الشيوعيون العراقيون خلال مؤتمرهم التاسع

بغداد: عقد الحزب الشيوعي العراقي وهو من أقدم الأحزاب في البلاد مؤتمره الوطني التاسع في بغداد، بحضور حاشد ضم العديد من الشخصيات السياسية والثقافية والاجتماعية، فضلا عن حضور شعبي اكتظت به القاعة التي غلب عليها اللون الأحمر من خلال القمصان واربطة العنق والفساتين، حيث ردد الشيوعيون مؤكدين بانهم ماضون الى يوم آخر من النضال في سبيل تحقيق شعارهم الأثير (وطن حر وشعب سعيد).

وأقام الحزب الشيوعي العراقي مؤتمره التاسع على الرغم من عدم امتلاكه لاي مقعد في البرلمان، ولا في المؤسسات الحكومية، ويؤكد اعضاؤه انهم يعقدون المؤتمرات ويحتفلون بالمناسبات الخاصة بالحزب كونه جماهيريا، ولا علاقة لصناديق الاقتراع بالحضور على الساحة السياسية.

وبدأ حفل الافتتاح بموسيقى النشيد العراقي (موطني)، فيما قرأ مفيد الجزائري عضو المكتب السياسي للحزب أبياتاً من قصيدة الجواهري (المقصورة) التي مطلعها (سلاماً على هضبات العراق .. وشطيه والجرف والمنحنى)، قبل ان يحيّي ذكرى الشهداء الخالدين، ودعا الحضور إلى الوقوف صامتين اجلالا لهم. ثم حيّا الحضور وعبر عن الامتنان لهم بالقول (على مشاركتنا الاحتفال بالحدث الهام في حياة حزبنا، ومسيرته الكفاحية المديدة).

ثم ارتقى المنصة حميد مجيد موسى سكرتير اللجنة المركزية، الذي اشار في كلمته الى المهام الجلية التي تواجهم وقال: quot;نعقد العزم على مواصلة المسيرة بجد، مع قوى شعبنا الخيرة الأخرى، لبناء العراق الجديدquot;.

وأضاف: quot;إننا إذ نؤشر التحديات الكبيرة التي تواجه شعبنا، ونؤكد الاستعداد لمواجهتها، نجدد القول بأننا سنبقى أوفياء للعهد، وأننا على الدرب سائرون من أجل وطن حر وشعب سعيدquot;، وقال موسى: quot;ان همَنا الوطنيَ الاساسيَ والمباشرْ، هو إصلاحُ الأوضاع عبر مراجعةٍ تقيمية نقدية، لمسار العملية السياسية، ومعالجةِ الازمةِ العميقة، التي يعيشُها بلدُنا، والتي استفحلتْ معالمُها وسماتُها وابعادُها في السنة الاخيرة (كأزمةِ نظامٍ، وحكمٍ، وعلاقاتِ قوى) بما يهدد التعايشَ الوطنيْ، ويُنذر باحتمالاتٍ لا تُحمد عقباها، ان لم يجرِ تداركُ امتدادِها، وحصرُ آثارِها، والسيطرةُ على مآلها. وهو ما لا يمكن تحقيقه، من دون تخلي قيادات القوى المتنفذة، عن نمط التفكير السائد، المتشبثِ بالمحاصصة الطائفية، التفكيرِ المتزمتْ، غيرِ الواقعي، والمتمسكْ باساليبَ لا ديمقراطية، غايتُها الحصولُ على اكبر قسطٍ من السلطة والنفوذ، في ادارة الدولة، وهنا نقول بجلاءْ، اننا لا نرى مسؤولية الازمة تـعني طرفا من أطرافها، دون غيره. بل هي مسؤولية ُجميع القوى، وخصوصا المتنفذة ْ، وإن المسؤولية الاكبر تقع على من يملك القسطَ الاوفر في مفاتيح السلطة، والذي يؤهله اكثرَ من غيره لادارة الزمام والمبادرة، ونعني بذلك من يتصدرون السلطة التنفيذية، وبالذات مجلسَ الوزراء) .

واضاف : ولا جدوى من إنكار وجودِ الازمة وتجاهلِها او التهوينِ من آثارِها ونتائجِها. فهي باعتراف القاصي والداني، القريبِ والبعيدْ، قائمة وتعيش جماهيرُ شعبنِا مضاعفاتِها يوميا. وان حلَها ومعالجة نتائجها السلبية، يتطلب الخوضَ الجريء في اسبابها وخلفياتها، وعدمَ الترددِ في اتخاذ الخطواتْ، التي من شأنها اعادة الامل الى النفوس، التي ما زالت تتطلعُ الى تنفيذ القوى السياسية وعودَها للشعب، ببناء البديل الديمقراطي الحقيقيْ للنظام الدكتاتوري المباد، كما ينبغي ان لا يُصار الى المبالغة في الانجازات الامنية (ونحن لا ننكرها) على الارهاب والارهابيين، فما زال ابناءُ شعبِنا في العديد من المحافظات والمدن والحواضر، يعانون من المفخخات والتفجيرات والاغتيالات، ومن الاختراقات المتكررة للاجهزة الامنية، ومن ضعف الحصيلة في محاربة الفساد والمفسدين، حلفاءِ الارهاب الطبيعيين، وسارقي اموال الشعب، فالارهابُ والفسادُ لا يُحاربان فقط بالاجراءات والتدابير الامنيةِ والعسكرية (وهي ضرورية ومطلوبة، ولها الاولوية) بل ان هزيمتها جذريا، تتحقق بتكامل الاجراءات الامنية / العسكرية مع المعالجات السياسية (استكمال المصالحة الوطنية، واستكمال السيادة الوطنية) ومع الاجراءات الاقتصادية (التنمية، الاعمار، البناء) والاجراءات الاجتماعية (مكافحة البطالة، ووضع حد للفوضى الادارية، وتوفير الخدمات..).

كما ذهب موسى في كلمته الى الواقع السياسي العراقي قائلا : (لقد شهدت الآونة الاخيرة، رغم جرعات التهدئة التسكينية، تصاعدا كبيرا للتوتر في العلاقات بين القوى السياسية المتنفذة، والمتنافسة على سلطة القرار والنفوذ، انعكست في مفردات الخطاب السياسي، وتركت تأثيرَها على المزاج الشعبي، ووفرت الفرصَ لتنشيط العمليات الارهابية، وللتدخل الواضح في شؤوننا الداخلية من قبل القوى الخارجية (دوليةٍ واقليمية)، ولأرباك الاداءِ المتعثرْ اصلا، لاجهزة الدولة الامنية والعسكرية والادارية، والإضرارِ من ثم بمصالح الشعب والوطن العليا، وقد وجدت هذه الظواهرُ تجلياتِها فيما نشهدُه من تصريحاتٍ صاخبةٍ متضادةْ، وتوترٍ غيرِ مالوفْ بين الحكومة الاتحادية من جهة، واقليم كردستان والمحافظات من جهة أخرى، كذلك من تعثرٍ في استكمال تشكيل الحكومة، وبقاءِ حقائب الدفاع والداخلية والامن القومي فارغة، واستمرار التعثر في تشريع القوانين الرئيسية لتنظيم حياة المجتمع، وايضا في التضييق على الحريات العامة، والتجاوز على الدستور وغيرها الكثير) .

وتابع (وقد آن الاوان لنا، مع جميع قوى الخير، وكل من يشعرون بعظم المسؤولية، وبالحرص على سلامة الوطن وحرية الشعب، ان نكثفَ الجهودْ، للحثّ على اعتماد الطريق السليم والممتحن، لحل الازمة وتمكينِ البلد من معالجة مشاكلِه بشكل جذري. ولا طريق هنا افضلَ واسلمَ من الحوار الايجابي والبنّاء، بين الاطراف المعنية حقا وصدقا، بتعزيز وتطوير المسيرة الديمقراطية، للعملية السياسية. فالحوارُ هو البديلُ الوطني للتشنج، ولتأجيج التعصب الطائفي والعنف المذهبي، اللذين يهددان وحدة البلد. وهو طريق السلام والتفاهم، والتوصل الى ما ينسجم مع مصالح الوطن والشعب. واشار الى انه لكي يكون الحوار مثمرا ومجديا، لا بد ان يتسم بالرغبة الصادقة من كل طرف، في تفهم اعتباراتِ الطرفِ الاخر المشروعة، واحترامِ آراء الآخرين، والاستعداد للتنازلات المتقابلة والجدية، في مجرى البحث عن حلولٍ وسطٍ مشتركة، واقعيةٍ ومتوازنة، ونبذِ نهج الاقصاءِ والتهميش والتجاهل، والاستعلاءِ على الآخرين والاستقواءِ بالاجانبِ والمليشيات. وذلك كلـُه بعيدا عن التزمت والعناد والتشدد، والشكوكيةِ المفرطة التي تزعزع الثقة بين الاطراف المعنية. لكن هذا هو ما لا نلمسُه في الوقت الحاضر، للاسف الشديد. وفي كل الاحوال يبقى الحوارُ الوسيلة َ الفضلى، المنسجمة مع الدستور والديمقراطية، لوضع البلد على السكة القويمة.

وقال ان الحوارَ الذي نتطلع اليه ونسعى الى تحقيقه، ليس هدفا بحد ذاته. وهو لكي يكون مجديا، لا بد من مبادرات متواصلة مكثفة، وحراكٍ مستديم، وتهيئةِ أجواءٍ ايجابية لانعقاد مؤتمر وطني شامل، مهمتُه الأساسية إجراءُ مراجعةٍ تقييمية للعملية السياسية، والتوجهُ الى إصلاح النظام. وفي ختام كلمته وجه موسى حي نضال الشعوب واكد دعمه لنضال الشعب الفلسطيني ، فقال (نتوجهَ بالتحيةْ ونجددَ التضامنَ مع نضالِ الشعوبِ والكادحينْ، في حركاتهم الاجتماعيةِ الجبارة في اميركا واوربا وغيرهما، ضد الاستغلالِ الامبريالي، ومن اجل السلام والحريةِ والديمقراطية، والعدالةِ الاجتماعية، ومن اجل ان لا تتحملَ الشغيلة، تبعاتِ الأزمةِ الماليةِ والاقتصاديةِ البنيوية، التي سبّبتها الاحتكاراتُ الكبرى، بتجاهلِها واستهتارِها بمصالحِ شعوبِها، وشعوبِ العالم الأخرى، كذلك نؤكدُ دعمَنا لنضال الشعبِ الفلسطيني ضد الصلف الصهيوني، ومن اجل استعادة وحدته الوطنية، وضمان حقه في اقامة دولته الوطنية المستقلة. ونعبرُعن فرحنا بالانتصاراتِ التي حققتها شعوبُ اميركا اللاتينية، في بناء حياتِها وانظمتها المستقلةِ الديمقراطية، وفي تطورِها الاجتماعي والاقتصادي) .
كما قرئت في افتتاح المؤتمر كلمات لرئيس الجمهورية جلال الطالباني، التي ألقاها نيابة عنه مستشاره الدكتور جلال الماشطة، ونائب رئيس مجلس الوزراء د. روز نوري شاويس.وتخللت وقائع حفل افتتاح المؤتمر بعد ذلك، تقديم لوحات موسيقية غنائية راقصة ساهمت فيها فرقة (سومر) الاستعراضية، التي قدمت أوبريت (وحدة العراق) ، وكذلك فقرات أخرى، قدمتها فرقة (شباب الطوز) التركمانية، وفرقة (انجير) الكردية، وأخيرا فرقة (شبعاد) وأغانيها التراثية الجميلة.