يبذل البعض في السعودية مساعي ومحاولات متعددة من أجل إثبات انحداره من قبائل عريقة حتى لو كلّفه ذلك دفع أموال باهظة لشيوخ قبائل لا يكلّفهم الأمر سوى توقيع على ورقة، فيما يعيد مختصون أسباب تزايد هذه الظاهرة إلى عوامل اجتماعية ونفسية.


ظاهرة شراء النسبزادت خلال السنوات الأخيرة في السعودية

الرياض:
تكاد تكون السعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي تنتشر فيه أسر ما زالت تبحث لها عن نسب قبلي تؤكد من خلاله عراقة جذورها، وحسب ما يسمع السعوديون فإن هناك من هو على استعداد لدفع مبالغ طائلة لشيخ هذه القبيلة أو تلك من أجل ختم صغير يثبت فيه أنه ذو نسب قبلي.

من المعروف أن أرض شبه الجزيرة العربية يغلب عليها الطابع القبلي، فجميع من سكنوها من العرب ترجع جذورهم الى أساس قبلي سواء أكانوا من البدو الرحل أو من الحاضرة الذين سكنوا القرى على امتداد أرض شبه الجزيرة العربية، وفي السنوات الأخيرة أطلت ظاهرة اعتبرها البعض أنها جديدة ولم يسبق لها مثيل على مر العصور ألا وهي ظاهرة شراء النسب أو (الأصل).

وظهرت الكثير من الحالات المشهود على صحتها، والتي تثبت أن شراء النسب القبلي يحدث بين فترة وأخرى، وقال بعض من تحدثوا مع quot;ايلافquot; من ابناء القبائل إنه بات من السهل في السنوات الماضية أن تدفع مبلغًا معتبرًا وتتحول إلى رجل ينتمي إلى قبيلة من القبائل بالتواطؤ مع رجل أو رجلين يشهدان لك زورًا أن لك جذوراً قديمة مع هذه القبيلة أو تلك.

أحد شيوخ القبائل ممن اتصلت بهم quot;ايلافquot;، وطلب عدم ذكر اسمه، يقول إنه ليس من الضرورة أن يكون طالبو الشهادة ليست لهم جذور قبلية، فربما يكون بالفعل ينتمي الى جذور قبلية وخرج أجداده للبحث عن طلب الرزق أو خوفاً من ثأر وانفصلوا عن القبيلة لردح من الزمن ثم عادوا من دون أن يجدوا من ثبت ارتباطه بهم.

ويضيف: quot;اسمع كما تسمعون أن هناك شيوخاً اخذوا المال من اجل اعطاء اختامهم للبعض وانا وعلى حد ما اذكر لم يحدث مثل هذا الشيء امامي، ولم يطلب احد مني أن اقوم بالختم له مقابل المال، وقد شهدت انا وابي لأناس كثيرين بأنهم ينتمون لقبيلتنا، وكان ذلك من دون مقابل لأننا نعرفهم وابناء قبيلتنا يعرفونهم، وهناك الكثير من الأسر المتحضرة من لهم امتداد قبلي ومن افخاذ قبائل معروفة بالجزيرة العربية وابناء القبائل يعرفونهم ويزوّجونهم ويتزوّجون منهمquot;.

quot;ايلافquot; التقت بالكثير من ابناء القبائل ومن مختلف مناطق المملكة وتناولت معهم هذا الموضوع، وأكد الكثير منهم أن ظاهرة شراء النسب أو (الأصل ) موجودة، بل وأكد بعضهم أنها ازدادت في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ.

ويرجع البعض منهم أن زيادة وجود من يبحثون لهم عن نسب أو أصل نتيجة طبيعية للتركيبة التي تأسست عليها الجزيرة العربية عبر عشرات القرون، إذ إن من ليست لديه جذور قبلية لا ينتمي الى جزيرة العرب.

ويؤكد البعض أن غالبية من يبحثون لهم عن نسب ويحاولون شراءه هم من الأثرياء والميسورون مالياً، وغالباً ما تكون لهم علاقة وثيقة مع شيوخ القبائل والوجهاء والنافذين من ابناء القبائل، ويغدقون عليهم الهدايا والأعطيات من أجل الحصول منهم على تواقيع لتصديقها وتثبت انتسابهم لتلك القبائل.

ومن الطرائف الواقعية التي حدثت بسبب ظاهرة شراء النسب، أن رجلاً و ابن عمه دفعا مبلغًا فأصبح أحدهما منتسبًا لقبيلة حضورها بارز في شرق المملكة ووسطها وأما الآخر فأصبح محسوبًا على قبيلة أخرى لها امتدادها في العراق والكويت رغم أن جدهما واحد!.

دوافع شراء النسب

الباحث الأكاديمي والمتخصص بعلم الاجتماع الدكتور سعد ال رشود كان يقول في مداخلة مع quot;إيلافquot; إن البناء الاجتماعي في المنطقة العربية له مكون اساسي وهو متغيّر القبيلة وهذا المتغيّر خدم الأفراد والجماعات حيث كانت المجتمعات القديمة تفتقر إلى الأمن والاستقرار، لتصبح القبيلة هي النظام الذي يشرع الأنظمة والقوانين ويحمي الأفراد.

ويتابع: quot;هذا المكون تعزز على مدى مئات السنين، وفي كثير من المراحل التصق بعض من لا ينتمون لقبيلة بعينها بقبيلة معروفة ملتزمًا بنظامها، ومع مر السنين تشكلت الدول النظامية التي اصبحت هي من تنظم أمور الحياة الا أن الناس ظلوا يحمون النظام القبلي لأنهم ينظرون اليه على أنه امتدادهم العرقي، ومن المعروف أنه عندما يقع أحد افراد القبيلة في معضلة أو مشكلة فإنه يلجأ الى القبيلة التي تقوم بحمايته ومما ينتج عن ذلك أن الأفراد ينظرون لها على أنها تشكيل استراتيجي عميق للأفرادquot;.

ويضيف ال رشود: quot;لو نظرنا الى الدول العربية التي حدثت بها توترات و نزاعات وجدنا أن الكثير ممن ينتمون الى قبيلة يعودون الى قبائلهم وهناك مثال حقيقي في حرب الخليج العام 1990 فقد حصلت هجرة وتواصل بين الأفراد وقبائلهم، وهذا التواصل عزز الحب والتعصب للقبيلةquot;.

واستطرد: quot;يُضاف الى ما مضى بروز مهرجانات الإبل والمهرجانات القبلية والفضائيات الشعبية التي عززت التعصب للقبيلة ومما نتج عن هذا ضغط شديد على الشريحة الأخرى التي تمتد الى اسم اسري مما جعلها تفكر جدياً بربط اسمها بأقرب قبيلة تعيش بجوارها أو كانت تعيش بكنفها قديماً ، حيث اصبح بعضشيوخ القبائل يمنحونهم تعاريف تثبت انتمائهم لهذه القبيلة أو تلك نظير مبالغ باهظة وخيالية احيانًاquot;.

ويرى الباحث السعودي أن السبب الأهم والجوهري الذي يدفع هؤلاء لشراء النسب هي النظرة الدونية لذواتهم وعدم تقديرهم لأنفسهم مما سبب لهم الإحباط والتوتر النفسي والاكتئاب وعدم الارتياح، وهذا ما يفسر أن بعضهم يدفع ملايين الريالات مقابل النسب، والبعض منهم ازدادت اوجاعه حتى بعد ان حصل على ورقة تثبت أن له انتماء قبلياً لأن هذه الورقة أعطته الاسم الأشمل للقبيلة، ولم تمنحه الامتداد الذي تعارفت عليه القبائل وهو امتداد الأفخاذ والبطون.

ويقول الدكتور سعد ال رشود إن ظاهرة شراء النسب تسببت بكوارث اجتماعية، حيث قام بعض من حصلوا على تواقيع تثبت انسابهم بتطليق زوجاتهم بعدما اكتشفوا أنهن لسنأكفاء لهم بالنسب، وكذلك العكس حيث اجبر البعض على تطليق زوجاتهم ايضًا، فيما البعض منهم لم يجد من يزوّجه من القبيلة التي انتمى اليها أو اشترى منها الاسم لأنه ما زال نسبه موضعاً للشك عند افراد القبيلة المنتمي اليها.

مبررات quot;نفسيةquot;

الدكتور سامي الأنصاري المتخصص بعلم النفس تحدث لـquot; ايلافquot; بخصوص ظاهرة شراء النسب القبلي، وقال: quot;عندما نتكلم عن الأمور النفسية في هذا الزمن نجد أن هناك مفارقات عجيبة جدًا تدع الحليم حيراناً، ومن هذه المفارقات ما نحن بصدده الآن الا وهو شراء النسب، رغم يقين الجميع بعدم جوازه حتى دينياًquot;.

وتابع: quot;لذلك عندما نحلل هذه الظاهرة نجد أن الشخص الذي يقوم بذلك لديه اضطراب داخلي وازدواجية وليس مقتنعًا بما هو عليه، ويرى أنه شخص ناقص وأن هذا النسب سوف يكمل النقص الذي لديهquot;.

ويضيف الإنصاري: quot;ايضًا هناك تحليل آخر وهو أن هؤلاء الناس قد يكونون مروا بتجارب مؤلمة في الصغر أدت بهم الى ما هم عليه في الوقت الحاضر، وكما يقول علماء النفس كل الامور الخارجية ما هي الا انعكاس لما بالداخل، فشعور هؤلاءالاشخاص بالدونية هو ما يجعلهم يبحثون عما يعزز الثقة لديهم وما يشعرهم بالإشباع النفسيquot;.

ويختم حديثه بالقول:quot; أضف الى ما سبق نظرة المجتمع المؤلمة تجاه من ليس لديه نسب قوي وتندر بعضهم على بعض في المجالس هذا قد يسبب ردة فعل عكسية تؤدي الى شراء النسب، ومنها ما قد يؤدي الى ابشع من ذلك وهي العزلة أو الرهاب الاجتماعي، لذلك لا بد أن نتكاتف سويًا لتصحيح الافكار لأن الافكار هي المحرك الفعلي للسلوك فلو تعدلت الافكار وتعدلت الصورة الذهنية لهؤلاء الاشخاص تعدلت سلوكياتهم