قامت دكتاتورية النظام السوري بزعامة بشار الأسد على حكم أُسري، فكان لا بد بالنسبة للثوار إرهاب الأسرة أي آل مخلوف وآل الأسد. وهذا ما يُستشفّ من هجوم دمشق الذي هزّ أركان النظام.


واشنطن: تناول الكاتب والباحث في معهد هوفر في جامعة ستانفورد الاميركية فؤاد عجمي تفجير مبنى الأمن القومي في دمشق ومقتل عدد من اركان النظام السوري، مشيرًا الى دلالات العملية والخسارة الفادحة التي تكبدها نظام أُسري استثمر روابط الدم والطائفة وأقام شبكة من المحاسيب والأتباع للبقاء في الحكم.

جاء في تحليل عجمي الذي نُشر في صحيفة وول ستريت جورنال:

هذا مآل لا بد منه في دمشق: هجوم الثوار يوم الأربعاء على اجتماع لكبار مساعدي بشار السد ومقتل ثلاثة منهم على الأقل.

وصلت الحرب الى آل الأسد، إذ استندت دكتاتورية سوريا الى حكم أُسري فكان لا بد من إرهاب الأسرة. ولا يمكن أن يكون هناك أمن مطلق للحكام.

كان آصف شوكت، صهر الحاكم ونائب رئيس اركان الجيش، لاعبًا كبيرًا في النظام.

كان واحدًا من طغمة غاشمة، ارتقى من الفقر، جنديًا علويًا أقبل على السلطان والمال عندما تزوج من ابنة الدكتاتور الراحل حافظ الأسد الوحيدة.

لمتابعة تطورات الثورة السورية لحظة بلحظة، يرجى النقر على الصورة

وفي العالم السياسي لهذه الزمرة المتكتمة قيل إن شوكت كان منافس ماهر الأسد، شقيق الحاكم الأصغر الذي يقود لواءه القاتل.

كما استهدفت الضربة ابن الخالة حافظ مخلوف. وكان اختصاص آل مخلوف النهب على نطاق واسع، إذ كانوا يتربعون على اقتصاد دعامته المحسوبية، وكانوا طفيليين جشعين وجباة آل الأسد.

يأتي قتل وزير الدفاع داود راجحة بمرتبة أدنى من الأهمية، فهو المسيحي كان واجهة في نظام حكم لا يعرف إلا ترقية الطائفة العلوية المهيمنة، ولا يثق بسواها.

يمكن القول إن آل الأسد جاؤوا للعلويين بمغانم ومخاطر على السواء، أخذوهم ـ بوصفهم طائفة محتقرة تاريخيًا ـ من إملاق الجبال وأعطوهم السلطان طيلة اربعة عقود.

وكان الصرح شاذا، مجتمع ذو أغلبية سنية تعتز بمكانتها في التاريخ الاسلامي، يُخضَع لحكم رهط quot;كافرquot; من الخوارج.

ونشأ مجمع تجاري ـ عسكري منح النظام قدرًا من الغطاء بشراء رجال أعمال سنة ومسيحيين انخرطوا في مشروع الأسد معتبرين ذلك طريقة للحيلولة دون تفاقم انقسامات سوريا.

وانبثقت الثورة التي انطلقت قبل نحو 17 شهرًا، من الريف المهمل، من المجتمع السني الريفي الذي هُمش ونُهب في اقتصاد الجشع الذي يديره آل مخلوف وآل الأسد.

وتشبث النظام ظنًا منه بأن كل جرعة جديدة من الارهاب ستكون هي العلاج الناجع.
وعلى امتداد الشطر الأعظم من هذه الثورة أُبقيت دمشق نفسها بمنأى عن المعركة، ولم يكن للنظام رصيد في ازقة المدينة المنكسرة القديمة ومساجدها.

ولكن الخوف كان يعوض عن غياب الرصيد. إذ كانت وحدات النظام النخبوية تتمركز في دمشق، وفي دمشق كان من المحتم أن يبقى النظام أو يسقط.

وكان من شأن حسم هذه الحرب الطاحنة في وقت مبكر أن يُبقي مؤسسات الدولة السورية على حالها، بلا مساس، وكان من شأن ذلك أن يتيح للعلويين أن يتنصلوا من الخراب وأن ينأوا بأنفسهم عن جرائم الأسد وان يتوصلوا الى تفاهم مع الغالبية السنية.

ولكن بشار الأسد كان ماكرًا، إذ توثق من تلويث العلويين كطائفة بالمجازر الأخيرة التي سممت البئر بين الطائفتين.

أُطلق قرويون علويون على جيرانهم وكانوا يقتلون على مقربة، وكان الناجون يعرفون القتلة، فهم تعلموا معهم في المدرسة.

ودُحضت الرواية القائلة إن هذا كان عنف النظام في المجازر الرهيبة الأخيرة، إذ كانت هناك منهجية في القسوة، وسيكون هذا محسوسًا في المرحلة المقبلة: كان النظام ذو القاعدة العلوية يعمل على تسوية الحدود لوطن علوي.

وارتُكبت أعمال القتل الأخيرة في قريتي الحولة والتريمسة على الخط الفاصل بين جبال العلويين وسهول السنة.

وفي هذا السيناريو، يلوذ العلويون بالفرار، تاركين دمشق وحمص ـ مدينتان كان وجودهم فيهما كمية مهملة في العقود الماضية ـ ويتحصنون في الجبال العلوية والساحل المتاخم لها.

وفي هذا السيناريو تحتدم معركة رهيبة من اجل الفوز بدمشق، فالأسياد والأزلام العلويون على السواء اعتادوا ترف الحياة المدينية ولم تعد الجبال الاسطورية تليق بهم.

وتُنسى في انزلاق سوريا الى الهاوية الآمال التي عُلقت ذات يوم على الأسد.
إذ اقترن بالفتاة المناسبة ـ سنية ذات اصول حمصية مولودة في لندن ـ وتحدث عن الاصلاح.

وكان بلده تواقًا الى تصديقه وإمهاله. وبدأ المحتجون بلافتات وشعارات داعين الى الاصلاح، وأشعلت الفتيل حفنة صبيان في مدينة درعا المنسية: بوحي من تونس ومصر خطوا شعارات مناوئة للنظام على الجدران.

ولكن هذا النظام لا يعرف إلا حكم الكرباج. نحو 27 مركز تعذيب في انحاء البلاد، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان.

وفي أول حرب اهلية على يوتيوب في عصرنا، تتحدث اشرطة الفيديو عن نظام ازداد قسوة مع تسلل الرعب الى صفوفه.

تخطى السوريون نقطة اللاعودة مخلفين وراءهم عبودية الماضي الى غير عودة.