تتسع رقعة المقاومة المدنية في سوريا بفضل جيش من الصحافيين الهواة الذين قرروا توظيف طاقاتهم في اطلاع الرأي العام على ما يجري.

ومن هؤلاء الصحافيين رانيا التي تعمل من غرفة معيشة في احد البيوت في بلدة الزبداني. وفي هذا المكان الذي لا يجمعه جامع مع غرف التحرير المتعارف عليها، كانت رانيا تركن إلى كومبيوترها المحمول بلا هوادة، وهي تبعد عنها الزوار والضيوف بهدوء، لكنه هدوء حازم لأن لديها موعدًا مع القراء لا تريد ان يفوتها.

كان الوقت صباح السبت وأقل من 24 ساعة على موعد صدور quot;اوكسجينquot;، مجلة الثوار المحلية في هذه البلدة الريفية الناعسة بين الروابي الواقعة شمال غربي دمشق. وكانت رانيا تضع اللمسات الأخيرة على مادة عن المراقبين الدوليين في سوريا.

وبعد 24 ساعة خرجت quot;اوكسجينquot; طازجة من المطبعة الكائنة في بيت آخر من بيوت الثوار. وتفحصت رانيا مع فادي، المهندس الذي تحول طباعا، عدد المجلة الجديد بعيون نقدية. وقال فادي quot;ان اللون كان بالامكان ان يكون أفضلquot; وعلقت رانيا بالقول quot;هذا المقال لا يعجبنيquot; مشيرة الى موضوع يشرح ما هو السلاح المضاد للدروع الخفيفة وكيف يُستخدم. وأشارت إلى أن هذه المادة أُضيفت في اللحظة الأخيرة دون علمها.

ونقلت صحيفة الغارديان عن رانيا سبب امتعاضها قائلة إن كل الغرض من المجلة هو تأكيد الالتزام بالمقاومة السلمية.

وبعد خمسة عشر شهرًا على الانتفاضة توارت روح الثورة عن الأنظار في مناطق مثل حمص حيث همّ السكان محاولة البقاء في دوامة العنف بسبب قصف قوات النظام ورد عناصر من الجيش السوري الحر. ولكن حركة المقاومة اكتسبت قوة متزايدة في المناطق الهادئة نسبيا مثل الزبداني.

وبعد أشهر من القتال عندما تمكن رجال الجيش السوري الحر من تحرير البلدة البالغ عدد سكانها 45 الفا ثم قصف قوات النظام لاستعادة السيطرة عليها، يسود الزبداني الآن سلام هش. وأقام جيش النظام وقوى الأمن حواجز تفتيش خارج البلدة، ولكن فضاء الزبداني في الداخل أتاح انتعاش النشاط السياسي. وارتدى هذا النشاط شكل مجلة محلية من بين اشكال أخرى.

ويصدر فريق الزبداني المؤلف من سبعة اشخاص هم خمس نساء ورجالان، دون ان يكون بينهم صحافي واحد محترف، مجلة quot;اوكسجينquot; الاسبوعية في 12

غلاف quot;اوكسجينquot;
صفحة بهدف اطلاع الأهالي على ما يجري ومحاولة ابعاد السكان عن حمل السلاح.

ويتضمن كل عدد اخبارا ومقالات ورسما كاريكاتيريا بريشة فنان محلي. ونشر عدد أخير من المجلة رسما يعبر عن مشاعر المحتجين إزاء فرص نجاح بعثة المراقبين الدوليين. وظهر في الرسم الرئيس بشار الأسد وقدماه على مكتبه يحرك المراقبين بجهاز التحكم عن بعد.

وتتضمن صفحات المجلة، انسجاما مع روح النكتة لدى المحتجين السوريين، باب الأبراج بتنبؤات عن حظوظ شخصيات مختلفة، من الثوار ـ يقول احد الأبراج quot;لن تخاف الموت بعد الآنquot; ـ الى الروس ـ quot;انتم تحاولون السيطرة على كل شيء.... ننصحكم بإمعان التفكير في ذلكquot; ـ الى الشبيحة ـ quot;تشعر بأن هناك خللا في جيناتكquot;.

ومجلة quot;اوكسجينquot; ليست الوحيدة في رسالتها الاعلامية. فمنذ اندلاع الانتفاضة في آذار/مارس انبثقت وازدهرت مجموعات على فايسبوك ورسائل اخبارية على الانترنت. ولكن هذه لم تصبح إلا مؤخرا مطبوعات محترفة تفوقت من حيث النوع على صحف النظام الرسمية.

وفي بلدة درايا قرب دمشق، المعروفة بمعارضتها السلمية قبل الانتفاضة، اصدرت مجلة quot;عنب بلديquot; عددها الأول في 19 كانون الثاني/يناير. ولدى سَلَمية قرب حماة وحي الميدان في دمشق ايضا مطبوعات محلية خاصة بهما.

ونقلت صحيفة الغارديان عن ناطور وهو الاسم الحركي لناشط ينتمي الى فريق من 15 أو 20 عضوا يصدرون مجلة quot;عنب بلديquot; في درايا كل يوم أحد على غرار quot;اوكسجينquot; ، قوله quot;ان الفكرة بدت طبيعية بعد اشهر قليلة على الثورة. إذ كنا بحاجة الى فضاء للتعبير عن أفكارنا وآرائناquot;.

وحرية التعبير ليست مما يحرص النظام السوري على ضمانه كما يشهد على ذلك أحدث مؤشر لحرية الصحافة نشرته لجنة حماية الصحافيين في نيويورك حيث جاءت سوريا بمرتبة كوريا الشمالية واريتريا في ممارسة الرقابة على الاعلام.

وإذ حاول نظام الأسد تصوير المحتجين على انهم مجموعات ارهابية فإن الناشطين السلميين وصحافييهم اثاروا غضب النظام. وفي الزبداني أوصل احد رجال الأمن رسالة الى أسرة تحرير quot;اوكسجينquot; ينذر أفرادها بأن يتوقفوا عن إصدار المجلة.
وتردد انه قال في الرسالة quot;احملوا سلاحا ولكن لا تفعلوا اشياء كهذهquot;. وقال ناطور إن المساهمين في المجلة الذين لديهم وظائف وأعمال أخرى خلال اليوم، عليهم أن يحذروا من اكتشاف امرهم.

ولكن التهديدات لم تثن غرف التحرير الصغيرة هذه. فإن توزيع مجلة quot;اوكسجينquot; 400 نسخة فقط، ولكن رانيا واعضاء فريقها يطمحون في توسيعها وايصالها إلى مدن أخرى مع ازدياد الطلب عليها. واعتاد اهل الزبداني على صدور مجلتهم بانتظام.

وجلس معلمان يتصفّحان المجلة في مقهى فيما كان رجال بساتين الزبداني من عناصر الجيش السوري الحر يقهقهون على الرسوم الكاريكاتيرية. وقال افراد اسرة تحرير quot;اوكسجينquot;، مثلهم مثل نظرائهم الاعلاميين في انحاء العالم، إن العقبة الرئيسة هي توفير العشرة آلاف ليرة سورية (110 جنيهات استرلينية) التي يكلفها طبع كل عدد من المجلة.