كفيلة بجعل اي رحلة داخل العاصمة تكاد تكون مهمة مستحيلة.

وسارت مدرعات مدججة بالجنود المسلحين امام وخلف الحافلات التي نقلت الصحافيين الى مقر اجتماعات وزراء المالية والاقتصاد. وفي فندق المنصور على ضفاف نهر دجلة، يقوم مئات الموظفين ذي الملامح غير العراقية بالعمل على مدار الساعة، ويتكلمون لغة سرعان ما يتضح انها تركية.

وقال امير القادم من اضنة، quot;انا هنا لخمسة ايام فقط، قدمت مع شركة ريكسوس التي تدير هذا الفندق لخدمة نزلاء القمة. يبدو انه لا يوجد عراقيون مدربون على هذا النوع من العملquot;. امير لا يتكلم العربية ولا يجيد الانكليزية ولا يخفي خوفه من العمل في العراق، ويقول quot;اشعر بالخوف احيانا، لكن العراقيين يبدون مرتاحين جدا ما يطمئنني قليلاquot;.

كل شيء يقدمه هذا الفندق مصنوع في تركيا، حتى ان الطهاة استقدموا من تركيا لايام فقط، من بين 1300 تركي استقدمتهم ريكسوس لquot;مهمة القمة المستحيلةquot;. لكن الغرف التي جددت ضمن مشروع تحديث شمل ستة فنادق والقصر الحكومي بكلفة نصف مليار دولار، تبدو بالكاد جاهزة لاستقبال الضيوف.

واشتكى احد الصحافيين من وجود علبة طلاء داخل خزانته، فيما يقول آخر ان الة التحكم عن بعد لجهاز التلفزيون في غرفته لا تعمل. وكان يفترض ان تكون هذه المرافق جاهزة منذ سنة لاستقبال القمة العربية التي تاجلت سنة كاملة بسبب الاضطرابات في الدول العربية والاوضاع الامنية في العراق.

وعلى الطريق السريع الذي يربط المطار ببغداد والمزنر باشجار النخيل، كان عمال يفرشون العشب ويسوون الارصفة، فيما كان آخرون يرشون ما يشبه الطلاء الاخضر على بقع لم يتسن للعشب المزروع ان ينبت فيها.

وكانت الحكومة قد خصصت لشارع مطار بغداد الذي يمتد على طول 12 كلم مبلغ مئتي مليون دولار، على امل ان يكون من اجمل الشوارع في العالم، حسب ما اعلن امين بغداد صابر العيساوي. اما شارع النضال الذي يمتد في وسط العاصمة والذي كان يفترض ان تكون اعمال تحديثة انتهت قبل سنة، فما زال كالورشة.

اعمال رصف الحجارة على جانبيه لم تنته، كما ان العواميد الحجرية القصيرة التي كان يفترض ان تزينه وتمنحه طابعا تقليديا، بعضها منزوع من الارض ومرمي بالقرب من المدرعات المنتشرة بالعشرات على جميع تقاطعاته.

الا ان قطع الطرقات والعطلة الطويلة التي اعلنتها الحكومة منذ الاحد وحتى نهاية القمة، شكلا متنفسا على ما يبدو لاطفال بغداد. ففي حي الكرادة على ضفاف نهر دجلة، تحولت شوارع مقطوعة الى ملاعب لكرة القدم، وكان الاطفال يتقاذفون على مقربة من مدرعة بيضاء، كرة قديمة.

وهدفت السلطات من خلال العطلة الى دفع الناس الى البقاء في بيوتها، او بكل بساطة مغادرة المدينة المقطعة الاوصال والتي اوقف قسم كبير من الحركة الجوية في مطارها. وقال علي يوسف quot;اسوأ ما في الامر ان القمة وضعت الرجال تحت رحمة نسائهم لانهم سيبقون في بيوتهم طيلة اسبوعquot;.

الا ان اغلب الميسورين من سكان بغداد غادروا بيوتهم لقضاء اسبوع من العطلة في شمال البلاد او جنوبه، في ظل طقس يقول العراقيون انه في هذه الفترة من السنة يكون الافضل على الاطلاق.