دُفِع الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، إلى خوض معركة حاسمة تهدف إلى ضمان استمراره على الساحة السياسية، باعتباره رئيساً للبلاد، بعدما جاء خلف المرشح الاشتراكي، فرانسوا هولاند، في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية.


نيكولا ساركوزي

أشرف أبوجلالة من القاهرة: بات يتعين على الناخبين الفرنسيين الآن أن يختاروا بين ساركوزي، الرئيس الحالي الذي يبلغ من العمر 57 عاماً، ويقول إنه يمتلك من الخبرة والقدرة ما يساعده على إبعاد فرنسا عن أزمة الديون السيادية في أوروبا، وبين هولاند، الذي يبلغ من العمر كذلك 57 عاماً، ويعتبر رجل سياسة لطيفًا، وسبق أن تعهد خلق أجواء أكثر فخامة وتصالحاً في قصر الإليزيه.

لفتت في هذا الصدد اليوم صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إلى أن هناك أحد التساؤلات الحاسمة المتعلقة بما إن كان سيستطيع ساركوزي أن يجذب الـ 18 % من الناخبين الذين قرروا اختيار زعيمة اليمين المتشدد مارين لوبان.

وأشارت استطلاعات رأي في هذا الخصوص إلى أن نسبةً كبيرةً من الأشخاص الذين صوّتوا للوبان في الجولة الأولى قد يمتنعون عن التصويت في الجولة الثانية بدلاً من التصويت لمصلحة ساركوزي.

ومضت الصحيفة تؤكد أهمية القرار الذي سيتخذه الفرنسيون في مراكز الاقتراع بشأن رئيسهم بالنسبة إلى باقي القارة الأوروبية. فالبلاد لا تزال متوافقة حتى الآن مع وصفة التقشف الألمانية لمعالجة الأزمة. غير أن هولاند، الأقرب للفوز بجولة الإعادة المقررة في السادس من الشهر المقبل، قد حثّ جيرانه على إنفاق المزيد لتحقيق نمو اقتصادي.

وفي كلمة له أمام أنصاره يوم أمس الأحد، قال هولاند quot;مسؤوليتي، وكما أعلم أن هناك من يتابعني خارج حدود البلاد، هي أن أعيد توجيه أوروبا على مسار النمو وتوفير فرص العملquot;.

ثم نوهت الصحيفة بذلك التطور الأوروبي الآخر الذي حدث قبل بضعة أيام، وجاء ليبرز حقيقة تمرد مزيد من الأوروبيين على مسألة التدبير التي باتت تهيمن على طريقة تعامل القارة مع أزمة ديونها السيادية، بعد انهيار المحادثات التي كانت تشهدها هولندا من أجل خفض العجز الحاصل في الميزانية الحكومية بعد سبعة أسابيع من المفاوضات.

ورغم طلب الحكومة الفرنسية مراراً وتكراراً إحداث توازن أفضل للانضباط المالي وبث روح التضامن في منطقة اليورو، إلا أن ساركوزي انضم إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في التأكيد على التزام كل الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي بنظام صارم.

مع هذا، فإنه ووسط تخفيضات الإنفاق العميقة هذه، بما في ذلك خفض استحقاقات المعاشات ورواتب الموظفين، بدأت تتباطأ دول منطقة اليورو وبدأ المستثمرون يقلقون بشأن قدرة دول مثل إسبانيا وإيطاليا على تمويل عجز ميزانياتها في سوق السندات.

ثم مضت الصحيفة تتحدث عن الأداء السيئ للاقتصاد الهولندي، وكذلك التوقعات التي تتكهنّ بتعرّضه للانكماش هذا العام، بعد اتّساع نطاق عجز الميزانية، وتحول البلاد إلى واحدة من أكثر البلاد سوءًا على صعيد الأداء الاقتصادي في منطقة اليورو. وأضافت الصحيفة أنه وفي أعقاب التطورات السياسية التي شهدتها فرنسا وهولندا أخيرًا، فإن الاتفاق المالي المستوحى من ألمانيا، والذي وافق عليه قادة منطقة اليورو في بروكسل خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قد يتأخر أو تثار من حوله تساؤلات أيضاً.

وفي تحول للموقف الذي كان ينتهجه من قبل، بدأ يطالب ساركوزي، خلال الآونة الأخيرة، بتغيير مسار سياسات منطقة اليورو لضمان تصميمها أيضاً بما يعمل على تحفيز النمو.

ثم لفتت الصحيفة إلى أن المحللين منقسمون بشأن ما إن كان مرض عجز الميزانيات الضخم أو الوصفة الحالية لتخفيضات الميزانية هي المشكلة الرئيسة. وأوردت عن نيكولاس فيرون، الخبير الاقتصادي لدى مؤسسة بروغل البحثية التي يوجد مقرها في بروكسل، قوله: quot;الواضح أن هناك مشاعر قلق متزايدة بشأن النمو الاقتصاديquot;.

هذا وقد أظهرت نتائج الانتخابات الفرنسية فوز هولاند بـ 28.6 % من الأصوات، وساركوزي بنسبة 27.1%. كما جاءت النتيجة التي حققتها لوبان أفضل بكثير مما سبق وإن تكهنت بها استطلاعات الرأي وأفضل من الأداء الذي كان عليه والدها، جان ماري لوبان، حين تأهل للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في العام 2002.

كما جاءت تلك النتائج لتبين أن ساركوزي أخفق في جذب ناخبي اليمين المتشدد، رغم تركيزه على القانون والنظام، وتعهده تقليص أعداد المهاجرين للنصف إن أعيد انتخابه.

وبينما لم تطلب لوبان من أنصارها أن يساندوا ويقفوا إلى جوار ساركوزي، أعلن هو من جهته أنه سيقاتل خلال الأسبوعين المقبلين. وأضاف في تصريحات له أمام مجموعة من الصحافيين: quot;سأستغل كل ما لديّ من طاقة في الانتخابات. وسوف أخوض حملة ترشحي استناداً إلى ثلاثة أمور رئيسة هي: تضييق الخناق على المهاجرين، واحترام الحدود الفرنسية، والسعي إلى الحفاظ على الإنتاج المحلي في البلادquot;.

وختمت الصحيفة بقولها إنه ورغم تأكيد ساركوزي أنه نجح في تحاشي تداعيات الأزمات التي شهدتها اليونان وايرلندا والبرتغال، إلا أنه فشل في الإيفاء بوعوده الانتخابية، حيث بلغت البطالة نسبة هي الأعلى لها منذ 13 عاماً بعد اقترابها من 10 %، واقتراب الدين العام من نسبة قدرها 90 % من الناتج السنوي للبلاد، بعدما كانت 64 % عام 2007.