سيف الإسلام القذافي

يحظى سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بفرصة محاكمة قد تكون أكثر عدالة في لاهاي، في حال وافقت السلطات الليبية على تسلميه إلى المحكمة الجنائية الدولية، وذلك رغم الحكم المشدد بالسجنالذي ينتظره.


طالب قضاة المحكمة الجنائية الدولية يوم الأربعاء بتسليم سيف الاسلام القذافي نجل الزعيم الليبي السابق ووريثه في الدكتاتورية،ورفض القضاة طلبًا ثانيًا من السلطات الليبية في طرابلس بأن يمهلوهم المزيد من الوقت يعدون خلاله مسوغات قانونية لمحاكمة سيف الاسلام في ليبيا. وبدلاً من الاستجابة للطلب أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية قرارًا بأن ليبيا ليست لديها حجة قانونية تبرر تأخرها في نقل سيف الاسلام وأمرت المسؤولين الليبيين بأن quot;يشرعوا في اجراء الترتيبات لتسليم سيف الاسلام القذافي بلا إبطاءquot;.

وجاء القرار بعد نحو خمسة أشهر على وقوع سيف الاسلام بقبضة كتيبة من ثوار الزنتان ونقله الى مدينتهم. وهو رهن الاعتقال منذ ذلك الحين دون اتصال من الناحية العملية بالعالم الخارجي. وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت قرار اتهام بحق سيف الاسلام لارتكاب جرائم ضد الانسانية على أساس دعاوى بأنه قدأمر قوات النظام باطلاق النار على محتجين سلميين شرقي ليبيا في الأيام الأولى من الانتفاضة قبل أن يصبح الثوار قوة مسلحة.وأصدرت المحكمة قرارًا مماثلاً بحق عبد الله السنوسي، رئيس استخبارات القذافي.

وقال مدعي عام المحكمة الجنائية، المنتهية مهام عمله، لويس مورينو اوكامبو، إن لديه أدلة قوية على أن سيف الاسلام كان ضالعًا من البداية في حملة دموية ضد المحتجين. وقال اوكامبو لمجلة فانتي فير في آب/اغسطس إن رسائل نصية بين سيف الاسلام ومسؤولين كبار في نظام القذافي تبين أنه كان مسؤولاً عن نقل جنود من تشاد قاموا بدور أساسي في حملة النظام ضد المعارضة.

ويمكن أن يعني أمر المحكمة الجنائية الدولية بتسليمها سيف الاسلام سنوات وربما عقودًا في السجن لنجل القذافي ما أن يُنقل الى مقر المحكمة في لاهاي. ويرى مراقبون أنه رغم هذا المصير الذي ينتظره، فإن فرص سيف الاسلام في محاكمة عادلة افضل في لاهاي منها في ليبيا التي ما زالت الفوضى تعم نظامها القضائي بعد ستة اشهر على انتهاء الحرب، وما زالت عقوبة الاعدام معمولاً بها هناك.

وقال مساعد سابق كان قريبًا من سيف الاسلام لمجلة تايم إنه معزول عزلة تامة ولا يتصل بمحاميه أو افراد عائلته وأصدقائه. وهذه هي ايضًا الصورة التي رسمها محامو المحكمة الجنائية الدولية الذين زار اثنان منهم سيف الاسلام في الزنتان هذا العام. واصدرت المحكمة بيانًا تناولت فيه ظروف توقيف سيف الاسلام منذ اعتقاله في 19 تشرين الثاني/نوفمبر قائلة إن المسؤولين الليبيين حرموا سيف الاسلام من العلاج الطبي لإصابة في يده تعرض اليها خلال اعتقاله ومن علاج اسنانه التي تؤلمه. يضاف الى ذلك أنه لا يتصل بأفراد عائلته وأصدقائه وأن الزيارة الوحيدة التي عرفها كانت في كانون الأول/ديسمبر حين قابله فريد ابراهامز، المستشار الخاص لمنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية. وقال تقرير مكتب الدفاع في المحكمة الجنائية الدولية إن سيف الاسلام quot;أُبقي في عزلة تامة ما عدا زيارات مسؤولين وسلطات الادعاءquot; واصفًا وضع سيف الاسلام بأنه quot;ثقب أسود قانونيquot;.

ولكنْ هناكثقب أسود قانوني آخر قد يكون بانتظاره في ليبيا نفسها التي تعيش وضعًا سياسيًا صعبًا بسبب مناطق النفوذ التي توزعتها كتائب الثوار السابقين. إذ يتعين على وزارة العدل الليبية أن تنتزع المسؤولية عن ملف سيف الاسلام من ميليشيا الزنتان القوية التي تسيطر على المدينة الواقعة على بعد حوالي 130 كلم غربي العاصمة طرابلس. وحتى الآن لم يبدِ قادة الزنتان استعدادًا لتسليمه رغم البيانات المتعددة من طرابلس بأن سيف الاسلام سيُنقل الى العاصمة فور الانتهاء من بناء زنزانة خاصة به. وحتى إذا نُقل سيف الاسلام الى طرابلس، فإن المسؤولين الليبيين ابدوا ترددًا إزاء تسليمه إلى المحكمة في لاهاي.

وإذا امتنعت ليبيا عن تسليم سيف الاسلام الى المحكمة الجنائية الدولية، فإن قادتها قد يواجهون عقوبات تفرضها الأمم المتحدة لعدم تعاونهم مع المحكمة ، بحسب مجلة تايم مستدركة بأن هذا قد لا يعني الكثير وأن الحكومة الليبية تستطيع المناورة لكسب المزيد من الوقت. فإن السودان واجه وضعًا مماثلاً ونددت الأمم المتحدة بحكومته لرفضها تسليم اثنين من المسؤولين الى المحكمة الجنائية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية في دارفور. ولكن الأمم المتحدة لم تتخذ حتى الآن اجراءات ملموسة وأقل من ذلك اجراءات تأديبية ضد الحكومة السودانية لعدم تعاونها مع المحكمة.

ولكن ليبيا قد تكون حالة مختلفة ، أو هذا ما تأمله منظمات حقوق الانسان. فإن القادة الليبيين بعد تخلصهم من القذافي بمساعدة حلف شمالي الأطلسي حريصون على سمعة ليبيا بعد عقود ظلت خلالها دولة منبوذة في عهد القذافي. ونقلت مجلة تايم عن اليزابيث ايفنسن، مستشارة برنامج العدالة الدولية في منظمة هيومن رايتس ووتش، quot;أن ليبيا تعاونت حتى الآن مع المحكمة واستمرت في تعاملها بحسن نية مع المحكمة الجنائية الدوليةquot;. واضافت: quot;نحن نتوقع من الليبيين أن يفهموا أهمية تسليم سيف الاسلام الى لاهايquot;.

وفي بيان لاذع بانتقاداته يوم الخميس اتهم مكتب الدفاع العام في المحكمة الجنائية الدولية مسؤولين ليبيين بتقويض القضية المرفوعة ضد أهم سجين بل أقوى رجل باقٍ من دكتاتورية القذافي التي استمرت 42 عامًا ، سيف الاسلام الذي اعتبره قادة غربيون ذات يوم حامل راية الاصلاح والأمل المرتجى لمستقبل ليبيا.

وبمرور الأشهر ازداد قلق المحامين والحقوقيين الدوليين من تصفية سيف الاسلام في السجن من دون أن يقدم الى المحاكمة. وكان محامو الدفاع في المحكمة الجنائية الدولية حذروا القادة الليبيين من أن مثل هذه النهاية ستكون شديدة الضرر عليهم. واشار تقريرهم الى quot;الاعتداء الجسديquot; الذي تعرضله سيف الاسلام من دون الخوض في التفاصيل. ونقلت مجلة تايم عن محامي الدفاع في المحكمة الجنائية الدولية قولهمquot;إن قتل معمر القذافي بوحشية حرم الشعب الليبي من حقه في العدالة وحقه في معرفة الحقيقةquot;، محذرين من الآثار السلبية على الدولة الليبية الجديدة إذا حدث الشيء نفسه مع نجله.

ويرى مراقبون أن سيف الاسلام يعرف اسرارًا قد لا يريد البعض ان تُكشف. ورغم أن قرار الاتهام الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية يتعلق بأفعال سيف الاسلام في شباط/فبراير الماضي فإنه ، كما يُقال في أحيانٍ كثيرة ، سيميط اللثام إذا أُتيحت له الفرصة عن معلومات محرجة للغاية يريد زعماء غربيون أن تبقى طي الكتمان. وعلى سبيل المثال، اشار صحافيون فرنسيون في الأشهر الأخيرة الى تفاصيل تتعلق بتمويل القذافي حملة الرئيس ساركوزي الانتخابية العام 2007. ولعل الأخطر من ذلك تساؤلات عن الصفقة التي عُقدت مع مسؤولين من حكومة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير لتأمين امتيازات نفطية مربحة للشركات البريطانية في ليبيا. ونفى بلير وآخرون وجود اتفاق ضمني أدى الى الافراج في آب/اغسطس 2010 عن عبد الباسط المقرحي، الذي كان مسجونًا في اسكتلندا بعد ادانته في تفجير طائرة بان ام فوق قرية لوكربي الاسكتلندية ومقتل 270 شخصًا. فالرجل الذي تفاوض بشأن الافراج عن المقرحي ورافقه في الرحلة الى ليبيا حيث استقبلته حشود كبيرة كان سيف الاسلام القذافي.