أظهرت لقطاتٌ سريّة بثها التلفزيون الرسمي السويدي SVT، عدداً من أئمة الجوامع في السويد، وهم ينصحون سيدتين تنكرتّا بزي مُنقبتين، بالخضوع لرغبات زوجيهما، وقبول ضربهما، إن كان خفيفاً، وعدم إبلاغ الشرطة بذلك، وتلبية الرغبات الجنسية لهما، بغضّ النظر عن رغبتهما.


صورة لإحدى المنقبات ظهرت في برنامج التلفزيون السويدي

نزار عسكر من ستوكهولم: فيما طلبت قلةٌ من الأئمة، شملهم استطلاع البرنامج، إبلاغ الشرطة بذلك. وقد جرى تصوير هذه اللقطات بكاميرا سرّية، ومسجّل صوت من قبل المُنقبتين لمصلحة التلفزيون السويدي.

أثارت هذه اللقطات استياء رسمياً، وصدمة لدى أوساط الرأي العام السويدي، لكون نصائح الأئمة، غير قانونية، وتتنافى مع القوانين السويدية، وتُشكل بحسب مسؤولين ومراقبين، ضرباً وتحايلاً على منظومة المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الدولة إلى المساجد من أموال دافعي الضرائب.

هذه اللقطات وردت في البرنامج التلفزيوني الشهير quot;Uppdrag granskningquot;، الذي يقدمه الصحافي المعروف quot;يني يوسفسونquot;، وهو البرنامج الذي يتابعه ملايين السويديين، كل أسبوع، ومهمته كشف الفضائح والمخالفات والسرقات التي يقوم بها المسؤولون والأحزاب السياسية والمؤسسات الرسمية والشركات والأشخاص، مهما كانت مرتبتهم السياسية أو الإجتماعية.

كانت الدهشة كبيرة عندما صرّح الأئمة أنفسهم، بمواقف تناقض تمامًا لما قالوه للسيدتين المنقبتين عند لقاء الصحافي السويدي معهم بطريقة علنية، من دون أن يعلموا أنهم صُوّروا سراً قبل ذلك!. وقامت السيدتان بزيارة 10 مساجد في مختلف المدن السويدية، لمعرفة آراء الأئمة فيها، فكانت توصيات غالبيتهم تتعارض بشكل حاد مع القوانين السويدية، عدا قلة منهم طلبت إبلاغ الشرطة.

حاولت السيدتان تمثيل تعرّضهما للعنف من قبل زوجيهما، لدفع رجال الدين إلى البوح بموقفهم، وهو ما اعتبره رجال الدين المسلمون في السويد، محاولة مقصودة وغير قانونية، للإيقاع بهم، فيما عرض البرنامج لقاء مع رجل مسلم، قال إنه تزوج بالفعل بأربع سيدات، وأظهر لصحافية في فريق البرنامج وثائق رسمية تؤكد ذلك.

ومعروف أن القانون السويدي يمنع بشكل قاطع تعدد الزوجات، وممارسة العنف ضد النساء والرجال والأطفال، مهما يكن شكل هذا العنف، حتى وإن كان تعنيفاً بسيطاً. والنظام في السويد ملكي دستوري منذ العام 1544، وأول قانون لحريّة الصحافة في العالم سنّته السويد في العام 1776. والسويد لا دين رسمي لها، فهي تفصل تمامًا الدولة عن الدين، لكنها تقدم المساعدات المختلفة إلى دور العبادة التابعة لمختلف الأديان بما فيها الجوامع.

على خلفية البرنامج المذكور، يدور الآن جدل حامٍ بين فريق يقول إن بعض هذه الجوامع ينتهك القانون العلماني للدولة، ويضعه في تضاد مع تعاليم الإسلام، وبالتالي تمنع المساجد اندماج المسلمين بمجتمعاتهم الجديدة. أما الفريق الآخر فيعتقد أن الهدف من كل ذلك، هو quot;إستدراجquot; الأئمة، والإيقاع بهم، لخدمة التيار اليميني العنصري المعادي للإسلام والمسلمين.

رفض سويدي واجراءات تشمل قطع المساعدات عن المساجد
السويديون يقولون إن رجال الدين، من أي دين كانوا، لا يمكنهم القيام بدور القضاء، فهم ينطلقون من تفسيراتهم لمعتقدات دينية معينة، قد تتعارض مع القوانين وقيم المجتمع العلماني. وبرزت تعليقات كثيرة في الصحف تدعو الدولة إلى السيطرة على ما تسمّيه تلاعب بعض رجال الدين بعقول البسطاء من الناس.

وزير الإندماج السويدي إيريك هاك، دعا في تصريحات صحافية، إلى تدريس أئمة المساجد أسس قيم المجتمع السويدي، قبل الموافقة على توظيفهم في المساجد. واستغرب هاك النصائح التي قدمها الأئمة إلى السيدتين، قائلاً إن شرط الحصول على الشهادة موجود حتى في السعودية.

وعبّر الوزير السويدي عن رفض المجتمع السويدي بقوة لممارسة العنف ضد المرأة مهما كان شكل هذا العنف. وتدرس الحكومة حاليًا الدور الذي تقوم به المساجد في المجتمع، وتجري تحقيقاً حول مدى مخالفة بعض المساجد للقانون، الأمر الذي يعني قطع المساعدات ومحاسبة من يقوم بذلك، في حال ثبُت الأمر. علمًا أن هناك في السويد حوالي 400 ألف مسلم، يتحدرون من مختلف الدول، معظمهم من العراق، فإيران، والصومال، وأفغانستان، وسوريا، وتركيا، وفلسطين، ولبنان.

الشيخ أحمد المفتي: البرنامج حاول استدراج الأئمة ولم يعرض كامل نصائحهم
quot;إيلافquot; التقت الشيخ أحمد المفتي من مسجد يوتوبوري (جنوب السويد)، الذي قال لها، إن المنقبتين حاولتا استدراج الأئمة، وإن البرنامج اجتزأ أقوالهم، ولم يعرضها بالكامل، لكنه انتقد بعض الأئمة للأخطاء التي ارتكبوها، ووصف بعضها بأنها فاضحة.

وقال: quot;يجب على الإمام أن يرد بالجواب نفسه، سواء كان للسويدي أو لغيره، للمسلم أو لغيره، وعليه أن لا يغيّر جوابه، وإذا حدث تغيير، فهناك خطأ في الفهم أو العرضquot;. وأكد أن الجهات الإسلامية طلبت رسميًا من التلفزيون السويدي عرض كامل ما دار من حوار بين السيدتين والأئمة، وهو الأمر الذي وافق عليه التلفزيون كما قال.

الشيخ أحمد المفتي

وأضاف المفتي: quot;أن إحدى المنقبات في البرنامج، حاولت دفع الإمام إلى ثنيها عن إبلاغ الشرطة، من خلال قولها له، إنها quot;تحب زوجها، ولا تريد فقدانه، وهو يحبها، لكنه يضربني أحيانًا على يدي، فهل تنصحني بإبلاغ الشرطة؟quot;، وهو ما دعا الإمام إلى القول إنه اذا كان الموضوع بهذه البساطة فليس هناك داعٍ لإبلاغ الشرطة.

وردًا على سؤال quot;إيلافquot; حول ما إذا كانت المؤسسات الإسلامية تعتقد أن هناك دوافع عنصرية وراء البرنامج، قال المفتي: quot;إن شريحة صغيرة يقودها حزب quot;سفاريا ديمكراتناquot; اليميني المتطرف، قد تكون 10 % منها هي التي تعادي المسلمين. أما باقي الشعب السويدي فهو شعب طيب ومسالم، وأن 70 % منه لا يعرف شيئًا عن الإسلام، لكن بالتأكيد هناك عنصرية، وهي ليست موجّهة ضد المسلمين وحدهم، وإنما ضد كل المهاجرين الأجانبquot;.

يعتقد المفتي أن سبب العداء تجاه الإسلام هو quot;انتشاره بكثرة وإشهار الكثير من الأوروبيين إسلامهم، وزيادة اهتمامهم بتعاليم هذا الدينquot;. مؤكدًا أن مجاميع عديدة تأتي إلى المسجد بهدف التعرف إلى الإسلام.

وحول اندماج المسلمين بالمجتمعات الجديدة، قال الشيخ المفتي: quot;يجب على المسلمين الالتزام الكامل بالقانون، وعدم مخالفته بأي شكل من الأشكال، لأن عدم الالتزام به يخالف الدين، فالمسلم الذي نال الحرية في هذه البلدان، وأخذ جوازها، ودرس في مدارسها، عليه الالتزام بكل القوانين من دون استثناء، وعليه أيضًا الاندماج، وهذا ينطبق على الإمام وغيرهquot;.

ميسون مراد: من الصعب على المسلمين الاندماج بالمجتمعات الأوروبية
quot;إيلافquot; التقت أيضًا ميسون مراد، وهي ناشطة نسائية عراقية، حصلت قبل أشهر على جائزة السويد quot;للإبداع في العمل والمساواةquot; لعام 2012، لدورها في المساواة بين الجنسين. تقول ميسون التي تعمل في منظمة المرأة التابعة للأمم المتحدة إنها شعرت بالحزن عندما شاهدت البرنامج .

وقالت: quot;البرنامج أعطى انطباعاً وفكرة سلبية للغاية عن المسلمين وقياداتنا الدينية، فالإمام يجب أن يعطي الصورة الحقيقية الكاملة للشرع والقانون، ويعطي حرية القرار لطالب الفتوى، من خلال معلومات واضحة شرعًا وقانونًاquot;. وأضافت: quot;اتصل بي الكثير من الأصدقاء السويديين وأبدوا تعجبهم لما تعانيه المرأة المسلمة من ظلم، ولدور الأئمة وتأثيرهم السلبي على الوضع الاجتماعي للعائلة، علمًا أن الإمام موظف يحصل على مرتب من دافعي الضرائب السويديينquot;!!.

ورأت ميسون من خلال تجربتها quot;أنه من الصعب جدًا على الجاليات العربية والإسلامية الاندماج بالمجتمع الأوروبي العلمانيquot;. وعبّرت عن صدمتها من quot;أن الكثير من النساء يعشّن في هذه البلدان، ولا يلمّن باللغة، وبالتالي فهن لايعرفّن القوانين، ما يدفعهّن إلى مخالفة القانون لعدم فهمه، والانعزال تمامًا، وعدم الاندماج في المجتمع الجديد، الذي اختارنه هنّ بأنفسهنّ من دون إجبار أو إكراه، لكي يعشنّ فيه بأمانquot;.

وأضافت: quot;ما يزيد الطين بلّة هي التكتلات والانعزال العائلي للمهاجرين البعيد كليًا عن المجتمع الذي يعيشون فيه، حيث يلتقون في المناسبات الدينية، ويستمعون إلى الخُطب وفتاوى الأئمة، التي للأسف الشديد تُمجّد دور الرجل التقليدي، وتُقلل وتسلب حقوق المرأة، ضمن العائلة والمجتمع، فهذا انتهاك لقوانين المجتمع الأوروبي، الذي يعطي المرأة دوراً مساوياً للرجلquot;.

خطبة في جامع في السويد

تعتقد ميسون أن كل المهاجرين من دون استثناء اختاروا بأنفسهم اللجوء إلى البلدان الأوروبية، لذلك quot;لا يمكنهم أخذ المنافع المتوافرة، وانتهاك قوانينها، فهذا هو سبب الانفعال السلبي تجاههم من قبل المجتمعات المضيفة لهمquot;. وقالت ميسون إن كلامها هذا موجّه إلى كل المذاهب الدينية، وليس إلى مذهب دون غيره.

لكن ميسون رأت quot;أن الخطوة الأهم بنظري هي تعليم وتثقيف المرأة أولاً. فإذا عرفت المرأة حقوقها وواجباتها داخل العائلة والمجتمع لن تُستَغل بالفتاوى والأحكام التي يُصدرها بعض أئمة المساجدquot;، وشددت على أنه: quot;لا يحق للإمام أن يُمارس دوره في السويد، إلا بعد حصوله على تصريح وتأهيل في التشريعات القانونية النافذة في البلادquot;.

أسو عارف: لا يمكن للشريعة أن تحكم بدلاً من القوانين العلمانية والدستورية
أما الناشط في مجال حقوق الإنسان أسو عارف، فلا يعتقد أن وجود المسلمين في البلدان الأوروبية أصبح خطراً على علمانية هذه الدول، كما تدّعي الجماعات اليمينية المتطرفة. وقال عارف لـ quot;إيلافquot;: quot;إن دور المساجد محدود، والقوانين السويدية مدنية، ولا أعتقد أنها تستطيع أن تؤثر بشكل جذري على القوانين، ولا على عادات وتقاليد البلد، فالعلمانية لها مؤسسات تحميها من هذه المخاطرquot;.

لا يرى عارف أن هناك حرباً ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا، لكنه يعتقد أن أحزاب اليمين المتطرف تحاول أن تُحرّض المجتمع ضد الجاليات المسلمة، كي تكسب أصوات الناخبين المتطرفين. لكنه أشار إلى quot;تناقضات موجودة بالفعل بين المعتقدات الدينية والحياة المدنية المعاصرة في البلدان الغربيةquot;.

وعبّر عن اعتقاده بأن هذه التناقضات هي التي تُسبّب المشاكل، quot;وأنه من غير الممكن أن تحكم الشرائع الدينية بدلاً من القوانين المدنية في هذه البلدان العلمانية الدستورية، خصوصًا السويدquot;. ودعا عارف إلى quot;تحديد المدى الذي يمكن للمساجد ودور العبادة الأخرى، التحرك من خلاله، كي لا تؤثر على القوانين المدنية، كما إن على الأئمة أن يتفهموا أن هناك تناقضاً في هذا الموضوع، وأن عليهم احترام ومراعاة المجتمع السويدي وقوانينه وعاداتهquot;.