نزار عسكر من استوكهولم: أصبحت الشابة الإيزيدية الكردية ماريا بارو، وعمرها 19 عاماً فقط، آخر ضحايا جرائم quot;غسل العارquot;، في السويد. فقد تلقت قبل أيام، كما تقول الشرطة، طعنات من سكين شقيقها، أدت إلى مقتلها، بدافع الحفاظ على quot;شرف العائلةquot;. ويحذر الباحثون الاجتماعيون من تزايد هذه الجرائم، ويعتقدون أن حلها يجب أن يكون جذريًا، يبدأ من رياض الأطفال والمدارس، ويعزون سبب تزايدها إلى فشل الاندماج في المجتمعات الأوروبية الجديدة.

الناشطة النسائية سحر الماشطة

لاتزال الشابة العراقية ماريا بارو، ذات الـ 19 ربيعاً، محل اهتمام الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون السويدية، رغم مرور أيام عدة على مقتلها، الذي جاء بحسب الشرطة على يد شقيقها، في مدينة لاندسكرونا، في جنوب السويد. ويُعد مقتل هذه الشابة آخر حلقة في سلسلة من جرائم قتل النساء المهاجرات، ضمن ما بات يُطلق عليه جرائم quot;غسل العارquot;، التي حصدت أرواح عدد من النساء المهاجرات خلال السنوات القليلة الماضية.

quot;مارياquot; هو الاسم الوهمي الذي أطلقته الصحافة على هذه الشابة، التي قُتلت كما تقول الشرطة، على يد المشتبه الأول في قتلها، وهو شقيقها الذي يبلغ من العمر 16 عاماً فقط. ولم تأت الصدمة فقط من فعل شقيقها، وإنما أيضًا من والدتها، التي اعتقلت مع ابنها، للاشتباه في تحريضها الابن على ارتكاب الجريمة، وهو ما تنفيه هي.

كانت ماريا قالت في مقابلة تلفزيونية مع قناة TV4، قبل ستة أيام فقط من مقتلها: quot;إن والدتها تختق حياتها، وشقيقها يريد السيطرة عليهاquot;، هذه المقابلة تُعتبر الآن من الأدلة التي ستستخدمها الشرطة ضد المشتبه فيهما.

وتعتقد النيابة العامة والشرطة أن مقتل ماريا كان بدافع ما يُطلق عليه المهاجرون الشرقيون بـ quot;غسل العارquot;، أو quot;القتل من أجل الحفاظ على الشرفquot;!. وتحدث زملاء ماريا عن وصفها قبل مقتلها، كيف أنها كانت تتعرّض للضرب من قبل أمها، وتهددها بالقتل، ووصفها بأنها quot;عار على العائلةquot;. وبحسب المعلومات الصحافية المنشورة فإن والدة ماريا كانت أُجبرت على الزواج بوالدها عندما كان عمرها 13 عاماً فقط. ونقلت صحيفة quot;أفتون بولادتquot; المسائية عن صديق كردي لماريا قوله: quot;لم تكن تتعامل الوالدة معها معاملة الأم لابنتهاquot;.

ونشر عدد من الجمعيات الإيزيدية في السويد بيانًا أدانوا فيه مقتل هذه الشابة، وأكدوا أن العنف والقتل بعيدان عن أخلاق وتقاليد الإيزيديين.
ويحدث هذا النوع من الجرائم عادة، عندما تتمرد الفتاة على تقاليد الأسرة الموروثة، التي تمنعها من الاختلاط بالشبان، وإقامة العلاقة مع أحد من دون علم وموافقة الأسرة، ورفض الفتاة الزواج بالشخص الذي تختاره العائلة لها، وما إلى ذلك من أسباب تندرج في منظومة قيم يجلبها المهاجرون معهم، سرعان ما تصطدم بقوة في المجتمع الجديد، الذي نالت فيه المرأة حقها في العيش مستقلة اقتصادياً واجتماعياً.

quot;لم يعد الصمت ممكناًquot;
المئات من المهاجرين والسويديين تجمعوا في 2 أيار (مايو) الأخير في إحدى الساحات في مدينة مالمو (جنوب السويد) للتعبير عن صدمتهم مما يقولون إنه quot;تزايد خطر في عدد الجرائم المرتكبة بحق النساء بذريعة الشرفquot;. وأطلق المحتجون صيحات غضب في وجه الحكومة والمؤسسات المعنية، للعمل بجد على الحدّ من هذه الجرائم.

سارة محمود، وهي مسؤولة منظمة quot;لا تنسوا فاطمة وبيلاquot; النسائية، قالت في الفعالية: quot;ما دام السياسيون في الأحزاب السويدية لم يأخذوا هذه القضية محمل الجد، فإنها لذلك ستطول، ويذهب المزيد من النساء ضحايا لهاquot;.

فنانون ومثقفون وسياسيون من مختلف الاتجاهات شاركوا في التجمع، وعبّروا عن دهشتهم لاستمرار وتزايد هذه الجرائم، حتى إن بعضهم تساءل باستغراب: quot;هل حقاً نحن في السويد؟quot;. فيما طالب آخرون بكسر الصمت، والقيام بما يستوجب لوقف هذه الجرائم، ومعاقبة مرتكبيها. وأطلق المحتجون 1000 بالونة وردية تخليداً لذكرى ماريا.

الماشطة: الفشل في الاندماج وممارسة نمط الحياة السابق أحد الأسباب
الناشطة النسائية السويدية من أصل عراقي سحر الماشطة تقول لـ quot;إيلافquot; إن الفشل في الاندماج بالمجتمع الجديد، هو أحد أهم الأسباب في تزايد العزلة عنه، وبالتالي تزايد الجرائم والمشاكل.

وتعتقد الماشطة، التي مضى على وجودها في السويد سنوات طويلة، وتنشط في مجال منظمات المجتمع المدني، وتدير شركة خاصة بها، لتعزيز التعاون وإقامة المشاريع بين السويد والعراق، تعتقد أن quot;تعلم اللغة هو المفتاح للدخول في المجتمع الجديد، وبدونه لايستطيع المهاجر عمل أي شيءquot;.

وتضيف: quot;علينا فهم ميكانيكية المجتمع، وعدم جلب طريقة الحياة التي كنا نمارسها في بلداننا هنا، لأن فعل ذلك يؤدي إلى الفشل 100 %، فالمجتمع الجديد مختلف كليًا عن تلك المجتمعاتquot;.

كيف يواجه المجتمع جرائم الشرف؟
تلجأ المؤسسات الاجتماعية التابعة للدولة في السويد ومعظم الدول الإسكندنافية، إلى تقديم المساعدة إلى النساء اللواتي يتعرّضن للعنف والتهديدات بالقتل، من خلال توفير مساكن محمية لهن، وحجب عناوينهن، وتسهيل حصولهن على عمل، ومحاولة توعية وتثقيف عوائلهن بحقهن في الاستقلال وفي إقرار الحياة الشخصية لهن.

تتجمع المجتمعات العربية والشرقية المهاجرة بمعظمها في ضواحي المدن، مشكلة مجتمعات خاصة بها، لأسباب كثيرة، لا مجال لذكرها، تكون أحيانًا كثيرة خارجة عن إرادتهم، بحكم عوامل البطالة واللغة وحتى التمييز العنصري. ويتعرّض الكثير من الشابات لعنف غير مبرر إطلاقاً، من قبل الأباء أو الأشقاء وحتى الأقارب، لمجرد ارتباطهن بعلاقة ما، مهما تكن، حتى وإن كانت في معظمها علاقات بريئة لا تمت للممارسات الجنسية بصلة.

الباحثة ججو: نقدم محاضرات لأولياء أمور الأطفال لتنميتهم بشكل سليم
الباحثة الاجتماعية حياة ججو تعمل في منظمة نسائية سويدية تقدم المساعدة إلى النساء اللواتي يتعرّضن للعنف، تقول لـ quot;إيلافquot;: quot;نحاول اعتماد لغة الحوار والتثقيف للقضاء على جذر هذه الظاهرة، لذلك نقدم محاضرات تثقيفية لأولياء الأمور في رياض الأطفال والمدارس، لتعريفهم بحق الإنسان والمساواة بين المرأة والرجل، حتى يساهموا في تنمية تفكير أولادهم بشكل سليمquot;.

تضيف ججو: quot;أعمل في مشروع مع باحثة أجتماعية أخرى، في تقديم المحاضرات إلى اللاجئين والمهاجرين الجدد الذين قدموا إلى السويد، وهم في المرحلة الابتدائية لتعلم اللغة السويدية، ونشرح لهم ماهية الاختلافات بين النظامين الاجتماعيين، السويدي والمجتمعات التي قدموا منهاquot;.

ججو تؤكد أن هناك اختلافًا شديدًا بين الأنظمة الأجتماعية بين بلداننا والمجتمعات الأوروبية الجديدة، فالمجتمعات الشرقية هي quot;جماعيةquot;، بينما الأوروبية هي quot;فرديةquot;، تولي لدور الفرد وحقوقه أهمية قصوى، لذلك فإن عدم فهم هذا الأختلاف يؤدي إلى مشاكل كبيرة، أحد مظاهرها هي جرائم quot;الشرفquot;.