تسيطر حالة من السخط والغضب على المصريين، بسبب ما اعتبروه إهداراً لأموال الدولة في المرحلة الإنتقالية بدون فائدة، لاسيما بعد حلّ مجلس الشعب، وحلّ اللجنة التأسيسية لوضع الدستور مرتين، إضافة إلى الإسراف في الإنتخابات الرئاسية، سواء من قبل الدولة أو من قبل المرشحين.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: قدّر خبراء إقتصاديون تكلفة المرحلة الإنتقالية في مصر منذ 11 فبراير/ شباط 2011، حتى إنتهاء المرحلة الثانية من الإنتخابات الرئاسية في 17 يونيو/ حزيران الجاري بـ30 مليار جنيه، أي 5 مليار دولار، أهدر منها نحو 3 مليار جنيه على إنتخابات مجلس الشعب المنحلّ، أي ما يعادل 500 مليون دولار، إضافة إلى 25 مليون جنيه على الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، أي ما يعادل 4.1 مليون دولار أميركي.

سخط المصريين
في المترو وعلى المقاهي، يتحدث المصريون بحسرة عن الأموال التي أنفقت على المرحلة الإنتقالية بدون عائد واضح من إستقرار أو ديمقراطية أو نماء، وفي مقهي وادي النيل المطلّ على ميدان التحرير، رمز الثورة المصرية، تحدث أحمد جمال، شاب في الرابعة والعشرين من عمره، لـquot;إيلافquot; قائلاً: إن أموال الدولة وأموالاً خاصة أهدرت بدون وجه حق، مشيراً إلى أن quot;الدولة أنفقت على الإستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 مارس/ آذار 2011، نحو 40 مليون جنيه، ورغم ذلك لم يلتزم المجلس العسكري بها، بل أصدر إعلاناً دستورياً مخالفًا لما تم الإستفتاء عليه، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أصدراً إعلاناً مكملاً قبل إعلان النتائج الرسمية للإنتخابات الرئاسية، يعتبر إنقلاباً على الشرعية الدستورية والشرعية الثورية، وفوق كل هذا أصدر قراراً بحلّ مجلس الشعب، ولم ينظر إلى إهدار المليارات من الجنيهات في طوال 16 شهراَ مضتquot;.

وقال جمال، الذي شارك في الموجة الأولى من الثورة التي أطاحت بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، إن الثورة جاءت من أجل إرساء الديمقراطية وتحقيق العدالة الإجتماعية، ولكن بعد نحو عام ونصف عام لم يتحقق أي شيء من أهدافها، بل نشعر نحن الشباب بأنها تسرّبت من بين أيدينا.

وفي داخل عربات مترو الأنفاق، لا ينقطع الحديث عن المال العام، الذي أهدر في المرحلة الإنتقالية، من دون أن تتحقق الديمقراطية أو العدالة الإجتماعية أو الإٍستقرار الإقتصادي.

30 مليار جنيه
وفقاً للدكتور عادل عامر رئيس مركز المصريين للدراسات الإقتصادية والإجتماعية فإن التكلفة الإجمالية للمرحلة الإنتقالية في مصر منذ إسقاط رأس النظام الرئيس السابق حسني مبارك وحتى إنتهاء الجولة الثانية من الإنتخابات الرئاسية، بلغت 30 مليار جنيهًا، أي ما يعادل 5 مليار دولار.

البرلمان المصري

أرجع عامر تلك الأرقام إلى إحصاءات وزارة المالية المصرية، مشيراً إلى أن كل مليم ـ أصغر فئة عملة مصرية، وانقرضت منذ عشرات السنين ـ أنفق تؤكده مستندات في الوزارة. وأضاف عامر أن السلطة الحالية في مصر متهمة بإهدار نحو عشرة مليار جنيه، أي نحو 1.6 مليار دولار في إنتخابات مجلس الشعب، الذي صدر قرار بحله من المجلس العسكري بعد الحكم ببطلان ثلث أعضائه.

وأوضح عامر أن هذا المبلغ يتضمن تكلفة الإنتخابات من أجور القضاة والموظفين، إضافة إلى طبع الأوراق، والإنتقالات، مشيراً إلى أن التكلفة التي تكبدتها الدولة منذ أنعقاد أول جلسات البرلمان في 23 يناير/ كانون الثاني الماضي وحتى صدور قرار حله في 14 يونيو/ حزيران الجاري تبلغ 60 مليون جنيه مصري، أي ما يعادل عشرة ملايين دولار.

ولفت عامر إلى أن هذه الأموال أهدرت، ولم تعد بفائدة تذكر على الدولة، لاسيما بعد حلّ البرلمان وحلّ الجمعية التأسيسة مرتين. وأوضح أنه خلال الأشهر الخمسة الماضية كان النائب يحصل على 16 ألف جنيه راتبًا شهريًا، يتضمن 7500 مكافأة شهرية وبدلات الانتقال والهواتف، إضافة إلى بدلات الحضور في 150 جلسة عامة، كما تحمّلت ميزانية الدولة مصاريف لجان تقصى الحقائق، التي أوفدها المجلس، والبالغ عددها 15 لجنة، تتراوح مصاريف خروج اللجنة الواحدة من 20 إلى 35 ألف جنيه، كان أشهرها اللجنة الموفدة إلى بورسعيد في أعقاب أحداث استاد بورسعيد، ومنجم السكري، كما تحمّل المجلس تكاليف إصدار العديد من التقارير، كما حصل 150 نائبًا على قروض وصلت قيمتها إلى 450 ألف جنيه بحد أقصى، 30 ألف جنيه للنائب تخصم من راتبه.

ولفت إلى أن إجمالي ما أنفقه المرشحون على الدعاية في سبيل الوصول إلى المجلس بلغ نحو 19.5 مليار جنيه مصري، مشيراً إلى أن هذه المبالغ كان من الممكن توجيهها نحو الإستثمارات، وإقامة مشروعات إقتصادية، تساهم في تحسين الأحوال الإقتصادية والإجتماعية للمصريين.

إهدار المال
فيما ينوي نواب برلمانيون مقاضاة المجلس العسكري بتهمة إهدار المال العام. وقال النائب محسن راضي إن المجلس العسكري تسبّب في إهدار نحو 19.5 مليار جنيه.

وقال لـquot;إيلافquot; إن نواب برلمان الثورة يدرسون إقامة دعوى قضائية ضد المجلس العسكري، يطالبون فيها بتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم، جراء حلّ البرلمان، لاسيما أن المجلس كان يعلم أن القانون الذي أجريت الإنتخابات البرلمانية بناء عليه يشوبه عدم الدستورية، مشيراً إلى أن الدولة والمرشحين الجدد سوف يتكبدون أموالاً مماثلة لإعادة الإنتخابات البرلمانية، مما يعني إهدارًا مضاعفاً للمال العام.

إجهاض الثورة
ويتهم النائب محمد المنشد المجلس العسكري بإهدار المال العام. قائلاً لـquot;إيلافquot; إن المجلس العسكري كان ولايزال لا يريد إتمام التجربة الديمقراطية في مصر، مشيراً إلى أنه يقود الثورة المضادة، من أجل الإبقاء على النظام السابق كما هو، وإبعاد الإسلاميين عن السلطة بأي ثمن.
وأرجع المنشد ذلك إلى أنه أصدر قراراً بحلّ مجلس الشعب، لأن فيه غالبية إسلامية من الإخوان والسلفيين، رغم أنه البرلمان الوحيد الذي جاء بإنتخابات نزيهة في تاريخ مصر.

ولفت إلى أن المجلس العسكري لا يعنيه إهدار المال العام أو إفلاس مصر نهائياً بقدر عنايته بالإستمرار في السلطة، وإجهاض الثورة، وطالب المنشد المجلس العسكري بإعادة الأموال التي أهدرت إلى خزينة الدولة، وتعويض المرشحين أو النواب الذين فازوا بإنتخابات نزيهة، وتم حلّ برلمانهم بدون وجه حق. وأضاف المنشد أن المجلس أيضاً أهدر المال العام في الإستفتاء على التعديلات الدستورية، ولم يلتزم بها، ويتصرف في بالبلاد كأنها quot;عزبةquot; خاصة به.