في وقت تهدد إسرائيل بالحل العسكري لوقف البرنامج النووي الإيراني، تتواصل الحرب الخفية بين البلدين في الظل حيث يحاول كل طرف إثبات قدرته على إرباك حسابات الآخر من خلال عمليات قتل وتفجير في كافة بقاع المعمورة.


عبوة مغناطيسية تنفجر على سيارة دبلوماسية في نيودلهي. الشرطة الكينية تعثر على كمية من المتفجرات في مضمار غولف في مدينة مومباسا. خمسة سياح إسرائيليين وسائق حافلة بلغاري يُقتلون في هجوم خارج مطار مدينة بورغاس السياحية على البحر الأسود.

وما هذه إلا امثلة قليلة على ما يقول مسؤولون استخباراتيون اسرائيليون واميركيون انها 12 مؤامرة تقريبا تشكل العمود الفقري لحملة متواصلة تقوم بها ايران وحزب الله ضد إسرائيل وحلفائها في الخارج. ولكن العلاقة بهما تبدو واهية احيانا والتكتيكات متباينة والأهداف مبعثرة في أنحاء العالم، من منطقة القوقاز الى جنوب شرق آسيا مرورا بالبحر المتوسط.

عناصر من الشرطة في أعقاب الهجوم على السفارة الإسرائيلية في نيودلهي

وقال ماثيو ليفيت مدير برنامج مكافحة الارهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى quot;ان هذه ليست قصة جاسوسية مثيرة ، لها بالضرورة حبكة يستطيع القارئ تتبعها من صفحة الى أخرىquot;. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن ليفيت ان quot;ايران وحزب الله يعتاشان على قدر معقول من الإنكارquot;.

ويقول محللون ان للحرب الخفية التي تضع اسرائيل في مواجهة ايران وحزب الله قواسم مشتركة مع مناورات العباءة والخنجر بين وكالة المخابرات المركزية الاميركية ـ سي آي أي ـ وجهاز الاستخبارات السوفيتية ـ كي جي بي ـ في زمن الحرب الباردة اكثر مما يجمعها بالحملة الارهابية لتنظيم القاعدة المتعطش للتغطية الاعلامية.

وقال الباحث في مركز الأمن الاميركي الجديد في واشنطن اندرو اكسيوم ان الايرانيين quot;يريدون ما يكفي من الإبهام بحيث لا يمكن التثبت من مسؤوليتهم، يريدون تلك البذرة من الشك التي تجعل من الصعب ان ترد إسرائيل أو الولايات المتحدةquot;. وأضاف ان النزاع الذي يدور في الخفاء كان ينبئ بالعودة الى quot;الفنون السوداء للحرب الباردةquot;.

وبعد عملية التفجير في بلغاريا نفت ايران وحزب الله ضلوعهما بسرعة كادت تضاهي سرعة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في اتهامهما بالمسؤولية. ويتفق المسؤولون الأميركيون والبلغار ضمنا مع رأي نتنياهو ولكنهم لا يصرحون بذلك ولا سيما ان أدلة يُعتد بها لم تُقدم عن الجهة التي تقف وراء هذه العمليات وكيف.

ولدى الاستخبارات الاسرائيلية أدلة على اجراء عدة اتصالات هاتفية بين لبنان ومدينة بورغاس في الشهرين اللذين سبقا التفجير، بحسب مسؤول اسرائيلي تحدث لصحيفة نيويورك تايمز طالبا عدم ذكر اسمه. وقال المسؤول quot;نعرف المصدر في لبنانquot; ولكن ليس هوية الطرف الآخر في بلغاريا، مضيفًا أن quot;المفروض ألا يعرفوا اننا نعرف الأرقام الهاتفية في لبنانquot;.

وبعد اسابيع على الهجوم توقفت التحقيقات البلغارية عمليًا. ولم يتمكن المسؤولون البلغار حتى الآن من معرفة هوية الانتحاري الذي نفذ الهجوم أو شريكه المفترض. ويتردد البلغار في إعلان مسؤولية حزب الله بلا دليل دامغ، نظرًا إلى أن الاتحاد الاوروبي لم يدرج قط اسم الحزب على قائمة المنظمات الإرهابية.

ويتوقع الحلفاء الاوروبيون ان تُقدَّم أدلة ملموسة أقوى من حفنة اتصالات هاتفية قبل التحرك ضد حزب الله. وقال مسؤول أمني كبير في المانيا إن لدى الاوروبيين quot;بعض الشك في ضلوع حزب الله نفسه كتنظيم وليس استخدام ايران افرادا ينتمون على نحو ما الى حزب الله مثلاquot;.

ويبدو أن التحقيق في هجوم نيودلهي قطع شوطا ابعد، ولكن هناك ايضا تضع العلاقات الدبلوماسية والتجارية الهند في موقف محرج. فان إيران مصدِّر كبير للنفط الى الهند التي تعمل جاهدة على ايجاد توازن بين علاقاتها مع ايران واسرائيل والولايات المتحدة.

واصدرت الشرطة الهندية في آذار/مارس مذكرات إلقاء قبض على ثلاثة إيرانيين لارتباطهم بهجوم نيودلهي. ولكن عندما ذكرت صحيفة ذي تايمز اوف انديا مؤخرًا أن الشرطة توصلت إلى أن الحرس الثوري الايراني هو المسؤول سارع مسؤولون هنود الى نفي النبأ.

وكانت بعض المؤامرات متسرعة وحتى غبية. ففي تايلاند مثلا فجر المتآمرون عبوة ناسفة داخل بيتهم الآمن فيما باءت مؤامرات أخرى بالفشل أو أُحبطت قبل التنفيذ.

وقالت راشمي سنغ من مركز دراسة الارهاب والعنف السياسي في جامعة سانت اندروز البريطانية في اسكتلندا لصحيفة نيويورك تايمز quot;نحن نعتبر إيران وحزب الله كيانين صوانيين دون أن ندرك أن هناك صراعات داخلية ومعارضة وتكتلات، وأن هذه الأشياء تصبح مهمة عندما تكون هناك ضغوط خارجية كما هي الحال الآنquot;. وأضافت سنغ أن ما يجري في سوريا يزيد هذه العوامل حدة أكثر من أي وقت مضى.

ولاحظ خبراء أن انتشار هذه المؤامرات في مناطق متفرقة من العالم ابقى اسرائيل متيقظة، مشيرين إلى أنها لم تكن لعبة القط والفأر بقدر ما كانت مؤامرات تُحبط هنا لتظهر هناك، في افريقيا واوروبا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا.

وقال مسؤول اسرائيلي كبير إن هذه الهجمات كانت مدفوعة بقدر من الاستماتة لتنفيذها بأي ثمن، ولم تكن حسنة الإعداد بالضرورة. quot;وحتى عندما أُجهضت كان هناك إحساس بأنهم فعلوا شيئا. فهم يحتاجون إلى أن يقدموا بعض النتائجquot;.

ويرى محللون أن تزايد هذه المخططات يدل أيضًا على وجود غضب متزايد في طهران بسبب العقوبات الدولية. وهم يقولون إن الانتقام البسيط دافع ممكن.

وكان حزب الله تعهد الرد على اغتيال مسؤوله الأمني عماد مغنية في سوريا عام 2008 وتتهم ايران اسرائيل بالوقوف وراء اغتيال اربعة على الأقل من علمائها النوويين. وأقر افريم هاليفي الرئيس السابق لجهاز الموساد بأن الحرب الخفية بين ايران واسرائيل ليست احادية الجانب بل حرب يتبادل طرفاها الهجمات بينهما.

واتضحت ابعاد الحملة الايرانية الجديدة في شباط/فبراير عندما استُخدمت ضد اسرائيليين تكتيكات مماثلة لتلك التي استُخدمت في قتل العلماء الإيرانيين. فان دراجة نارية وقفت بجانب سيارة تابعة للسفارة الاسرائيلية في نيودلهي والصقت عبوة ناسفة صغيرة بها. وأُصيبت زوجة مسؤول عسكري اسرائيلي في الانفجار مع ثلاثة آخرين ولكنهم نجوا كلهم.

وفي تبليسي عاصمة جورجيا عثر سائق يعمل في السفارة الاسرائيلية، في اليوم نفسه، على جسم ملصق مغناطيسيا باحدى سيارات السفارة، كما قال لإحدى القنوات التلفزيونية الجورجية. وفي اليوم التالي هزّ انفجار منزلا في بانكوك وفقد رجل ساقيه إثر انفجار عبوة ناسفة عندما حاولت الشرطة إلقاء القبض عليه. واعتُقل شخص ثالث في ماليزيا. وقالت الشرطة التايلاندية إن هؤلاء المتهمين ايضا ارادوا استهداف موظفين في السفارة الإسرائيلية بمتفجرات لاصقة.

ويقول مسؤولون اسرائيليون ان بحوزتهم اتصالات هاتفية ورسائل نصية بين تايلاند والهند وباكو عاصمة اذربيجان حيث اعلنت السلطات اعتقال 22 شخصا قالت إن ايران جندتهم لتنفيذ هجمات ارهابية ضد اهداف اسرائيلية وأميركية وغربية اخرى.

وبحلول منتصف الصيف أُجهضت كل العمليات أو اخفق المكلفون بها في تنفيذها. واعتُقل إيرانيان في نيروبي في حزيران/يونيو بالارتباط مع العثور على متفجرات في مضمار غولف في مومباسا. وفي تموز/يوليو اعتقلت الشرطة القبرصية لبنانيا يحمل جواز سفر سويديا بتهمة استطلاع طائرات وحافلات تنقل سياحا إسرائيليين إلى الجزيرة.

وبعد ايام قليلة اندسّ شاب نحيل يحمل حقيبة كبيرة على ظهره بين جمع من السياح الاسرائيليين في مطار مدينة بورغاس وفجر العبوة التي كانت في حقيبته ناسفا مع هدفه أي إحساس لدى الاسرائيليين بقدراتهم الفائقة في مجال الأمن.

وان يكون مدنيون ضحايا الهجوم في بلغاريا وليس اهدافا دبلوماسية أو عسكرية فان هذا لا يشير بالضرورة الى أن آخرين غير الايرانيين أو حزب الله كانوا وراء الهجوم، بحسب صحيفة نيويورك تايمز ناقلة عن ليفيت مدير برنامج مكافحة الارهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ان المرء عندما يفشل ويمر الوقت فانه احيانا يبحث عن هدف أسهل.

وقال الباحث يورام شفايتزر من معهد دراسات الأمن القومي في اسرائيل إن المسؤولين عن هذه الهجمات ارادوا اقحام اسرائيل في قتال مع جيرانها. وأضاف شفايتزر انه quot;لهذا السبب على وجه التحديد فان من الأفضل ان تنتهج اسرائيل سياسة ضبط النفس وترد في الوقت الذي تختاره بطريقة موجهة وخفيةquot;.

بكلمات اخرى ان النزاع مستمر في الظل.